هلك المطبِّعُون “لا يهرول إلى التطبيع إلا كل وضيع” (2-2)
بقلم محمد عبد الرحمن صادق
تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:-
أولاً: تعريف التطبيع.
ثانياً: أشكال التطبيع المنبوذة والتي يجب نبذها وفضح القائمين بها.
ثالثاً: بعض أشكال التعاون التي يجب استثنائها.
رابعاً: جذور التطبيع وأصله.
خامساً: دوافع الدول التي تقوم بالتطبيع مع الكيان الصهيوني.
– وسنحدث في هذا الجزء عن خمس نقاط أخرى، وهي:-
سادساً: دوافع الميان الصهيوني للتطبيع مع الدول العربية والإسلامية
1- إن الكيان الصهيوني يوقن تمام اليقين أن شعوب الدول العربية والإسلامية تلفظه لفظ النواة، كما يوقن هذا الكيان أن ثورات الربيع العربي وتوابعها التي لم تنته إلى يومنا هذا تمثل تهديداً كبيراً له، لذلك فإن الكيان الصهيوني يُسرع من وتيرة التطبيع تجنباً لامتداد غضب الشعوب إليه .
2- إن الكيان الصهيوني يدفع بعجلة التطبيع مع دول الخليج ودويلاته من أجل تقليم أظافر إيران في المنطقة، فالكيان الصهيوني وحلفاؤه يقومون بتضخيم وتهويل دور إيران النووي في المنطقة من أجل استخدامه كفزاعة تجعل الدول ترتمي في أحضان الكيان بل تحت أقدامه، كل ذلك من أجل تطويق وتقزيم دور إيران الإقليمي المعترف به دولياً.
3- إن الكيان الصهيوني يوقن تمام اليقين أن التطبيع مع الدول العربية والإسلامية سيفوِّت على هذه الدول فرصة التعاون وتبادل المصالح مع دولة لها تأثيرها ووزنها الإقليمي مثل إيران، مما يزيد هذه الدول ضعفاً على ضعفها، وتظل هذه الدول مأمونة الجانب ولا تمثل أدنى تهديد لوجود الكيان الصهيوني، ولنا في مصر والأردن خير دليل على ذلك!
4- إن الكيان الصهيوني يدرك أن القواسم المشتركة بين الدول العربية والإسلامية وبين إيران تجعل من الطبيعي والمنطقي أن يكون هناك تحالف وتعاون مشترك بينهم، لذلك فإن الكيان الصهيوني يعمل على توسيع الفجوة وغرس الكراهية في الدول العربية والإسلامية تجاه إيران.
إن كل ما سبق يصب في اتجاه واحد وهو خدمة الكيان الصهيوني الذي يُوهم الجميع بأنه مصدر الأمن والحماية لمن ييقومون بالتطبيع معه وأنه مهما يُمارسون من جرائم في حق شعوبهم أو في حق الغير لن تصلهم يد المسائلة، وما قضية خاشفجي وحرب اليمن ولا قضية الانقلاب العسكري في مصر … الخ عنا بخفي ولا ببعيد.
سابعاً: نظرة الشعوب العربية للتطبيع وموقفها منه
إن الواقع يقول أن تطبيع القيادات تلعنه الشعوب وتتبرأ منه وتسخط عليه وعلى فاعليه، كما يلعنه كل شرفاء العالم ويتبرؤون منه ويسخطون على فاعليه.
والواقع يقول أن الشعوب العربية والإسلامية توقن أن التطبيع مع الكيان الصهيوني لن يُجدي الشعوب نفعاً بل سيكون عليهم أذى ووبالاً.
والواقع يقول أن الشعوب العربية والإسلامية تنظر للعدو الصهيوني الغاصب نظرة عداء وازدراء وأن كل المماحكات السياسية مهما كانت مُسمياتها لن تنطلي على الشعوب إلا إذا انطلى على الشاب الأريب أن الباغية المُومس الشمطاء قد تحولت إلى عذراء حسناء.
الشعوب العربية والإسلامية تنظر للعدو الصهيوني الغاصب نظرة عداء وازدراء وأن كل المماحكات السياسية مهما كانت مُسمياتها لن تنطلي على الشعوب
ثامناً: نتائج حملات التطبيع على القضية الفلسطينية وعلى الدول العربية
1- بالنسبة للقضية الفلسطينية فإن قيام الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وتخليهم عن الدفاع عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني سيكون له نتيجته الوخيمة على الجانب الفلسطيني وهي أن الصراع سيتحول من (صراع عربي إسرائيلي) إلى صراع (فلسطيني إسرائيلي) ولك أن تتخيل العبء الذي ستتحمله فصائل المقاومة خاصة والشعب الفلسطيني عامة!
2- أما بالنسبة للشعوب العربية فإن قيام الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني سيكسر العزلة “المفروضة” على حكومة الاحتلال الصهيوني مما يتيح لها إبرام المعاهدات والاتفاقيات التي تقوِّي موقفها وتكسبها المزيد من الامتيازات في المنطقة.
3- والتطبيع مع الكيان الصهيوني سيكسر العزلة النفسية والجغرافية المفروضة على الصهاينة مما يتيح لهم التغلغل داخل الدول العربية ويجعل تواجد أفراد وكيانات الكيان الصهيوني عادياً وطبيعياً في أي مكان وفي أي زمان وتشب الأجيال على ذلك.
4- والتطبيع مع الكيان الصهيوني سيعمل على محو ونسيان جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني خاصة وفي حق الدول العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن وغيرهم عامة، وسيخرج جيلاً لا جذور له تثبته وتدعمه ولا قضية يعيش من أجلها ويدافع عنها.
التطبيع مع الكيان الصهيوني سيعمل على محو ونسيان جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب الفلسطيني خاصة وفي حق الدول العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والأردن وغيرهم عامة
5- والتطبيع مع الكيان الصهيوني من شأنه أن يرسخ لمفهومين خطيرين:
أولهما: أن الرافض للتطبيع يعتبر مُعاد للسامية ومناد للكراهية والعنف، وهذه مغالطة شرعية وتاريخية.
وثانيهما: تقزيم دولة فلسطين وحصرها في قطاع غزة وفي فصائل المقاومة، وهذه أيضاً مغالطة شرعية وتاريخية، بل وأكذوبة تتنافى مع كل الحقائق المتعارف عليها بأن أرض فلسطين تمتد من البحر إلى النهر، وتتنافى كذلك مع كون فلسطين أرضاً إسلامية ليس لأحد الحق في تقسيمها حتى وإن كانت قرارات الأمم المتحدة، وحتى وإن كانت السلطة الفلسطينية ذاتها.
6- إن ظهور مصطلح التطبيع وظهور حملات ونداءات لمناهضته سيخفف بطريقة أو بأخرى من وتيرة العداء للكيان الصهيوني، وكأن هذه الحملات تقر وجوده ولكنها لا تقبل التطبيع معه.
تاسعاً: لبس لابد من إزالته
إن هناك من يقارن بين التطبيع مع الكيان الصهيوني وبين ما حدث من صلح مع يهود المدينة.
ولهؤلاء نقول: إن هذه المقارنة خاطئة ومُجحِفة وفيها لي لعنق الأحداث لتطويعها وفق الأهواء، وذلك لعدة أوجه:-
1- إن اليهود في العَهدِ النَّبوي لم يكونوا مُحتلِّينَ لبلاد المُسلِمينَ، ولم يكونوا مُحاربين، وإنَّما مُعاهدون وبشروط ، وبموجب ما تم من صلح أو معاهدات دخلوا عقد الذمة وأصبحوا رعايا مِن رعايا الدولةِ الإسلاميِة وبشروط الدولة الإسلامية التي ارتضوها، كما حدث في الصلحِ مع أهلِ نَجرانَ، ومع أهل خَيبر.
عن عبد الله بن عمر أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: أجْلَى اليَهُودَ، والنَّصَارَى مِن أرْضِ الحِجَازِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ لَمَّا ظَهَرَ علَى خَيْبَرَ أرَادَ إخْرَاجَ اليَهُودِ منها، وكَانَتِ الأرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ ولِرَسولِهِ ﷺ ولِلْمُسْلِمِينَ، وأَرَادَ إخْرَاجَ اليَهُودِ منها، فَسَأَلَتِ اليَهُودُ رَسولَ اللَّهِ ﷺ لِيُقِرَّهُمْ بهَا، أنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، ولَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لهمْ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: نُقِرُّكُمْ بهَا علَى ذلكَ ما شِئْنَا، فَقَرُّوا بهَا حتَّى أجْلَاهُمْ عُمَرُ إلى تَيْمَاءَ وأَرِيحَاءَ” (صحيح البخاري).
2- إن يهود المدينة كانوا في حالة ضعف ولا يَقدِرونَ على نَشرِ ثقافتهم وفكرهم داخل المجتمع الإسلامي، بعَكسِ واقِعِ اليهودِ اليومَ فهم ينخرون في جسد الأمة كنخر السوس، ويُمارسون الغزو الفكري بكل ما أوتوا من قوة!
3- إن ما فعله النبي ﷺ مع اليهود في صدر الإسلام كان مشروطاً بعدم نقضهم لما اتفق عليه وعدم تحولهم من مُعاهدين إلى محاربين وعدم تحالفهم مع أعداء المسلمين، وهذا لا صلة له من قريب ولا من بعيد مع ما نراه اليوم من تطبيع، فشتان الفرق بين هدنة أو صلح يلجم الخصم إلجاماً وبين تطبيع يسمح للخصم بأن يعيث في الأرض فساداً دون رادع ولا عقاب .
4- إن ما يتم من تطبيع هو من المعاهدات والاتفاقيات المُحرمة شرعاً لأنه يُعطل ما أقره الإسلام وما أجمع عليه علماء الأمة.
جاء في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: “… ما بالُ رجالٍ يشترِطونَ شروطًا ليست في كتابِ اللهِ ما كان مِن شرطٍ ليس في كتابِ اللهِ فهو باطلٌ وإنْ كان مئةَ شرطٍ قضاءُ اللهِ أحقُّ وشرطُ اللهِ أوثَقُ وإنَّما الولاءُ لِمَن أعتَق” (صحيح ابن حبان).
5- إن ما أجمع عليه علماء الأمة أن الصلحُ الدَّائم لا يجوزُ مع غيرِ المُحتَل، فكيف يجوزُ مع المُحتل الصهيوني الذي لا يقوم بما يقوم به من تطبيع إلا من أجل الحصول على اعتراف به وببقائِه في قَلبِ العالَمِ العربي والإسلامي بزَعمِ منه بأنه الصاحب التاريخي للأرضَ!
6- إن التطبيع الذي نراه الآن يترتب عليه الذوبان والتماهي مع الكيان الصهيوني لدرجة أن الدول التي توافق على هذا التطبيع تقوم بحذف نصوص قرآنية من مناهجها تلبية لمطالب الكيان الصهيوني وإرضاء له، كما تقوم بالترويج لمفردات ومصطلحات من شأنها ترسيخ أقدام الكيان الصهيوني في المنطقة، ومن شأنها التدليس وتسمية الأشياء بغير أسمائها.
إن التطبيع الذي نراه الآن يترتب عليه الذوبان والتماهي مع الكيان الصهيوني لدرجة أن الدول التي توافق على هذا التطبيع تقوم بحذف نصوص قرآنية من مناهجها تلبية لمطالب الكيان الصهيوني وإرضاء له
وخلاصة القول في هذا الجانب
أنه لا وجه للمقارنة من قريب ولا من بعيد بين ما تم مع اليهود في صدر الإسلام وبين ما يتم الآن مع الكيان الصهيوني الغاصب، لأن ما تم في صدر الإسلام إنما تم من منظور شرعي وكان يهدف إلى ضمان قوة الدولة الإسلامية وعدم تمكين أعدائها منها، أما ما يتم الآن فما هو إلا تدجين واستئناس وإضعاف وإذلال لمن يهرولون من أجل التطبيع، كما أن فيه من الشروط ما تقر وتعترف بالكيان الصهيوني، وفيه كذلك تعطيل لما جاء من أحكام في الشريعة الإسلامية مثل الجهاد والولاء والبراء وغير ذلك .
عاشراً: صفات الجيل الذي سيقاتل اليهود
إن هذا الجيل من الحكام -ربيب الغرب- الذين يُهرولون نحو مائدة التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يُعوَّل عليه قيد أنملة لحل القضية الفلسطينية.
إن الجيل الذي سيحل هذه القضية ويخلص المنطقة من هذا الورم السرطاني الخبيث قد وصفه الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
وقوله تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولا} [الإسراء:5].
وقوله تعالى: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرا} [الإسراء: من الآية 7].
أخيراً أقول
لو اتفقنا جدلاً على أن يكون هناك تطبيعاً مع الكيان الصهيوني فهل يكون هذا التطبيع بعد حل مشكلة الشعب الفلسطيني وحصوله على كامل حقوقه غير منقوصة أم يكون التطبيع والشعب الفلسطيني يقبع تحت أنياب ومخالب وحش كاسر لا يعترف إلا بلغة الدماء ويعتبر أن إفلات الفريسة من بين مخالبه وصمة عار في جبينه!
اللهم عليك بالاحتلال الصهيوني ومن والاه ، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم يا ربنا أحداً.
(المصدر: موقع بصائر)