هل فشل الإسلام في مسايرة الزمان سياسيا بعد انتهاء الخلافة؟ | د. محمد عمارة
إن الخلافة الإسلامية، كفلسفة، هي التي تحقق خلافةَ الإنسانِ عن الله – سبحانه وتعالى- في عمارة الأرض على المنهاج الذي أوحاه الله إلى الأنبياء والمرسلين – عليهم السلام-.
وهي، في النظام السياسي، السلطة التي تجعل من الأمم والشعوب الإسلامية جامعةً تحقق هذه الأهداف :
– إقامة الشريعة الإسلامية،
– وبعث الحضارة الإسلامية،
– وجعل الإسلام ديناً ودولةً،
– وتكامل دار الإسلام.
وإذا كان الاتحاد الأوربي هو النظام الذي يحقق للشعوب الأوربية مصالحها الدنيوية في ظل الفلسفة الوضعية، فإن الخلافة الإسلامية هي النظام الذي يحقق للشعوب الإسلامية مصالحها الشرعية المعتبرة وسعادتها الأخروية أيضاً.
* ولم يكن انقضاء عهد الخلافة الراشدة نهايةَ دورِ الإسلام (كما يدعي البعضُ)، بل إن الإنجازات والتراكمات المعرفية التي كونت معالم الحضارة الإسلامية إنما تبلورت واكتملت بعد عهد الخلافة الراشدة، ذلك أن ما سمي بـ “المُلك العَضُود” أو “الخلافة الناقصة” هو الذي بُنِيَت في عهوده الحضارة الإسلامية التي تعلمت منها الدنيا والتي لا نزال نعيش في ظلالها.
وهناك غفلة عن أن السلبيات والانحرافات التي طرأت بعد عهد الخلافة الراشدة إنما وقفت عند “الدولة” (التي كان حجمها وحجم سلطانها محدوداً جداً)، بينما ظلت “الأمة” مُؤْتَمَنَةً على المنهاج الإسلامي، تطبق الشريعة الإسلامية، وتبدع الفقه الإسلامي، وتجعل “القانون” فوق “الدولة”، وتدير مرافق المجتمع بـ “الحسبة” (التابعة للقضاء)، وتُمَوِّلُ كلَّ ذلك بـ “الاوقاف” .. وهكذا تميز التاريخ الإسلامي بخَصِيصة “تعظيم الأمة وتحجيم الدولة”، فلم تَعُم البلوى بالقضاء على الخلافة الراشدة.
ولقد حدث الغبش حول هذه الحقيقة بسبب تركيز الكتابات التاريخية على “الدولة والسلطة والسلطان” وإهمال التأريخ للأمة وطبقاتها وللواقع وخُطَطه، وهو خطأ – في كتابة التاريخ- ينتظر المراجعة والتصحيح.
* ولم يكن إسقاط الخلافة الإسلامية ودولتها الجامعة عام 1924م بمثابة الفشل للنظام الإسلامي، وإنما كان بمثابة نجاح الاستعمار الغربي – لأول مرة- في كسر وعاء التكامل الإسلامي، وفي إسقاط رمز الوحدة الإسلامية.
لقد ظلت الأمة على حنينها لتجديد هذا الإطار وهذا النظام، على حين فَرَضَ الاستعمارُ – الذي عَمَّتْ بَلْوَاهُ عالَم الإسلام- القُطْرية والإقليمية والقومية والشعوبية بديلاً لـ “جامعة الإسلام وعصبة الأمم الإسلامية” (التي تحتوي القُطرية والقومية وتوظفها في البناء الإسلامي الجامع، كما احتوى الإسلامُ إبانَ ظهوره القبائلَ والشعوبَ واللغات في إطار “الأمة الإسلامية الواحدة”).
والآن، وبعد قرن من إسقاط الخلافة، نرى الفشل الذريع للنظم القُطرية والقومية في النهوض بالأمة الإسلامية، ونرى المزيدَ والمزيدَ من تجزئة المُجَزَّأ وتفتيت المُفَتَّت .. في الوقت الذي نرى فيه لجوءَ الأمم والشعوب غير المسلمة إلى التقارب والاتحاد، على نحو ما صَنَعَتْ أوربا، الأمرُ الذي يجعلنا نزداد إيماناً بضرورة إحياء الخلافة الإسلامية (بصرف النظر عن الاسم الذي نختاره لها)؛ وذلك لنجعلَ من عالَم الإسلام (الممتد من “غانة” إلى “فرغانة”، ومن حوض نهر “الفولجا” إلى جنوب “خط الاستواء”) جامعةً ورابطةً “فيدرالية” أو “كونفيدرالية” تحقق لأمتنا المكانة اللائقة بها بين الحضارات، أمتنا التي هي رُبع البشرية، ومالكة أعظم المواريث، وأغنى الثروات، أمتنا التي تجمعها : وحدة العقيدة، ووحدة الشريعة، ووحدة الحضارة، وتكامل دار الإسلام.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليجاهد المجاهدون.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)