مقالاتمقالات المنتدى

‏هل تعلم لماذا كان أهل بدر أعظم الناس أجرا؟!

‏هل تعلم لماذا كان أهل بدر أعظم الناس أجرا؟!

 

بقلم أ. محمد إلهامي (خاص بالمنتدى)

 

معركة صغيرة محدودة جرت في الطرف الغربي للجزيرة العربية، ما كان لأي نشرة إخبارية أن تنتبه إليها في وقتها، وما كان لأي مؤرخ أن يتوقف عندها في ذلك الوقت!

لكن ميزانها في السماء، ثم ميزانها في التاريخ بعد ذلك كان أعظم الميزان..

لقد كانت تلك هي المعركة التي حفظت نواة الإسلام، قلب الدولة الإسلامية، المعركة التي أعلنت ولادة قوة إقليمية في الحجاز يمكنه أن يقاتل وأن ينتصر!

تلك المعركة التي لو كانت قد انتهت بالهزيمة لانتهى شأن الإسلام كله.. وهو المعنى الذي يظهر في دعاء النبي وضراعته لربه “اللهم إن تهلك هذه العصابة (الجماعة) فلن تعبد بعد اليوم”!

كل ما فتحه الإسلام بعد ذلك كان ثمرة من ثمار هذه المعركة.. وكل هذا النور الذي أشرق على العالمين إنما كان أصله ذلك الانتصار الأول!

هل تعلم: لماذا لن يبلغ أحدٌ أن يُحَصِّل أجر الصحابة؟

لأن كل أجور هؤلاء الناس في ميزان الصحابة أصلا.. فسائر المسلمين من أهل مصر ثم من ورائهم من بلاد المغرب والأندلس إنما هم في ميزان جيش الفتح الذي قاده عمرو بن العاص!

وسائر أهل الشام والعراق ومن وراءهم من أهل القوقاز وفارس وبلاد الترك إنما هم في ميزان جيوش الفتح التي قادها خالد وسعد وأبو عبيدة!

فهؤلاء الذين أصلوا النور إلى سائر هذه الشعوب هم أصل الخير، وفي ميزانهم حسنات سائر من اهتدى بسببهم!

وقد اختار الله لنا في عصور الضعف هذه مقاما من مقامات الصحابة ودرجة من درجات الفاتحين الكبار..

أنتَ تعلم بغير شك أن إسرائيل قد وُلِدت وهي تحلم أن تمتد من النيل إلى الفرات.. يضعون هذا في عَلَمِهم ويكتبونه في كتبهم وينحتونه شعارا على مبانيهم ومؤسساتهم!

وأما الآن، فإسرائيل تتخوف على نفسها من الفناء والتلاشي، وتعيش رعبا وسؤالا وجوديا عن أصل بقاء الدولة واستمرارها!

كيف تحول الحلم الكبير إلى هذا الشعور المريع؟!

ما كان ذلك إلا بهذه الدماء الغزيرة الغزيرة الغزيرة التي سالت وهي تقاوم هذا الجنون المجنون، وهذه الشراسة الشرسة، وهذا الحميم المحموم الذي تقذفه آلة الحرب الإسرائيلية، ومن ورائها آلة الحرب الصليبية!!

أنتَ تعلم أيضا أن إسرائيل وُلِدت وهي تحلم أن تدمر المسجد الأقصى وتقيم الهيكل في مكانه!!

لماذا هي الآن بعد أن ثلاثة أرباع القرن لم تستطع أن تفعل هذا؟! وصار غاية ما تفعل بعد هذه السنين أن تسمح باقتحامات محسوبة ومدروسة تجسّ بها نبض الواقع وتستشعر بها مدى سهولة الموضوع؟!

ما حصل هذا إلا بالمواكب العنيدة من المجاهدين الباسلين الفدائيين، الصابرين الصامدين العاملين الباذلين، الذين واصلوا الليل بالنهار حفرا في صخرة المستحيل، وغرسا في صحراء العجز، ولملمة في أشلاء الإمكانيات المتناثرة!!

هؤلاء الذين حفظوا الأقصى أن يُهْدَم، ومنعوا الهيكل أن يُبْنَى، ووقفوا حائط صد أسطوري أمام استعادة الصهاينة للقاهرة وعمان ودمشق وبيروت والرياض والمدينة المنورة وخيبر!!

هؤلاء الذين قد اصطفاهم الله بهذه المقامات الخالدة، وهذه الوقفات العظمى.. فاختار منهم الشهداء والجرحى، يبتليهم ويبتلينا معهم بالألم والمشقة، ثم يجزيهم عن هذا خير الجزاء وأوفاه وأجزله وأطيبه!

لو كُشِف للناس حجاب الغيب والآخرة لاختاروا الواقع راضين مرضيين!

لو أننا أصبحنا يوما وقد هُدِم الأقصى وبُنِي الهيكل لتمنى نصف المسلمين على الأقل (مليار من البشر) أن لو كانوا قد ماتوا وقُتِلوا ولم يُهدَم الأقصى!

ولو قد أصبحنا يوما وقد بلغت دولة الصهاينة مدينة نبينا -صلى الله عليه وسلم- فهدمت قبره وبعثت من جديد منازل بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، لتمنى ثلاثة أرباع المسلمين على الأقل (مليارا ونصف المليار من البشر) أن لو كانوا قد ماتوا ولم يهدم قبر النبي ولم يصل هؤلاء إلى مدينته المنورة!

ولو قد أصبحنا وحامت طائرات الصهاينة فوق الكعبة تدكها أو تهدد بذلك، لتمنى المسلمون جميعا أن لو ماتوا قبل أن يشهدوا هذا وليحولوا دونه!!

أولئك الذين يموتون الآن هم اصطفاء الله من بين كل هذه الملايين.. هم صفوته من خلقه.. بهم يحفظ دينه وأمته، وبهم يقيم الحجة علينا وعلى الناس أجمعين!!

تتقطع قلوبنا وتسيل عيوننا عليهم، ولكننا لو مددنا البصر والتفكير قليلا لرأيناهم خطوط الدفاع الأولى عن الأقصى والمسرى وعن الأزهر الشريف وعن المدينة المنورة وعن البيت الحرام..

تتقطع قلوبنا الآن من الألم والضعف، وهو أهون من أن تتقطع قلوبنا من الألم والضعف ومن الحسرة والنكبة فوقهما حين نرى الشاشات تنقل لنا سقوط قبة الصخرة، وانهيار الجامع القبلي ونسف القباب والمآذن والصحن الشريف!!

نحن الآن نصيب منهم ويصيبون منا، ومع ذلك نردعهم ونوقفهم ونحطم أحلامهم ومخططاتهم، ونحفظ لأنفسنا بلادنا وعواصمنا ومقدساتنا المشرفة في بيت المقدس ومكة والمدينة.. ولولا ذلك، لكنا نموت من القهر والحسرة والألم والبكاء بلا فائدة ولا ثمرة!!

فأيهما خير لنا؟ وأيهما خير لأهلنا وإخواننا في غزة؟!

لو قد مددنا البصر والتفكر لتمنينا جميعا أن نكون في مكانهم وأن يصطفينا الله في معركتهم كما اصطفاهم.. ثم لسعينا بكل سبيل نحو إغاثتهم وإمدادهم وتوسيع نطاق المعركة لإنقاذهم ودعمهم، ولانطلقنا نحاول أن نضرب في أي مكان وفي كل مكان، كل رأس وكل هدف وكل عدو يحاصرهم ويتآمر عليهم.

إن هذا الموكب الممتد من الشهداء والمصابين يقومون الآن في عصرنا مقام الصحابة الفاتحين.. فالأولون أوصلوا النور إلى العالمين، وهؤلاء يمنعون الشرور ويحولون دون الانهيار ويحفظون على المسلمين دينهم وإيمانهم وبلادهم وعواصمهم ومقدساتهم!

أجرٌ عظيم فوق الخيال لا يعرفه ولا يقدره لهم إلا رب العالمين.. علام الغيوب!

تلك هي المقامات الباقية على طول الزمان، بل الباقية بعد انتهاء الزمان.. فبها يجازي الله أهلها يوم القيامة أحسن الجزاء وأوفاه!

وهذا هو شأن عظمتهم في الدنيا.. فلو قد كشف عنا الحجاب ورأينا ما هم فيه من نعيم الآخرة ومسارح الجنان وفنون اللذات.. لتمنينا أن نكون مكانهم!

وقد أخبرنا نبينا أنه ما من مسلم دخل الجنة ويتمنى أن يرجع منها إلى الدنيا إلا الشهيد.. فهو وحده الذي يتمنى أن يعود ليُقتل من جديد، لما يرى من الكرامة والنعيم.

لقد طلقنا زمان الهزيمة الذي قال فيه شاعرهم:

قد استرد السبايا كل منهزم .. لم يبق في أسرها إلا سبايانا
وما رأيت سياط الظلم دامية .. إلا رأيت عليها لحم قتلانا
وما نموت على حد الظبا أنفا .. حتى لقد خجلت منا منايانا

بل الآن ننشد:
فإذا شهيد في المسيرة قد مضى .. والثأر في أعماقه لم يشتفِ
لحق الأباة بركبه وتنافسوا .. والكل -حب في الإله- له وفي
فعلى خطى الأبطال من شهدائنا .. تمضي المواكب والزحوف ونقتفي
فإذا الليالي أظلمت من حولنا .. كنا الشموس ولم نغب أو نختفي

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى