هل تأمين السكن من وظائف الدولة المسلمة؟
بقلم د. علي الصلابي
إن حاجة الإنسان إلى مسكن أمرٌ من الأمور الأساسية في حياته وهو من نعم الله عز وجل على الإنسان.
قال تعالى: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ (النحل، آية: 81).
أي أن الله سبحانه قد جعل البيوت أيًّا كان نوعها سكنا يفيء إليه الناس، ويشعرون فيه بالراحة، ويأمنون على عوراتهم وحرماتهم، فتسكن نفوسهم وتطمئن، لذا فقد قررت الشريعة الإسلامية حق المسكن لكل أفراد الدولة، فمنحهم حرية بناء المساكن وتملكها والإيواء فيها والاحتماء بها، بل ألزم الدولة مسؤولية ضمان سكن لكل المحتاجين من أفرادها، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ عليهم وهو مسؤول عنهم”، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ما من أمير عشيرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً لا يفكه إلا العدل.
ومن العدل تأمين حاجات كل ضعيف في المجتمع ومنها الحاجة إلى السكن، وإذا عجزت الدولة بمواردها المختلفة عن كفالة هذا الحق للمحتاجين من رعاياها، فإن المسؤولية تقع على عاتق الأغنياء في المجتمع، فعليهم أن يقوموا بإيفاء حاجات الفقراء والمحتاجين من الطعام والشراب واللباس والمأوى الذي يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء وعيون المارة، فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له”، وللمساكن حرمات منها: عدم دخول المنزل إلا بإذن صاحبه قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (النور، آية: 27-28).
وقد أوجب الله بهذه الآية طلب الإذن قبل الدخول وعبَّر عنه بأنه الاستئناس الظاهر الذي هو ضد الاستيحاش، لأن الذي يقرع باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش فإذا أذن له استأنس، ولما كان الاستئناس لازما للإذن، أطلق اللازم وأريد ملزومه الذي هو الإذن.
وقد أوضح سبحانه أنه عليم بأفعال عباده ﴿وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ بمعنى أنه إذا غفل القانون لنقص في البينة أو الإثبات، أو غفلت السلطة القائمة عن الموضوع، فإن عبودية الفرد لله وإحساسه بمعرفة الله لكل أفعاله صغيرة وكبيرة تجعله يتقي الله ويتذكر أن هناك قوة تراقبه أكبر من البينة القانونية والسلطة العامة، فلا يغفل بالتالي عن أوامر ربه ويتحرك تلقائيا لاحترام حرمة مساكن الناس.
وحرَّمت الشريعة التجسس على مساكن الناس، ومن حق كل إنسان ألا يتجسس عليه أحد في عقر داره ولا ينظر إليه وهو داخل بيته خلسة، ومن هنا فقد حرم الإسلام التجسس على البيوت لما فيها من انتهاك العورات وكشف السوءات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ (الحجرات: آية 12).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”.
ولقد بلغ من حرص الإسلام على حرمة المسكن أن أعطى صاحب المسكن حق الدفاع عن حرماته شرعيا، ولو أدى ذلك إلى فقأ عين المتلصص، فعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لو أن أمرءًا أطلع عليك بغير إذن فخذفته بعصاة ففقأت عينه، لم يكن عليك جناح”.
وعن أنس بن مالك أن رجلا اطلع من بعض حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام إليه رسول الله بمشقص أو مشقاص وجعل يختله ليطعنه.
هذا والتجسس على الناس والنظر إلى عوراتهم والاستماع إلى أسرارهم يحرم سواء كان ذلك من أحد الناس تطفلا، أو من المسؤولين، أم من جماعة من جماعات الناس خدمة لجهة من الجهات، ولهذا فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفع عقوبة المخالف الذي كشفه بطريق التجسس، فقد روي أن عمر بن الخطاب كان يعس بالمدينة من الليل فسمع صوت رجل يتغني، فتسور عليه، فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت في معصيته “حيث وجد عنده زق خمر”، فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي، وإن كنت عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاث:
- قال تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ وقد تجسست.
- وقال تعالى: ﴿وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ وقد تسورت عليّ.
- وقال تعالى: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ وقد دخلت عليّ بغير إذن، فقال عمر: هل عندك من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم والله لا أعود. فقال: اذهب فقد عفوت عنك.
إن الإسلام يشترط شرعية الوسيلة، كما يشترط نيل الغاية، وليقول لهم: إن الرجوع إلى الحق فضيلة لا تكاد تعادلها أي فضيلة أخرى.
- عدم الاستيلاء على منازل الغير، أو هدمه جبرا، فإذا ملك الإنسان مسكنا، فإن ملكيته له تكون مصونة شرعيا، فلا يجوز لكائن من كان أن يعتدي على هذه الملكية بالاستيلاء، أو التعريض للتلف بالهدم وغيره، إلا إذا كان ذلك من قبل الحاكم واقتضته مصلحة عامة، كتوسعة طريق أو بناء مرفق عام كمسجد أو مستشفى أو حديقة أو غيرها.
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز فقال: يا أمير المؤمنين أنا مظلوم ولا أستطيع أن أتكلم، فقال له: ويلك عليك الطلاق، فقال: نعم، فقال: تكلم ولا طلاق عليك، فقال: هذا وأشار إلى عامله وكان في القوم، فقال: هذا أخذ من حائطي أو داري، فقال له: اردد عليه، ثم قال: لولا أن أحدث في الإسلام عقوبة لم تكن لأمرت أن يغور أثر السجود من جبهتك، وكان بين عينيه سجدة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)