مقالاتمقالات مختارة

هل أتاك حديث الملحدين.. أجراس إنذار لدعاتنا وتربويينا

هل أتاك حديث الملحدين.. أجراس إنذار لدعاتنا وتربويينا

بقلم أحمد التلاوي

ضمن سلسلةٍ من المراجعات حول مشكلة #الإلحاد، وأول درجاته، التفلُّت من التديُّن، بدءًا من مظاهره المختلفة، وصولاً إلى جوهر فكرته وتطبيقاته في المجال الأخلاقي والسلوكي ، مع كونها الظاهرة الأهم والأخطر التي تواجه الجيل الحالي من أبناء المجتمعات الإسلامية؛ فإننا نقف أمام مشكلة معينة في تصورات هذه الفئات من الناس، بدرجاتها المختلفة كما أشرنا.

وهذه المشكلة تتعلق بفكرة الإيمان بالله تعالى، أو بوجود إلهٍ وربٍّ لهذا الكون؛ خلقه ويدبِّر أمره، مع الانفلات من فكرة الدين ذاتها، وبالتالي؛ لا يوجد لدى هؤلاء اتصال بأي دينٍ من الديانات المنزَّلة. هم منفصلون تمامًا عن التصورات التي جاءت في النُّبوَّات والرسالات التي وضعها وأنزلها اللهُ تعالى لنا من فوق سبع سماوات.

وهي مشكلة لها أسبابها المعقدة، ولكن جزءًا كبيرًا منها يعود إلى إطارَيْن أساسيَّيْن؛ الإطار الأول، هو السياق المفاهيمي والمجتمعي لدى المسلمين، والثاني، هو الإطار الدعوي والكيفية التي تتم بها الدعوة، والتعامل مع مشكلات الفرد المسلم على وجه الخصوص، ولاسيما من جانب ما يُعرَف بالحركة الإسلامية، بمفهومها الواسع الذي يتضمن العشرات من الأطر التنظيمية والجماعات والمؤسسات.

جزء كبير من مشكلة الإلحاد يعود إلى إطارَيْن أساسيَّيْن؛ الإطار الأول، هو السياق المفاهيمي والمجتمعي لدى المسلمين، والثاني، هو الإطار الدعوي والكيفية التي تتم بها الدعوة، والتعامل مع مشكلات الفرد المسلم على وجه الخصوص

ونقول هنا: “على وجه الخصوص”؛ لأن هذه المشكلة تتعلق بالفرد المسلم بشكل أساس؛ لأن الخطاب الدعوي والحركي في الغالب؛ نجده يهتم ويسعى في إطار قضايا الأمة الكُلِّيَّة، بينما مفردات ومشكلات حياتنا كأفراد؛ غائبة إلى حدٍّ كبير عن المحتوى التطبيقي للخطاب الدعوي ، إلا من جانب وعظيٍّ لا يصلح لأي شيء في المجال الحياتي اليومي، وحتى يأتي بصورة مثالية، خاوية من أي محتوىً فعَّال في مجال معالجة الأمور العملية، قد تتحول في سياق الضغوط الحاصلة، والمشكلات الكبيرة القاصمة، إلى شيء ممجوج يأباه العقل والنفس؛ فيحصل التفلُّت.

لنتصور أن إنسانًا مسؤولاً عن خمسة أطفال يموتون جوعًا وبردًا، ثم تأتي إليه لكي تقول له فقط: اصبر!.. في حينه؛ سيكون من حقه فِعْل أي شيء مع مَن يخاطبه.

وهذا الأمر غائب فعلاً حتى عن تفكير الكثير من دعاتنا، بشكل وصل في كثير من الأحيان إلى مستوى الجهل بما هو لازم في حالات كثيرة، فبعضهم ينظر نظرة استقذار عجيبة إلى رغبات الإنسان الجنسية، انطلاقًا من عقليات وطرائق تفكير تعود إلى طبيعة مجتمعاتهم الشديدة الانغلاق أو المحافَظة، بينما هذه من الفِطَر الإنسانية التي خلقها اللهُ تعالى مع الإنسان، وإلحاحها – كما أثبت العلم – أعلى من أي إلحاح آخر، لأنها هي مفتاح استمرار النسل الآدمي على الأرض كما أراده الله تعالى.

كما أن الدين الإسلامي في الإطار العام، هو دين العقيدة والتطبيق ، وجعل اللهُ تعالى شريعته هي الأكمل والأشمل من بين شرائعه الأخرى التي ارتضاها لعباده عبر قرون حياة الإنسان الطويلة على وجه الأرض.

ينقلنا الكلام السابق عن “استقذار” بعض دعاتنا لمناقشة عظيم الأمور وأهمها فيما يخص الحياة الفردية للمسلم، إلى قضية السياق المجتمعي الذي يتم فيه ممارسة التديُّن؛ حيث يرتكب الكثير من المسلمين، جرائم في حق الدين والدعوة بتعاملهم غير السوي مع غير المُتديِّن، أو مَن يخرج عن السياق العام للدين.

أولاً؛ منهج الإسلام شديد الوضوح في هذه الناحية؛ الدعوة، ثم الدعوة، ثم الدعوة، والمثابرة عليها، وهذا المنهج بتفاصيله الدقيقة، بما في ذلك حتى طريقة المخاطبة، ورد في القرآن الكريم، وفي القول والممارسة النبويَّيْن، ولا ينبغي التسفيه من أية أفكار لدى الإنسان، لأن مهمتنا هدايته، وليس السخرية منه أو تسفيهه.

ولو وقفنا بأدوات تحليل المضمون أمام مواقف البعض من هذه الفئة، وما يطرحونه من خطاب؛ فإننا سوف نقف أمام بعض الأمور الشديدة الأهمية التي ينبغي أن يأخذها العاملون في حقول العمل الإسلامي المختلفة على محمل الجدية.

ومن بين أبرز هذه الأمور، حديثهم عن دور مسلمين تلقُّوا آراءهم وأفكارهم، وانتقاداتهم، بكل منطق إلا النقاش ومحاولات التوضيح والإقناع، بينما الإسلام يحتوي على الكثير للغاية من الأدلة النقلية والعقلية التي يمكن استخدامها في مراجعة هؤلاء.

بل إن بعضهم قالوا بأنهم لم يخرجوا عن نسق الدين، إلا بسبب “سلوك المسلمين”.

هم بعقليتهم القاصرة – قاصرة بالمعنى الموضوعي؛ لأنه من تمام عقل الإنسان، الوصول إلى فكرة الخالق الواحد – ربطوا بين هؤلاء المسلمين، وبين الإسلام، فتصوَّروا أن هؤلاء هم النتيجة الطبيعية للإسلام والإيمان به، فيسارعون بالإعلان عن خروجهم عن الدين، ولكنهم لم يخرجوا عن فكرة الإيمان بالله تعالى ذاتها.

لم يقف عقل مثل هذه النوعية من الناس، على حقيقة الموقف، ولذلك أسباب كثيرة، منها ضعف التعليم في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، وكذلك وجود فجوات كبيرة في طرق الثقافة والتنشئة الأسرية والاجتماعية المختلفة، فيما يتعلق بتكوين عقلية ناضجة سليمة، تميِّز بين سمو وكمال النظرية، وبين أخطاء التطبيق.

من أسباب العقلية القاصرة ضعف التعليم في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، وكذلك وجود فجوات كبيرة في طرق الثقافة والتنشئة الأسرية والاجتماعية المختلفة، فيما يتعلق بتكوين عقلية ناضجة سليمة، تميِّز بين سمو وكمال النظرية، وبين أخطاء التطبيق

ومن المفترض أن الدعاة ورجال الإعلام، والعاملين في مختلف الحقول ذات الصلة بالمكوِّن الفكري والعقيدي للإنسان في مجتمعاتنا وفضاءاتنا الحركية الإسلامية، أن يضعوا في حسبانهم ذلك الأمر.

لكن ما يحدث هو العكس، فَنَجِد عدم تفهُّم، وسخرية، فيحصل الكثير والكثير من التفلُّت الإضافي، ونجد أن بعض الناس باتوا يخرجون من الدين، عقيدةً أو تديُّناً، بدلاً من أن يدخلوه أفواجًا.

وإنه لمن المثير للاستغراب أن نجد الغرب شديد الانهماك على حالات إنسانية – بالآحاد وليس حتى بالعشرات أو المئات – انضمت إلى تنظيم “داعش”، أو إلى أي تنظيم آخر من هذه التنظيمات الإرهابية غامضة النشأة والجذور، لمجرَّد أنهم من مواطني دولهم، بينما مجتمعاتنا المسلمة تلفظ مرضاها. نعم، هؤلاء في النهاية مرضى في عقولهم، فالواجب علاجهم .

إن مَن يطالِع وسائل الإعلام البريطانية أو الفرنسية أو الألمانية؛ سوف يجد أنها شديدة الهم إزاء مصير سيدة أو شاب أو طفل وُلِد في آتون الحرب السورية مثلاً، ويريد العودة إلى وطنه.

فتجد الخبراء لديهم يجتهدون في إيجاد التفاسير القانونية لعودة هؤلاء، من دون سجنهم، والأفكار الخلَّاقة في التعامل مع هؤلاء عند عودتهم، في المجال الاجتماعي والنفسي والفكري، ضمن عملية إعادة تأهيل شاملة “لاستعادة” هؤلاء إلى عباءة مجتمعاتهم مجددًا.

بل قد يكونوا في الأصل من المجنَّسين؛ أي أنهم ليسوا من أبناء هذه الدول والمجتمعات الأصليين، ولكنه الواجب القانوني للحكومات والمجتمعات إزاء جنسية هذه الدول. كل مَن يحمل جنسيتها؛ له كامل الحقوق، حتى وإن قَتَلَ!

بينما نحن الذين في ديننا توجيهات قرآنية ونبوية لا لبْس فيها، وصلت إلى حد “وإن قتل وإن زنى”، كما ورد عن الرسول الكريم “صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”؛ نجد أن الاستهانة والتنصُّل والتسفيه، هو مصير كل صاحب فكر مخالف، وليس حتى بالضرورة أنْ يكون ملحدًا، بل قد يصل الأمر إلى قتله، وتحقيق غرض الشيطان الرجيم فيه بأن يُعذَّب أبناء آدم (عليه السلام)، في النار!

وبمنطق ما نراه في المجتمعات الغربية في التعامل مع ظاهرة “العائدين من داعش” هذه؛ فإن بين ظهرانينا دعاة وأفراد يخرجون بعض الناس، من الأصل، من رحمة الله تعالى، بجهالة وبغير علم ، وبدلاً من مناقشتهم فيما يقولون ويعتقدون، ويصححون لهم؛ نجد الطرد والسخرية، مما يوسِّع الدائرة ولا يضيقها، ويثبتُ – بالباطل طبعًا – مزاعم هؤلاء، ومزاعم خصوم الدين، بأن ما يقوم به الكثير من المسلمين، حتى دعاتهم ومفكريهم، من خطايا؛ هي الإسلام، حاشا لله تعالى طبعًا.

وفي النهاية؛ فإن الكثير من التصورات والممارسات بين ظهرانينا تصل في مستوى جُرْمها؛ إلى درجة إعانة الشيطان اللعين على أداء رسالته التي اختارها لنفسه في الأرض، وهي ضلال الناس، ومن ثَمَّ؛ عذابهم في النار، في الآخرة.

وبالتالي؛ فإنه من نافل القول؛ أنْ المطلوب كثير، وكثير للغاية، لتصويب هكذا أوضاع، قبل أن يعود الإسلام غريبًا كما بدأ غريبًا، قبل الأوان، ونكون نحن مسؤولين أمام الله تعالى عن ذلك، ونعذَّب بذلك، كما تَرَكْنا هؤلاء للضلال!

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى