هل قتل الدعاة سنة ماضية أم معضلة تستوجب المراجعة؟
بقلم بسام ناصر
قضت محكمة النقض المصرية الإثنين الماضي، بتأييد حكم الإعدام بحق 12 شخصا من قيادات الإخوان المسلمين وأعضائها، بينهم عبد الرحمن البر، ومحمد البلتاجي، وصفوت حجازي، وأحمد عارف، وايهاب وجدي محمد، ومصطفى عبد الحي الفرماوي، وأحمد فاروق كامل..، ويعتبر الحكم الصادر عن المحكمة حكما نهائيا ولا يمكن الطعن فيه حسب القانون المصري.
الحكم الصادر بحق قيادات إخوانية يثير أسئلة قلقة حول هذا المصير المفجع لهذه الرموز، بين من يرى أن ما يجري ما هو إلا سنة من سنن الدعوات الربانية، الثابتة والمطردة قديما وحديثا، وبين من يطالب بإعادة النظر في النهج بأسره الذي سيفضي كمآل حتمي إلى الصدام مع الأنظمة القائمة، وهو ما يعني بالضرورة تكرار مشهد الإعدام هنا وهناك من غير أن تجني الحركات أي ثمار نافعة جراء تلك الإعدامات المفجعة.
وعادة ما يكون وقع مثل تلك الأحكام شديدا في أوساط الحركات الإسلامية، خاصة بعد تنفيذها وإمضائها، وهو ما يحفزها للبحث عن مسارات تجنبها الصدام مع الأنظمة القائمة، صيانة لأرواح قياداتها وأعضائها، وحفاظا على وجودها الفاعل والمؤثر، وحرصا على مكتسباتها التي أنجزتها بعملها التراكمي الدؤوب.
ووفقا للكاتب والإعلامي المصري، وعضو الفريق الرئاسي للرئيس محمد مرسي، أحمد عبد العزيز فإن قدر الحركات الإسلامية أن تصطلي بأحكام الإعدام المفجعة بوصفها سنة من سنن الدعوات الربانية المطردة، “فاضظهاد الطغاة للمصلحين، قديم قِدم التاريخ، والقرآن الكريم زاخر بقصص الأنبياء وما لاقوه من عنت واضطهاد، وقتل وتشريد، على أيدي (النخب) في مجتمعاتهم، أو على أيدي معاصريهم من الطغاة، ما يعني أنها سيرورة تاريخية ممتدة، إلى أن يمكّن الله المصلحين في الأرض”.
أحمد عبد العزيز.. كاتب وسياسي مصري
وردا على سؤال “عربي21” حول مدى انعكاس قرارات الإعدام المتتالية على تفكير الحركات والجماعات الإسلامية، قال عبد العزيز ” من الوارد أن تحاول الجماعات الإسلامية تجنب الصدام مع الأنظمة القمعية المستبدة، باللجوء إلى تبني المواءمات المتاحة والممكنة، ولكن هذه الأنظمة لن تكف عن ملاحقة هذه الجماعات أو احتوائها بشتى الطرق، خشنة كانت أو ناعمة؛ لإدراكها (التام) بأن وجود هذه الجماعات، وانتشار أفكارها بين الجماهير يشكل تهديدا وجوديا لها”.
وأضاف: “ومما يؤرق هذه الأنظمة الفاشية، أنه قد بات راسخا في أذهان قطاعات واسعة من الجماهير قناعة مفادها (أن الإسلام نزل ليَحكُم لا ليُحكّم”.. وهذه قناعة كافية جدا لاستفزاز هذه الأنظمة؛ كي تشحذ كافة طاقاتها لنسفها أو إضعافها كلما أمكن ذلك”، متسائلا: “ولكن إلى متى”؟.
من جهته وصف الأكاديمي المغربي، المتخصص في القانون الدستوري، الدكتور خالد العسري الأحكام الصادرة بحق قيادات إخوان مصر “في واقعة كانوا هم ضحيتها بـالحدث المفصلي المضاف، ما يجلي طبيعة نظام الثورة المضادة الذي يحكم مصر الآن”.
وأضاف: “أما ما يقال عن أن الابتلاء قدر إلهي ففيه الكثير من المبالغة، ذلك أن سنن الله عز وجل تتغاير حسب السياقات، فمنها الابتلاء الشديد من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس، ومنها المنّ الإلهي على المستضعفين بأن يجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين، وما بين الابتلاء الشديد والوراثة الكاملة مراتب عديدة تتبوأها تنظيمات الحركات الإسلامية حسب الواقع الذي تتحرك فيه”.
وتابع في حديثه لـ“عربي21”: “لكن ما يهم في هذا الباب، هو أنه يُفترض أن يستقر في وعي أبناء التنظيمات الإسلامية وسلوكهم أن الابتلاء الإلهي يكون بالخير وبالشر، وفي كلا الوضعيتين فإن المطلوب هو الثبات على الموقف، والانحياز إلى المبدأ، لذلك ظل النداء الرباني للرجال الصادقين: أن يقضوا نحبهم أو ينتظروا ساعتهم، ولا يبدلوا تبديلا، والشهداء لا يرحلون، وبهم يُفرق بين الطغاة والأحرار الأُباة، فبعمّار عُرفت الفئة الباغية”.
خالد العسري..أستاذ جامعي مغربي
ولفت إلى أن “شهداء أرض الكنانة سيظلون أحياء في ضمائر الأجيال، يجسدون كمال الثبات على الحق، والذود عن حق الشعب في الحرية والعدالة والشرعية، والعجيب أنهم سيظلون القضاة والشهداء على عصرهم على مر التاريخ”.
وحول مدى تأثير تلك القرارات على تفكير ومسار الحركات الإسلامية، أشار العسري إلى أن “القمع الرهيب المسلط على التنظيمات الإسلامية قد يلجئها إلى إعادة التفكير في استراتيجية فعلها السياسي والمدني، ومن المؤكد أن الاجتهادات تتباين بتباين امتدادات التنظيم الشعبية، وقوة تأصيلاته الفقهية والفكرية لاختياراته، ومدى تماسك قيادته رغم كل صنوف القهر والتعذيب والتضييق، ومدى صلابة إرادته حتى لا تتحول المراجعات إلى تراجعات تُلبّس على وضعية الاستسلام بمقولات تبريرية تسويغية لوضعية يصعب على التنظيم الخروج من مأرقها”.
وطبقا للباحث المغربي العسري فإن “الإشكال مع الأنظمة الشمولية يتمثل في أنها تقتل السياسة، وترفض أي ممانعة من أي قوة مجتمعية كيفما كانت أيديولوجيتها، فهي تريد عبودية طوعية أو قسرية من كل أفراد الشعب، ووسيلتها في ذلك إشاعة أجواء الرعب، لذا فإنها لا ترضى من أي تنظيم أي يمس بسؤال شرعيتها، وهو ما يعني الصمت الكلي على سؤال أحقية الحاكم بالسلطة”.
وأردف “وفي أفضل الأحوال يقبل النظام السياسي الشمولي ـ على شاكلة النظام المصري ـ بأن يمنح الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية مساحة من الحركة في هوامش لا تؤثر على سلطته، بل تعد من وسائل إضفاء الشرعية على سلطويته” على حد قوله.
وواصل: “لذلك فإن السؤال المطروح على التنظيمات الإسلامية في تعاملها مع مثل هذه الأنظمة هو: هل ينبغي البحث في آلية تغيير النظام السياسي أم البحث عن منطقة وسطى للتصالح معه؟ فالبحث عن تلك المنطقة يعني حركية كل من التنظيمات والنظام السلطوي إلى تلك المنطقة، وما يتطلبه الأمر من تنازلات مشتركة، وقد يكون الفعل محمودا، لكنه سيكون استسلاما كليا أمام نظام سياسي يعدم قيادات عاشت مظالم بالجملة”.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن “البحث في آلية التغيير إنما يكون بمساءلة وسائل التغيير الممكنة وأساليبه بعد مساءلة كل الاختيارات التي تمت تجربتها، من أجل إبداع اختيارات استثنائية غير مسبوقة تتطلبها المرحلة الحرجة التي يمر بها التنظيم وعموم الشعب الذي اغتيلت مطالبه في الحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية”.
يُشار في هذا السياق إلى أن غالب الحركات الإسلامية في معرض تقييمها لتجاربها السياسية إنما تنحو في بيان أسباب تعثر تجاربها تلك بمآلاتها المفجعة إلى أسباب ومخططات خارجية، مع بروز أصوات ـ ما زالت خافتة ـ تدعو إلى أهمية دراسة الأسباب الذاتية التي تكمن وراء تعثر تلك التجارب، وهو ما يفضي في بعض الأحيان إلى الخلط بين ما يكون ابتلاء واختبارا وبين ما يكون أخطاء وسوء إدارة للأزمات، حتى تتحاشى تلك الحركات ومثيلاتها الوقوع فيها في مستقبل الأيام.
(المصدر: عربي21)