مقالاتمقالات مختارة

هل طالب الإسلام الأديان الأخرى التنازل عن ثوابتها؟

هل طالب الإسلام الأديان الأخرى التنازل عن ثوابتها؟

بقلم أحمد زاهر سالم

أطلعني بعض الأفاضل على كلام باطل للدكتور زقزوق يزعم فيه أن الحقيقة واحدة غير متعددة لكنها تتجلى في صور وأشكال متعددة وأن كل دين من الأديان جاء تعبيرا عن شكل من اشكال الحقيقة المطلقة الواحدة فهي طرق مختلفة للوصول إلى الحقيقة الكبرى وكلها تهدف إلى السمو الخلقي والرقي الروحي.. وأن الإسلام المراد في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) هو إسلام الوجه والخضوع لله لا الإسلام بالمعنى التاريخي الذي تختص به الرسالة المحمدية ولذلك فإن الأديان التي أنزلها الله على أنبيائه تشترك في الحقيقة المطلقة ولا يجوز لأي منها أن يدعي امتلاكها وحده وأنه ليس لغيره نصيب منها..ويزعم أن أي دين يؤمن أتباعه بالله واليوم الآخر والعمل الصالح فهو دين يحظى بالقبول من الله واستشهد على ذلك بالآية ٦٢ من سورة البقرة.

ومما زعمه أن الإسلام لم يطالب أي دين أن يتنازل عن ثوابته التي يؤمن بها.

وأشكل على صديقي ثنائي على الدكتور زقزوق على الرغم من هذه الأقوال.. فقلت: إنما نعيته لأنه درسني واستفدت من كتبه ولم أكن أعلم بهذا الكلام الباطل قطعا..

فلا أجد مناصا من التحذير من مثل هذه الأباطيل والتبري من ظاهر هذا الكلام المنقول الذي قد يتمحل بعض الإخوة فيؤله أو يصرفه عن ظاهره..

ومما لاحظته أن بعض الدكاترة إذا كتب عن الحوار مع الكافرين وخصوصا النصارى بالغ في إظهار السماحة وسعى في التبري من التعصب(بحسب زعمه) سعيا يزلقه إلى كلمات وعبارات مستبشعة واشتط في بيان حرية الاختيار للمعتقد حتى إنك لتصدم بعبارات تفهم منها رضاه وقبوله كفر الكافر!! بل يصل به الحال إلى أن ينهاك عن تكفير الأشخاص المعينين من اليهود والنصارى!!! وأرجو أن يكون الدكتور زقزوق من هؤلاء المبالغين الذين لا يقصدون ظاهر هذا الكلام الباطل المخالف لقطعيات الدين الحق..

وسأقف هنا مع إحدى عبارات الدكتور زقزوق المستبشعة الباطلة التي يزعم أن (الإسلام لم يطالب أي دين أن يتنازل عن ثوابته التي يؤمن بها) ولاحظوا عموم قوله(أي دين) مما يشمل الأديان السماوية والأرضية وعموم قوله ثوابته مما يشمل الثوابت الحقة والباطلة.. فهل الأمر كذلك؟

هذا من أبطل الباطل.. وعلى بطلانه عشرات الأدلة التي تفيد القطع واليقين ولولا انتشار الجهل لما أوردت بعضها..

أنى يصح هذا الكلام مع قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} سورة النساء: 171.

وأنى يصح مع قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً} سورة النساء: 47.

وأنى يصح مع قوله تعالى: {يابَنِي إسرائيلَ اذكُروا نعمتيَ الَّتي أنعمتُ عليكم وأَوْفُوا بعهدي أُوفِ بعهدِكم وإيَّايَ فارهَبون(40)وآمنوا بما أنزَلتُ مُصَدِّقاً لما معكم ولا تكونوا أَوَّلَ كافرٍ به ولا تَشتَروا بآياتي ثمناً قليلاً وإيَّايَ فاتَّقونِ(41) ولا تَلبِسُوا الحقَّ بالباطلِ وتكتموا الحقَّ وأنتم تعلمونَ(42) البقرة.

وقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ} سورة آل عمران: 70.

وقوله: {قُلْ يٰأهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لَّا نَعْبُدَ إلا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللهِ، فَإنْ تَوَلَّوْ فَقُوْلُوْا اشْهَدُوْا بِأَنَّا مُسْلِمُوْن»(آل عمران:64).

وقوله: {إنَّ الدِّينَ عندَ الله الإسلامُ وما اختلَفَ الَّذين أوتُوا الكتابَ إلاَّ من بعد ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيَا بينَهم ومَنْ يكفُر بآياتِ الله فإنَّ الله سريعُ الحسابِ(19) فإن حاجُّوكَ فقل أسلَمتُ وجهيَ لله وَمَنِ اتَّبَعَنِ وقل للَّذين أُوتُوا الكتابَ والأمِّيِّينَ أأَسلَمتم فإن أسلَموا فقد اهْتَدَوا وإن تَولَّوا فإنَّما عليك البلاغُ والله بصيرٌ بِالعِبَادِ(20)آل عمران.

وقوله:{ياأَهلَ الكتابِ قد جاءَكُم رسولُنا يُبيِّنُ لكم كثيراً ممَّا كنتم تُخفونَ من الكتابِ ويَعْفُو عن كثيرٍ قد جاءَكُم من الله نورٌ وكتابٌ مبينٌ(15) يهدي به الله منِ اتَّبعَ رضوانَهُ سُبُلَ السَّلام ويخرجُهُم من الظُّلماتِ إلى النُّورِ بإذنِهِ ويهديْهِمْ إلى صراطٍ مستقيمٍ(16)}المائدة. وغيرها من الآيات..

ألا يتناقض هذا الكلام مع رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك كسرى وقيصر والمقوقس وغيرهم يطالبهم فيها بالتخلي عن معتقداتهم الباطلة ويدعوهم إلى الإسلام ويحذرهم من الإصرار على كفرهم.. وكل هذا يؤكد أنه عليه الصلاة والسلام كان يعتقد امتلاك الحقيقة المطلقة وأن من أتى إلى الله من غير باب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فلن يدخل جنته ولن ينال رحمته..

وكيف لا يعتقد ذلك وهو الذي بلّغنا قول ربه جل وعلا:( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)الأعراف.

ولذلك كان نص كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى هرقل ملك الروم في غاية القوة والوضوح : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ . سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى . أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ (أي أتباعه ورعاياه الذين يتابعونه على الكفر) . وَ [ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ] ) . رواه البخاري (7) ومسلم (1773) .

وأما زعمه أن (أي دين يقوم على الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح فهو مقبول عند الله)واستدلاله على ذلك بقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)البقرة.

فهذا باطل مناف لقطعيات الدين..وما كان ينبغي له أن يترك المحكمات ويتبع المتشابهات سامحه الله وعفا عنا وعنه…وبطلانه من وجوه عديدة أكتفي منها بهذا الوجه.. وهو أن الإيمان باليوم الآخر لا يتم إلا بالإيمان بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء والإيمان بالقرآن الكريم..فمن ادعى الإيمان باليوم الآخر وكفر بالقرآن المهيمن على سائر الكتب بعد إذ أنزله الله على قلب خاتم أنبيائه: فلا تقبل دعواه..والدليل على ذلك قوله تعالى:( وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) الأنعام.

وقد كتب العلامة السيد عبدالله الغماري رسالة سماها (القول الباهر في معنى الإيمان باليوم الآخر)فلتراجع.

وخشية أن يطول المقال أكتفي بما سبق وأذكر نفسي وإخواني بأن يكون الحق أحب إلى نفوسنا من الأشخاص والهيئات.. وأدعو الله أن يثبتنا على الحق حتى الممات..ولا يزيغ قلوبنا بالشبهات ولا الشهوات..

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى