هل صدقت فراسة “الشافعي” في “ترامب”
بقلم عبد القادر عبار
أيعقل أن يتفرّس الشافعي في ترواب ولم ير احدهما الأخر ؟ ولم يلتق الأول بالثاني ؟ وكيف يلتقيان و بينهما مسيرة ألف ومائتي عام تقريبا إذا علمنا أن الشافعي عاش في القرن التاسع ميلادي / الثاني هجري (767-820م)
لكن صدق أولا تصدق.. فان بين الشيخ والرئيس وبين الفقيه والسياسي قصة طريفة من قصص علم الفراسة ذلك العلم الذي كان جهل أولياء أمورنا السياسية به وتخليهم عن ممارسته في العلاقات الدولية في زمن شيطنة السياسة، من أسباب ما وصلهم وما أصابهم من اهانات “ترامبيّة” وقحة وذلة عالمية وتحقير دولي وهم في الحقيقة كانوا يحتاجون -لو فقهوا- إلى إتقان ممارستها أي الفراسة، والتسلح بها لتساعدهم على الاستمرار في التعايش مع الظروف السياسية الدولية المعقدة وحسن التعامل والتواصل مع ذئاب السياسة الدولية المحنكين.
1. دعونا أولا نتعرف على الفراسة
الفراسة في ابسط تعاريفها كما في المعجم الوسيط هي المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها، أو الاستدلال بالظاهر على إدراك الباطن.
وعلم الفراسة هو من العلوم التي تعتمد على الاستدلال، والاستدلال هو التعرف على ما هو مجهول مما هو معلوم، والمجهول هنا هو الأخلاق والسلوكيات الباطنة والمعلوم هو ملامح الوجه وتفاصيله البينة الظاهرة وحركات اليد وإشاراتها مما ينتج عنه معرفة الأمور من خلال النظر، ومعرفة أخلاق الشخص وطباعه وأحواله دون اتصال مباشر بهم.
والفراسة أصناف منها :
2. العيافة.. أي فراسة الأثر أو قيافة الأثر:
وهي التحليل البصري لآثار الأقدام لمعرفة من مشى على الأرض (إنسان أو حيوان) واستنتاج جنسه وعمره ووزنه وطوله وصحته وغيرها من المعلومات، حتى يحكى أن بعض من اتقن هذا العلم يستطيع ان يفرق بين أثر قدم الشاب والشيخ وقدم الرجل والمرأة.
3. القيافة.. ما يشبه علم الهندسة الوراثية اليوم
وهي معرفة خصائص شخصية الإنسان نسبه وقبيلته وسلالته وقرابته لغيره فقط بالنظر إلى هيئته الخارجية، مثلا بالنظر الى الوجه والأطراف والظهر والكتف وغيرها من هذه الأعضاء، وهو من العلوم التي اشتهر بها العرب قديما على الرغم من عدم توفر الإمكانيات العلمية والتحليل ألمخبري.
وقد عرفت القيافة في زمن الرسول (صلى الله عليه وسلم)؛ حيث إن المشركين شكوا وطعنوا في نسبة أسامة بن زيد من زيد بن حارثة (ابيه)؛ وذلك لأن زيدًا (الأب) كان شديد البياض وأسامة (الابن) كان شديد السواد، فدعا النبي (صلى الله عليه وسلم) “القائف” وهو الشخص القادر على معرفة النسب بطريق الشبه، وهو “مجزز المدلجي”، ثم غطى كل جسدي زيد وأسامة ولم يظهر منهما إلا قدماهما، فلما رآهما القائف قال بأن هذه الأقدام وهي أقدام أسامة من تلك، أي من أقدام زيد، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام السيدة عائشة بما قاله هذا القائف، وهو مسرور جدًا بما سمع؛ فدل هذا الحديث على أنه يجوز إثبات النسب بطريق القيافة، أي بطريق الشبه.
4. الريافة.. البحث عن الماء:
وهي تحديد التربة والمواقع المناسبة للزراعة وذلك من خلال شم التربة او ملاحظة النباتات ومدى نموها وحجمها، وملاحظة الحيوانات وسلوكها في تلك المنطقة.
5. اهتمام الشافعي بطلب علم الفراسة
في زمن الشافعي كانت الفراسة في أوج عهدها، وكان هناك عدد من المتفرسين الذين يتقنون الفراسة فيحكمون على الأشخاص من خلال ظواهرهم وكانت دائما ًما تصدق أحكامهم فاهتم بها الشافعي ودرسها في اليمن وأجاد فيها.. وحدثت له معها قصة طريفة يرويها هو وقد زادته اقتناعا بصواب علميتها.
6. الشافعي ومواصفات “الأشقر”
قال الشافعي: خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفراسة حتى كتبتها وجمعتها، ثم لما حان انصرافي ورجوعي الى موطني مكة مررت على رجل في طريقي وهو جالس بفناء داره، أزرق العينين ناتئ الجبهة، سِنَاط، أي لا لحية له أصلاً قال الشافعي: وهذا النعت من أخبث ما يكون في الفراسة أي صاحب هذا النعت شرير خبيث يُحتاط منه لأنه لا يرجى منه خير !!
فقلت له: هل من منزل، مبيت ؟ قال : نعم فأنزلني فبت عنده، فرأيته أكرم رجل حيث بعث إلي بعشاء وطيبٍ وعلفٍ لدابتي وفراشٍ ولحاف، فلما أخذت فراشي للنوم جعلت أتقلَّبُ الليل أجمعَ وأقول: ماذا أصنع بهذه الكتب الذي دونت فيها علم الفراسة ؟ إذ رأيت هذا النعت في هذا الرجل، فرأيته أكرم رجل، على خلافي ما تعلمته وقررت ان أرمي بهذه الكتب وأتلفها فهي كاذبة !!
فلما أصبحتُ قلتُ للغلام: أسرِج أي جهز لي البعير او الفرس لنرحل ونواصل سيرانا، فأسرَج. فركبت وقابلت الرجل لأودعه واشكره على كرم الضيافة وحسن صنيعه معي، فقلت له: إذا قدمت مكة ومررت “بذي طوى” فسل عن منزل محمد بن إدريس الشافعي. (يعني حتى أرد لك الجميل)
فقال لي الرجل: أمَوْلًى لأبيك أنا أي هل انأ من عبيد أبيك ؟! قلت : لا !
قال: فهل كانت لك عندي نعمة (مزية سابقة)؟! قلت : لا !!
قال: فأين ما تكلفتُ لك البارحة ؟! اي ادفع مصاريف إقامتك عندي، قلت: وما هي ؟! وكم ؟
قال: اشتريتُ لك طعاماً بدرهمين، وإداماً بكذا، وعطراً بثلاثة دراهم، وعلفاً لدابتك بدرهمين، وكراءُ الفراش واللحاف درهمان.
قلتُ: يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء ؟!
قال: نعم كراء المنزل، فإني وسَّعتُ عليك وضيَّقتُ على نفسي !!
قال الشافعي: فغبطت نفسي بتلك الكتبِ ! لان الرجل قد صدقت فيه أوصاف الفراسة بان الأوصاف التي يحملها تدل على شره وخبثه وسوء أخلاقه ثم قلت له اخيرا: هل بقيَ من شيء في ذمتي ؟!
قال: امض أخزاك الله، فما رأيت قط شراً منك.
فأعطاه الشافعي ما أراد وعاد فرحا الى موطنه مكة وحين عاد أخبر أساتذته الذين درسوه الفراسة أن علمهم صحيح. والشاهد.. ما سمعه من الرجل.
7. “ترامب” واهانة “أيها الملك.. ادفع ما عليك..”
لم تشفع للشافعي مكانته العلمية ولا نسبته المكيّة من ان يسمعه ذلك الأعرابي الأشقر الأزرق العينين الذي بات عنده ليلة، سيلا من التوبيخ والكلام البذيء الذي لا يليق بمقامه وقدره… وهو ما يذكرنا بشطحات ترامب التوبيخية وتصريحاته المؤذية بحق ملك السعودية وولي عهده الذيْن لم تشفع لهما فخامة اللقب “خادم الحرمين” ولا قدر البلد “مكة” ولا السلالة الملكية من ان ينالهما أشقر الفراسة المعاصر “ترامب” بالاهانة والازدراء والتهكم حيث قال خلال تجمع لأنصاره في ولاية ويسكونسن متهكما: “أيها الملك. لقد أنفقنا الكثير ونحن ندافع عنك” وهدده بأنه لن يستطيع البقاء في السلطة أكثر من أسبوعين دون دعم الولايات المتحدة الأمريكية… أي (فادفع ما عليك) وعندما رد عليه الملك مرة مستغربًا ومحتجا: “لماذا تتصل بي؟ ولا أحد -من الرؤساء الأمريكان الذين سبقوك- أجرى معي اتصالًا كهذا”، ففاجأه ترامب قائلا: “لقد كانوا أغبياء”
– ما أشبه أشقر الأمس بأشقر العصر.. لكأن بين صاحب الشافعي وصاحب سلمان نسب ؟.. إنها ذرية بعضها من بعض.
– فمن قال أن الشافعي لم تصدق فراسته في ترامب ؟
(المصدر: موقع “تدوينات”)