هل سقط إسلاميو المغرب بسبب التطبيع مع “إسرائيل”؟
يروج لدى البعض ومنهم بعض الإسلاميين ويروجون في بعص منتدياتهم وتصريحاتهم الإعلامية مواقف متجنية على حزب العدالة والتنمية المغربي. ويسلمون تبعا لذلك أن حزب العدالة والتنمية قد أدى ثمن بعض المواقف ذات الصلة بالهوية الحضارية والتاريخية للمغرب، حيث يتم التركيز على ما اعتبروه ثلاث خطايا لحزب العدالة والتنمية وهي التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتخلي عن الدفاع عن العربية وإقرار “فرنسة التعليم”، ثم تمرير قانون يطبع مع استعمالات القنب الهندي.
قد تكون هذه الإدعات مستساغة من قبل إعلام مغرض أو توجهات فكرية وسياسية معادية للأحزاب والحركات المخاصمة للمرجعية الإسلامية، أو من بعض الحركات الرافضة أصلا لمنطق المشاركة السياسية والمشككة في جدوى التدافع من داخل المؤسسات، ولكن أن يصدر ذلك من مفكرين وسياسيين يؤمنون بخيار المشاركة مع الاختلاف في توقيته وشروطه، وأن يبني هؤلاء أحكامهم على معطيات غير صحيحة أو معطيات ناقصة، فإن ذلك لا يليق بقادة الرأي وصانعيه الذين يتعين فيهم التثبت وبناء الأحكام على المعطيات الصحيحة وليس على الانطباعات والروايات المرسلة.
وحيث أن عددا منهم يعتمد على قراءات عامة وانطباعية عن الواقع المغربي، أو عن روايات لبعض مخالفي الحزب سواء من داخل التيار الإسلامي أو من خارجه ممن لهم خصومات أو خلافات مع حزب العدالة والتنمية، وأن بعضهم يعمد إلى تبني تلك القراءات ويصدر عنها في بعض الندوات واللقاءات الإعلامية، وتبعا لذلك في بعض اللقاءات والمنتديات الخاصة، فإنه أصبح من اللازم تسليط الضوء على عدد من الأخطاء والنقص في المعطيات المرتبطة بالقضايا المشار إليها.
(2)
العدالة والتنمية والموقف من القضية الفلسطينية ومن الاختراق التطبيعي
يروج لدى البعض أن من أهم عوامل سقوط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة هو توقيع رئيس الحكومة على قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ودون شك فإن ذلك التوقيع كان صادما لكثير من المواطنين وأيضا للمتتبعين للحزب والمتعاطفين معه داخل المغرب وخارجه، بل إنه كان صادما لأعضاء الحزب وقيادييه، بل لأمينه العام نفسه الذي سبق في تصريحات سابقة قبل أسابيع من التوقيع أن أكد موقفه الرافض للتطبيع، كما أنه كان صادما لكثير من متعاطفيه ولفئة من المواطنين والناخبين، ومن ثم فمن المرجح أن بعضهم لم يصوت للحزب أو لم يذهب أصلا للإدلاء بصوته، لكن من المستبعد أن يكون قد صوت للأحزاب المتصدرة للانتخابات بدليل أن تلك الأحزاب ليس لها موقف معاد للتطبيع وعلى رأسها الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة الحالي، وأن من أول ما بادرت له الحكومة الجديدة في آخر مجلس حكومي هو المصادقة على اتفاقيات تعاون مع الكيان الصهيوني.
من جهة ثانية فإنه من غير الإنصاف نسبة التطبيع لحزب العدالة والتنمية، ففي الحالة المغربية فمن المعروف أن قرار التطبيع ليس قرار حزب أو حكومة بل قرار يدخل في نطاق السيادة ووزارة الخارجية التي يبدو أنها دبرت الموضوع عمليا وما تزال هي من وزارات السيادة في الحكومة السابقة وهي كذلك في الحكومة الجديدة.
ومن المعروف أنه حتى بالنسبة للجهات السيادية فإن القرار قد ارتبط ارتباطا جوهريا بصدور إعلان رئاسي للرئيس الأمريكي يتضمن تأكيدا لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية في الصحراء المغربية، ويفتح آفاقا جديدة لتقوية الموقف المغربي في الأوساط الدولية، ويزيد من عزلة خصوم الوحدة الترابية، ويسهم في مواجهة مؤامراتهم التي تهدف إلى التشويش عليها؛ وهو منطق قد لا يتفق حوله الكثيرون، لكن ذلك الارتباط جعل رئيس الحكومة السابق الأمين العام في حرج كبير، حرج وضع الحزب بأكمله خارج الإجماع الوطني والتعبئة في معركة ترسيخ سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية ودعم مسار التصدي لمناورات خصوم الوحدة الترابية، وهو ما حرص عليه في البلاع الصادر عن أمانته العامة، حيث أكد مواقفه الثابتة من الاحتلال الصهيوني وما يقترفه ضد الشعب الفلسطيني من جرائم تقتيل وتشريد وعدوان على المقدسات، وفي مقدمتها الاعتداءات المتواصلة على المسجد الأقصى ومصادرة أراضي الفلسطينيين، وإنكار حق العودة في خرق سافر لكل المواثيق والقرارات الدولية مع التأكيد على رفضه محاولاته تطبيع علاقاته واختراق المجتمعات الإسلامية.
وهو ما أكده أيضا البيان الختامي للمجلس الوطني للحزب وهو برلمان الحزب والهيئة التقريرية الثانية بعد المؤتمر الوطني، المنعقد بتاريخ 07 شعبان 1442 هـ الموافق لـ 21 آذار (مارس) 2021م، حيث أكد البيان على ما يلي:
“يؤكد المجلس على مواقف الحزب الثابتة والداعمة للحقوق المشروعة وغير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ولكفاحه من أجل نيل حقوقه كاملة غير منقوصة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وبناء على ذلك فإنه لا يمكن اعتبار النتائج التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية قابلة للتفسير بالمنطق العقابي بل إن عددا من المؤشرات تدل على أن إزاحة حزب العدالة والتنمية ومنعه من تصدر الانتخابات لولاية ثالثة كان توجها سائدا قبل الانتخابات دلت عليه عدد من المؤشرات منها مؤشرات ترتبط بالإعداد القانوني للانتخابات التي جاءت بمقتضيات تمنع من حصول ذلك، وممارسات إدارية قبل الانتخابات وخلال يوم الانتخابات..
وقد تكون الاستحقاقات التطبيعية إحدى العوامل، حيث أن الطريق اليوم للمضي قدما فيه وبسلاسة ميسور دون وجود حزب العدالة والتنمية.
المصدر: عربي21