هل قدرُنا أن نعيش تحت حكم الطغاة؟
بقلم باسل المحمد
في الحديث عن الطغاة لا أريد العودة إلى الماضي، والحديث عما عانته الشعوب العربية من توالي الطغاة والمستبدين على حكمها، ولكن أودُّ الحديث عن تاريخنا الحديث مع هؤلاء الطغاة؛ أي بعد خروج المحتلين من أرضنا، وهي اللحظة التي ظننا أنفسنا أننا تحررنا، وانتصرنا على المحتل، وسنبني أوطاننا بكل حرية وديمقراطية، لكن تفاجأنا بعدها أن الاحتلال الغربي مازال يحكم قبضته علينا، لكن هذه المرة بمخالب من أبناء جلدتنا، هذه المخالب هي الأنظمة التي استغلت كل خيرات البلاد لترسيخ وتأبيد حكمها، وعملت جاهدةً على سحق كل الحركات الوطنية التي طالبت بالديمقراطية والعدالة، واتهمتها بالخيانة والعمالة للغرب، في حين كانت هذه الأنظمة نفسها أكبر عميل وخادم للغرب.
واستمر الحال كذلك، حتى كدنا نفقد أي أمل في الإصلاح والتغيير؛ نتيجة السطوة الأمنية والعسكرية المفرطة لهذه الأنظمة، ولكن جذوة الأمل والحرية بقيت متقدة في نفوس الأجيال العربية رغم كل الظلم وكل القهر، لتتحول هذه الجذوة مع مرور الزمن إلى بركان غضب، فجَّر ما يعرف بالربيع العربي، عندما ثارت الشعوب العربية على الاستبداد وواجهت قمع هذه الأنظمة بصدورها العارية، وقدمت قوافل الشهداء في سبيل نيل حريتها، وفعلاً نجحت هذه الثورات في العديد من الدول العربية في إسقاط هذه الأنظمة المستبدة، ولكن فرحة الشعوب العربية لم تكتمل، إذ اكتشفت هذه الشعوب أن هناك ما يسمى بالدولة العميقة، وهي الدولة التي فشلت الشعوب بإسقاطها كما أسقطت السلطة الحاكمة ظاهرياً، هذه الدولة العميقة كان لها الدور الأكبر إضافة لدعم دول إقليمية تخشى على حكمها من انتشار التجربة الديمقراطية، في صناعة ما يسمى ب”الثورات المضادة”، والتي ساهمت بدورها في إعادة انتاج طغاة أكثر استبداداً وقمعاً ممن سبقهم، كما حدث في مصر مثلاً، عندما انقلب السيسي على الحكومة المدنية المنتخبة، وبطش بكل صوتٍ يعارضه، وفعل كل ما يستطيع ليبقى في الحكم، ومن الدول التي تم فيها إعادة إنتاج أو تدوير الطغاة السودان والجزائر، عندما تم خطف الحراك المدني، وجرت مسرحية تبادل للأدوار بين جنرال وآخر دون تحقيق أي تحوّل ديمقراطي على الأرض، ولتبقى شعوب هذه الدول تعيش تحت وطأة الحكم العسكري، الذي خرجوا بالأصل لإسقاطه والتخلص منه، أما في سوريا فالمأساة مازالت مستمرة، بعد أن تفاجأ السوريون أن النظام الذي يحكمهم هو جزء من محور استبداد عالمي يمتد من روسيا إلى إيران، ولم يتوقف الأمر على هذه الدول إذ امتد ليصل إلى تونس مهد الربيع العربي، والتي كانت تنظر إليها الشعوب العربية على أنها النموذج الديمقراطي الأفضل والأنجح بين بلدان الربيع العربي، والذي ساهم إلى حدٍ ما في تحقيق مطالب الشعب التونسي في التخلص من حكم العسكر وإقامة نظام مدني ديمقراطي، وقد استمر هذا النجاح لعدة سنوات مع كثير من الملاحظات حول نظام الحكم وسلبياته، ولكن المفاجأة كانت بما حدث في تونس في الفترة الأخيرة، والذي كان أقرب إلى انقلاب أبيض، بعد أن أمر الرئيس التونسي بحل مجلس النواب المُنتخب، وإقالة الحكومة، إضافة إلى العديد من القرارات التي أعادت البلاد إلى سلطة الحزب الواحد، والشخص الواحد، لتعود تونس بهذه القرارات إلى حظيرة الاستبداد والاستعباد، فيا ترى هل ستعيد تونس إشعال جذوة الحرية والكرامة من جديد، أم أن قدرنا كشعوب عربية أن نبقى تحت رحمة هؤلاء الطغاة إلى الأبد؟
المصدر: رسالة بوست