هدم العشرات.. ماذا بين السيسي والمساجد؟
وخلال أقل من خمسة أشهر فقط، طال الهدم ثمانية مساجد في محافظة الإسكندرية وحدها، كان آخرها مسجد “الإخلاص” قبل يومين، لينضم إلى مساجد “عزبة سلام”، و”فجر الإسلام”، و”التوحيد”، و”عثمان بن عفان”، و”نور الإسلام”، و”الحمد”، و”العوايد الكبير”.
رسميا، تعددت التبريرات المقدمة لقرارات الهدم بين الشروع في إنشاء محور مروري جديد يحمل اسم “شريان الأمل” وما يستلزمه ذلك من ردم “ترعة المحمودية” وهدم ما حولها بما في ذلك هذه المساجد من جانب، وإعلان وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية الشيخ محمد خشبة أن “هدم المساجد العشوائية في منطقة غيط العنب يهدف لإنشاء مساجد جديدة” من جانب آخر.
المثير أن وكيل وزارة الأوقاف نفسه سبق أن ذكر -في حديث صحفي في ديسمبر/كانون الأول الماضي- أن هدم المسجد جاء بناء على “تعليمات عليا”، لأن مكانها سيدخل في مشروع المحور الجديد.
في سياق عادي، ربما لا يستدعي الأمر توقفا طويلا، خصوصا في ظل وجود تبرير رسمي، لكن تكرار الإغلاق والهدم في محافظات أخرى وتصريحات متكررة تحذّر من دور المساجد تطرح علامات استفهام عديدة.
وحتى يونيو/حزيران 2014 بلغ عدد المساجد والزوايا التي صدر قرارات بإغلاقها في الإسكندرية وحدها 909 مساجد وزاوية بدعوى مخالفتها الشروط والضوابط المنصوص عليها في القانون.
وفي يوليو/تموز 2016 وافق وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على هدم 64 مسجدا على مستوى الجمهورية، لوقوعها ضمن نطاق توسعات مزلقانات هيئة السكك الحديدية، بينها 12 مسجدا في مركزي طلخا وشربين بمحافظة الدقهلية.
وبعيدا عن أعين الإعلام، وفي مايو/أيار 2015 تعرضت خمسة مساجد للهدم في محافظة شمال سيناء بإشراف مباشر من الجيش، هي مساجد “الوالدين”، و”الفتاح”، و”النصر”، و”قباء”، و”قمبز”.
وسبق أن هدمت قوات الجيش مساجد أخرى في سيناء عبر قصفها بالطائرات المروحية -خصوصا في مدينتي رفح والشيخ زويد- بدعوى محاربة الإرهاب.
ولم تكن جامعة القاهرة بعراقتها بعيدة عن عمليات هدم المساجد، ففي تصريحات لصحيفة الوفد مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2015 قال رئيس الجامعة -آنذاك- جابر نصار إنه “تم تحطيم جميع منصات إطلاق صواريخ التطرف والعنف والإرهاب داخل الجامعة من خلال افتتاح مسجد لأداء الشعائر داخل الجامعة، وإلغاء جميع المصليات التي كانت تستخدم في نشر الفكر المتطرف داخل الجامعة”.
وقبيل رمضان الماضي، طالب وزير الأوقاف فروع وزارته في عدد من المحافظات بمنع الصلاة في قرابة 25 ألف مسجد وزاوية.
وفي السياق نفسه، خاطبت وزارة الأوقاف المحافظين بحظر بناء المساجد والزوايا أسفل العمارات السكنية أو بينها دون إذن مسبق من الوزير “كي لا توظف لأغراض لا تتفق مع الخطاب الديني”.
السيسي شاهد
ولم يكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيدا عن “استهداف المساجد وربطها بالإرهاب”، ففي حفل تخرج طلاب الكلية الجوية في يوليو/تموز 2016 وبحضور السيسي شخصيا نفذت طائرات حربية مصرية مناورة تحاكي عملية لـ”محاربة الإرهاب” تضمنت قصف مجسم مسجد بحجة أنه يؤوي إرهابيين.
واستخدمت في المناورة مروحيات عدة من أنواع مختلفة، إضافة إلى مجموعات قتالية من وحدات المظلات.
وقبل شهر من “مذبحة المسجدين” في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية، دعا السيسي -في خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن- الأوروبيين إلى مراقبة المساجد في الغرب، وحثهم على “الانتباه لما ينشر في دور العبادة”.
حضور وتصريح دفعا البعض لربطهما بما أصاب مسجدي “رابعة العدوية” و”الفتح” في القاهرة بعيد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي عام 2013.
مسجد رابعة العدوية مغلق منذ حرقه أثناء فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس/آب 2013 (رويترز) |
ومنذ مذبحة فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية، وما رافقها من اقتحام المسجد وحرق أجزاء منه بمن فيها من مصابين لا يزال المسجد مغلقا منذ نحو ست سنوات.
والأمر نفسه تكرر مع مسجد الفتح في ميدان رمسيس -وهو أحد أشهر مساجد القاهرة- الذي ظل مغلقا أكثر من 15 شهرا.
لكن المساجد ليست سواء في نظر السيسي، ففي حين شهد عهده هذا التعامل غير المسبوق مع المساجد هدما وحرقا إلا أنه افتتح مؤخرا مسجد “الفتاح العليم”، واختار له من بين أسماء الله الحسنى الـ99 اسم “الفتاح”، وكل لبيب بالإشارة يفهم.
خطوة رأى فيها البعض رسالة أنه يريد مساجد تتوافق مع رؤيته للخطاب الديني، حيث تشد إليها الرحال والرحلات حتى إن كانت في قلب الصحراء حيث يندر المصلون.
(المصدر: الجزيرة)