بقلم عيسى القدومي
المتابع لنشاط الفرق الباطنية في العالم العربي والإسلامي وبالأخص “البهائية” و”القاديانية” يجد أن مركز دعوتها الأساس في الأراضي التي احتلها اليهود في عام 1948م والتي أسموها ” دولة إسرائيل “، فقد قَدم الكيان اليهودي كل الرعاية والدعاية لهم، وأقام المراكز والمعابد وسهل نشر أباطيلهم، ليصل نشاطهم إلى مناطق الضفة والقطاع وشرقي القدس على وجه الخصوص، والعالم العربي والإسلامي بالعموم.
ومما دفعني للكتابة حول تلك الفرق الباطنية ورعاية الكيان اليهودي لهم، ما قرأته من تقارير حول السعي الحثيث للفرقة القاديانية بالانتشار والانطلاق نحو هذا العالم الإسلامي عبر فلسطين، على اعتبار أن مركزها في فلسطين أُعدّ ليكون جسراً لعبور القاديانية إلى العالم العربي.
ما هي الفرقة ” القاديانية ” الأحمدية:
كانت بداية القاديانية في فلسطين حين وصل بعض أتباعهم إليها عن طريق حيفا وكان في مقدمتهم ابن مؤسس الفرقة القاديانية وخليفته بشير الدين محمود أحمد عام 1924م وحضر معه القادياني ” جلال الدين شمس” الذي أسس مركز الجماعة في قرية “الكبابير” على قمة جبل الكرمل في حيفا، وقد تبع ذلك بناء أول معبد للجماعة هناك عام 1934م، وكان ذلك في رعاية حكومة الانتداب البريطاني المحتلة لأرض فلسطين آنذاك، وتم إعادة بناء ذلك المعبد في عام1979م ويعرف تدليساً بمسمى “مسجد سيدنا محمود” وتضم قرية “الكبابير” الآن قرابة الـ3000 نسمة معظم سكانها من أتباع القاديانية.
وقد عاشت الجماعة في شبه عزلة عقائدية حيث لم تنتشر القاديانية بين العرب المسلمين المقيمين في الأراضي العام 1948م بدليل أنهم من خارج قرية “الكبابير” لا يتجاوزوا العشرات بما فيهم متبعي القاديانية ممن هم من سكان الضفة الغربية.
وقبل سنتين تقريباً كان لي نقاش مع أحد الفلسطينيين الذين اعتنقوا العقيدة القاديانية الباطلة، واستفزتني مقولة لذلك الضال “من أنهم سيعملون جاهدين لجعل كل أهل فلسطين قاديانيين “، فقلت له: وهذا ما يسعى له اليهود كذلك!! ولكن أنى لكم ذلك والمسجد الأقصى وما حوله من أرض فلسطين والشام هي مقام الطائفة المنصورة وعقر دار المؤمنين، والأرض التي إليها محشر العباد، ومنها يكون المنشر، وفيها مقتل الدجال وأتباعه، وفيها يشهد نطق الحجر والشجر حين يقول: “يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله”. والتي ستعود فيها الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، فهي الأرض التي باركها الله للعالمين، ولن تكون مقاماً للمجرمين.
وهم يعتقدون بقدسية “قاديان” في الهند، ويعتقدون بأن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان وليس الذي في بيتالمقدس. جاء في صحيفة الفضل القاديانية عدد 3 سبتمبر سنة 1935م: “لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث مكة والمدينة وقاديان واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته”. وفي عدد 23: “إن المراد بالمسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله هو مسجد قاديان”. وهدفهم من ذلك واضح ليقولوا كاذبين بأن القدس لا مكانة لها ولا رابط ديني بينها وبين الإسلام، والمسجد الأقصى هو مسجد آخر غير الموجود بالقدس هو مسجد في “قاديان”!!. وما زالوا يصرون على التشكيك في كل ما جاء في الكتاب والسنة حول فضائل المسجد الأقصى المبارك.
ولا يخفى أن للقاديانية علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي، فقد فُتحت لهم المراكز والمدارس ومكنوا من إصدار مجلة تنطق باسمهم، ولهم مطلق الحرية والدعم في طباعة كتبهم وضلالاتهم وتوزيعها في العالم، وانتقالهم الحر بين فلسطين ودول العالم.
وللقاديانيين قناة فضائية “التلفزيون الإسلامي الأحمدي” ومواقع على الشبكة العالمية “الإنترنت” ويطلقون على أنفسهم مسمى “الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية”، والمتصفح لمواقعهم بالغة العربية يجدهم قد هذبوها من أغلب ما يثير المسلمين عليهم، حيث تقرأ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أعلى الصفحة الرئيسية للموقع وصورة الكعبة في مكة المكرمة حتى يدلسوا على المتصفح لذلك الموقع بأنهم لا يخالفون عقيدة المسلمين، وأكثروا فيه من مدح العرب وخدمات قادتهم وخطاباتهم ومواقفهم من القضايا العربية، ليدفعوا التهم بعلاقتهم بالاستعمار.
ومؤخراً قام أكثر من 30 ألفاً من أتباع الطائفة القاديانية في بريطانيا بالتجمع للمناداة بالـ”جهاد ضد التطرف”. حيث قال كبيرهم: “نحن ننادي بجهاد من نوع جديد، جهاد من أجل كسب عقول وأفئدة العالم ليدركوا أن الإسلام هو دين السلام وليس العنف”.
البهائية في رعاية اليهودية:
أما البهائيون في فلسطين المحتلة فيعاملون معاملة اليهود منذ قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، وتُرعى معابدهم وتجمعاتهم كما ترعى المعابد والكنس اليهودية، ويوجد العديد من المحافل والمراكز والأماكن المقدسة للبهائية في عكا وحيفا والتي لها الصون والدعم الكامل والتسهيلات المفتوحة والترتيبات الكاملة لتهيأتها لتكون محجاً للبهائية وأتباعهم في العالم أجمع.
وللبهائية كذلك علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي منذ بدايته فقد أيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين واعتبروا أن ذلك مما جاء في العهد القديم، ولهذا يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء وخاصة اليهود، ويَدّعُون إلى السلام المطلق مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين.
والإعلام اليهودي يساند البهائية ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وقد كافئهم ورعاهم الكيان اليهودي بأن أنشأ لهم بناية ضخمة في حيفا على جبل الكرمل في إبريل 1983م، أطلقوا عليها مسمى “بيت العدل” لتكون مقراً لمركز البهائية الذي يديره تسعة بهائيين يتم انتخابهم، حيث كلف بناءها أكثر من 250 مليون دولار. وهم كذلك لا يجدون حرجاً في تشبيه “قبة محفل عباس” بقبة مسجد الصخرة في المسجد الأقصى.
وزيارات البهائيين إلى الكيان اليهودي الغاصب لم تعرف الانقطاع طيلة المراحل السابقة، وهي تأخذ بعداً دينياً عميقاً، يتمثل في كون أهم مركز ديني بهائي في العالم مُقام في مدينة حيفا على جبل الكرمل. وقد تم منذ حوالي عقدين إنشاء قصر ضخم في نفس المدينة ليستوعب عدد الزائرين سنوياً من بهائيي العالم.
الدروز والدور المشبوه:
كان من أولويات الكيان اليهودي فور إنشائه في العام 1948م انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم. وفي المقابل رأى دروز فلسطين كيان اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا تزيد عن 250 ألف بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليون (1%).
بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام 1930م وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من “النزاع اليهودي الفلسطيني” هو موقف محايد.
وفي عام 1948م بعد إعلان قيام ” دولة اليهود” انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز، بعد أن تأكدت نيتهم بالتعاون اللامحدود مع الكيان الصهيوني. مما دفع الاحتلال اليهودي إلى إنشاء وحدة خاصة بالجيش هي وحدة الأقليات، كما نجحت الآلة العسكرية الصهيونية في استعمال الشبان الدروز لأكثر أدوارها فظاعة وقسوة بحق أهل فلسطين، ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند فهم عملياً عناصر المهمات القذرة في قوات الاحتلال، بدءاً من الصورة التقليدية الرائجة للجندي الدرزي في حرس الحدود، الذي يقتحم البيت الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة ليمارس حفلة ترويع علي طريقته الخاصة، وانتهاء بقائد سرية يمارس أبشع المهمات، كما في مأساة الطفلة إيمان الهمص، حيث تولي ذلك القائد الدرزي إفراغ أمشاط الرصاص في جسدها بعد أن تأكد موتها وهي ابنة 13 عاماً، مما أثار جنوده اليهود الذين رفضوا أن يكونوا في سريته من بشاعة جريمته.
ويري المواطنون الفلسطينيون، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية، أن ما أقدم عليه الضابط الدرزي ليس تصرفاً مفاجئاً بحدِ ذاته بالنسبة إليهم. فقد كان الجنود والضباط الدروز في صدارة وحدات التنكيل والبطش بالفلسطينيين في الضفة والقطاع غزة، ومن هنا أصبحت للدرزي صورة راسخة في الوعي الفلسطيني لا تعدو أن تكون جندي الاحتلال الأكثر قسوة.
ففي وقت سابق وجّه الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون في سجون الاحتلال نداء لزعماء الطائفة الدرزية ووجهائها، للتدخل الفوري والسريع، لوضع حد لممارسات أبناء الطائفة ممن يعملون في حرس الحدود في مصلحة سجون الاحتلال، والذين يمارسون شتي صنوف القمع والعقاب بحق الأسرى الفلسطينيين، في رسالة تم تسريبها من وراء قضبان الاحتلال.
وناشد الأسرى قادة الطائفة الدرزية الضغط علي أبنائها للاستقالة الفورية، وترك العمل في مصلحة السجون وكل أجهزة الاحتلال ذات الاحتكاك المباشر بالشعب الفلسطيني والمعتقلين، منعاً للاصطدام، ودفعاً للحرج ودرءاً للمفاسد، على حد وصفهم.
هدف اليهود من رعاية الفرق الباطنية:
ولليهود في ذلك مقاصد وأهداف واضحة جلية، أولها شق صف المسلمين في فلسطين بزرع الفرق الباطنية وتسهيل مهامهم، لهدف أساس وهو كف المسلمين عن ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله، وشحن المسلمين بسيل من الشبهات والشهوات، وبث السموم لتوهين الثوابت في نفوس المسلمين.
والهدف الأهم كذلك هو إسقاط جوهر الإسلام، واستعلائه، وظهوره وتميزه بجعل دين الإسلام المحكم المحفوظ من التبديل في مرتبة الأديان المحرفة، وإظهار الخلاف العقدي بين المسلمين.
من لهؤلاء الضلال:
إن مسؤولية المسلمين قادة ودعاة وعلماء وموجهين تتعاظم أمام شبهات الفرق الباطنية والدعوات المنحرفة، لكشف زيفهم وضلالهم، حتى لا ينطلي باطلهم على الناس،ولا يكون كشف ذلك الضلال إلا بدراستهم ومعرفة واقعهم وقادتهم، وأماكن تواجدهم، وكيف ينشرون ضلالهم؟ وما هي الأساليب التي يستخدمونها؟ وحجم الدعم الذي يتلقوه؟ وما هي الشخصيات التي يستغلون نفوذها؟
ولا بد من الحذر الشديد من استفادة الفرق الباطنية وبالأخص القاديانية من تقصير الإعلام الإسلامي والعربي بشأنها، الذي شنع على هذه الطائفة وحذر منها، إلا أنه في أغلب الأحيان ارتكب أخطاء جسيمة عندما لم يلتزم الدقة وبالغ في بعض الأحيان فيما يتعلق بأفكار وتاريخ هذه الطائفة، التي استغلت هذه الأخطاء لتوهم أفرادها والمتأثرين ببعض آرائها بأن هناك حملة شعواء حول هذه الجماعة تهدف إلى تشويهها، وبأن كل التهم التي يكيلها الإعلام لهم إنما هي افتراءات بل كذب محض بدليل وجود أدلة قوية على كذب بعض تلك الاتهامات. بل إن بعض قادة هذه الطائفة والمنظرين لها تمادوا أكثر فادّعوا بأنه ليست لجماعتهم أي صلة بما يطلق عليه الناس اسم “الطائفة القاديانية”، وأن هذه الطائفة هي جماعة وهمية من اختراع الناس وإعلامهم الكاذب!!
ولو أنك بحثت مثلاً في الإنترنت عن هذه “القاديانية” لوجدت آلاف المواضيع المنسوخة عن بعضها في الغالب، لكن القليل من تلك المواضيع هو الذي يوضح حقيقة هذه الطائفة، وطرق دعوتهم الحديثة الباطلة.
فلا يصلح لمحاربة القاديانية إلا شخص يعرف الحق بداية، ولديه ذكاء وعقل، وحسن تصرف ولباقة في الحديث، وذلك أن الدين القادياني قائم على الكذب والخداع ونشر الشبهات، فلن يصلح رجل يحسن الظن بكل ما يقال أو يقرأ. وأيضاً القادياني لا يروج عقيدته إلا بشبهات شيطانية يصطادها خبثاء من بطون الكتب غالباً مكذوبة أو محرفة أو من قبيل المنسوخ أو المقيد والخاص فيجعلونه عاماً مطلقاً.
ولهذا يجب توعية المؤثرين في المجتمع وهم العلماء والدعاة والخطباء وأئمة المساجد ومدرسي الجامعات والمدارس وقادة العمل الإسلامي والمسئولين المحليين، من خلال تعريفهم بحقيقة عقيدة الطائفة القاديانية اليوم بنص أقوال قادتهم المعاصرين، وكذلك بحقيقة المواقف السياسية الطائفية التي ينتهجها أتباع القاديانية، والرعاية والدعاية التي تخدم إنتشارهم.
وفي الختام لا خير فينا إن لم ننشر عقيدتنا الإسلامية الصافية، ونبين صفة الفرقة الناجية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي المتمسكة بكتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيثما كانت، امتثالاً لقول الله تعالى: “وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله”، وقوله تعالى: “ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون”، ولوصية الرسول صلى الله عليه وسلم “فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة”.
وأوجز ذلك كله ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: “إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون”. حيث قال: “إن هذه الآية عامة في كل من فارق دين الله، وكان مخالفاً له. فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه (كانوا شيعاً) أي: فرقاً كأهل الملل والنحل، والأهواء والضلالات، فإن الله تعالى برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه”.
والحمد لله رب العالمين ،،،
(المصدر: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية)