مقالاتمقالات مختارة

هل لدى الشيعة سند للقرآن الكريم؟ ج(3)

هل لدى الشيعة سند للقرآن الكريم؟ ج(3)

بقلم زياد مبارك

مما سبق ذكره في المقال السابق (هنا) أن الفرقة الشيعية – المنتسبة إلى الإسلام – لم يكن أمامها لانتحال سند من أسانيد القرآن الكريم إلا ثلاث طرق لا غير. أن تضع سندًا لرواية الإمام المعصوم عن الإمام المعصوم في الطبقة التي فوقه إلى علي بن أبي طالب وهذا لم يكن ممكنًا. أو أن تضع إسنادًا يتخلله رواة غير معصومين وهذا غير ممكن لأن غير المعصوم لا يمكن أن يكون شيخًا للإمام المعصوم. وأخيرًا لم يتبق غير الادعاء الأجوف بأن أحد أسانيد أهل الإسلام هو لهم بحجة أن رواته من الشيعة.

فوقعوا على قراءة حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النجود عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب. واحتجوا بأن حفصًا من أصحاب الإمام جعفر الصادق كما ذكر عالمهم الطوسي في كتابه (رجال الطوسي). وأن عاصمًا من أعيان شيعة الكوفة الأعلام كما ذكر ذلك أبو الفتوح الرازي. وأن أبا عبد الرحمن السلمي من خواص علي بن أبي طالب كما ذكر ذلك ابن قتيبة في كتاب (المعارف)، والبرقي في كتاب (رجال البرقي). وهذا الاحتجاج والعزو إلى المصادر دوَّنوه بموقعهم (مركز الأبحاث العقائدية). والآن لنرى هل مثل هذا الاحتجاج يستحق أن يُنسَب للبحث العلمي، وهل يصمد أمام التحقِّيق العلمي؟ أم أنه مجرد ذرٍّ للغبار في العيون. ولنفضِّ الوهم فهذا تفصيل عن هؤلاء الرواة الحفظة من كتب علماء الفرقة الشيعية.

• حفص بن سليمان

إن أوثق الكتب في علم الرجال عند الشيعة هي: (رجال الكشي)، و(رجال الخاقاني)، و(رجال النجاشي)، و(رجال ابن داؤود الحلي)، و(رجال البرقي). وجميع تلك الكتب لم تترجم لحفص على الإطلاق. إنما الطوسي فقط ذكر أن حفصًا من أصحاب الصادق، ولم يذكر فيه لا جرحًا ولا تعديلًا (ولا توثيقًا!).

وليس كل من ذكره الطوسي في رجاله يكون شيعيًا فقد ذكر في رجاله النواصب أيضًا! بل قال آية الله التستري في كتابه (قاموس الرجال): «إن قول فلان من أصحاب الصادق لا يعدّ توثيقًا للرجل ولا كونه شيعيًا إماميًا». وقد ذكر الطوسي أن أحمد بن الخصيب من أصحاب الإمام الهادي، مع أنه ناصبي (كمثال).

وها هو عبد الرحمن بن يوسف بن خراش من محدِّثي الشيعة قد طعن في حفص واتهمه بالكذب فقال: «كذاب.. متروك.. يضع الحديث»!

أما المسألة الهامة في التوثيق لحفص عند الطوسي – وقد نقل عنه بقية علماء الرجال الشيعة – أن حفصًا مجهول، لم يذكر عنه غير هذه العبارة: «من أصحاب الصادق أُسند عنه».. فلم يبيّن أهو ثقة، عدل، ضبط، أو إمامي. ولم يبيّن من رووا عنه. ومجهول الحال ضعيف بلا خلاف في ذلك. أما قوله إن حفصًا من أصحاب الصادق فقد ذكر أيضًا عن أبي حنيفة، فهل يُقال بتشيِّعه بنفس المكيال. وذكر ضمن أصحابه أبا جعفر المنصور الذي يعتبر من أعداء آل البيت النواصب.

أما عالمهم السيد الخوئي فقد جاء بالخبر الأكيد وردَّ تعديل أصحاب الصادق – الذين يبلغون في كتبهم 4 آلاف – لمجرد الصحبة وإلا لزم الشيعة تعديل الصحابة بذات التعليل. وهذا ردٌّ على من يكفرون أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ويعدِّلون أصحاب الصادق.

• عاصم بن أبي النجود

وهذه العبارة التي أوردها مركز الأبحاث لا تفيد في قليل أو كثير: «وأن عاصمًا من أعيان شيعة الكوفة الأعلام كما ذكر ذلك أبو الفتوح الرازي». فالعالم الشيعي الرازي من علماء الشيعة في القرن السادس الهجري مصنِّف تفسير (روض الجنان وروح الجنان) بالفارسية، وله مصنفات أخرى بالفارسية، لم يكن من علماء الرجال أو الجرح والتعديل. فما علاقته بالتوثيق والقطع بتشيّع عاصم. فهذه عبارة جوفاء مرسلة لم يشر فيها لمصدر يُراجع في أصله هذا التوثيق المزعوم. ولكن بفرض أن عاصمًا من أعيان الشيعة. فعلى اصطلاح المتقدمين فالشيعي هو الذي يفضِّل عليًا بن أبي طالب على عثمان لا الرافضي الذي يعتقد بعقائد الفرقة الشيعية من تكفير للصحابة وطعن في أمهات المؤمنين. ولا يخفى على أحد أن الكوفة هي معقل شيعة علي لأنه اتخذها عاصمةً له. ومدار الأمر على زعمهم أن عاصمًا الكوفي رافضي يؤمن بما يؤمن به هؤلاء الباحثون الذي لا يعرفون عن البحث شيئًا بمركز الأبحاث.

• أبو عبد الرحمن السلمي

وأخيرًا، أبو عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة تابعي أبوه صحابي (من الذين يكفرهم الشيعة)، وهو شيخ عاصم. واحتجوا في تشيّعه بقول ابن قتيبة في كتاب (المعارف) أنه من خواص علي بن أبي طالب. وبالرجوع لكتاب المعارف فلم أعثر على ما نسبوه له، وهذا ما ذكره ابن قتيبة عن أبي عبد الرحمن: «أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الله بن حبيب من أصحاب علي عليه السلام، وكان مقرئًا ويحمل عنه الفقه». ومع هذا – رغم التدليس – في الكلام فهو لا يثبت شيئًا والردُّ مثلما ذكرنا عن قول الطوسي في حفص.

واحتجوا بنفس القول للبرقي في كتابه (رجال البرقي)، أي أنه من خواص علي بن أبي طالب، وهذا صحيح النسبة للبرقي. ولكنهم – كالعادة – تجاهلوا معلومة ذكرها الواقدي، وهي أنه كان عثمانيًا يفضِّل عثمان عن علي، وبهذا فهو على غير اعتقادهم في علي بن أبي طالب الذي يفضِّلونه على سائر الخلفاء الراشدين.

وبالرغم من محاولة السيد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشيعة) نفيّ كلام الواقدي في أبي عبد الرحمن السلمي، وهو الذي شهد معركة صفين مع علي بن أبي طالب؛ ولكن الباحث التاريخي الشيعي حسن بن فرحان المالكي قد جزم بأن السلمي من فرقة العثمانية وقسَّم هذه الفرقة – كما اصطلح – إلى أقسام عدَّدها في (مقال له) بموقعه. وهذا مما لا يمكن نفيه بسهولة كما يحاول السيد محسن أمين فأبو عبد الرحمن السلمي من رواة البخاري، وهو يكتب في إسناده: «عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانيًا». وما هذا الاضطراب في الآراء إلا مما ينتاب كل الفرق ذات الاعتقادات الوضعية بصورة لازمة لأنها شذّت عن أسباب الاتفاق وعُروة التآلف، فترى أصحابها يهيمون في أوديةٍ شتى بأفكار مشتتة لا تكاد تجتمع.

وخلاصة القول، فجميع أسانيد القرآن الكريم في الروايات السبع، والتي أُضيفت إليها ثلاث روايات على يد الإمام ابن الجزري فصرنَ 10 متواترات نُقلت إلى أمة الإسلام بواسطة رجال قراء حفظة عقيدتهم على منهج الإسلام الصحيح، منهج أهل السنة والجماعة. وليس لفرقة مختلة العقائد والمنهج أن تنسب لنفسها نقلَ إحدى هذه القراءات لمجرَّد أن رواتها من أهل الكوفة، ولا واحدًا من رجالها. أما المواقع التي تدَّعي الأكاذيب وتنشرها وتتسمَّى منتسبةً للإسلام وللبحث العلمي والعقائدي فتكفي جولة واحدة في صفحاتها ليعلم الزائر أنها تدين بدين الفرس ولا علاقة لها بالإسلام، ناهيك أن يكون لديها فضل في نقل القرآن وحفظه.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى