بقلم د. خالد المصلح
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما.
أما بعد.
فإن عملية التنمية تعد من أكبر تحديات دول العالم المعاصر؛ لها تعد الخطط والدراسات وتبذل الجهود وترصد الميزانيات. ولا غرو فإن سباق الدول اليوم وتبوأها المكانة العليا في المدنية الحضارة إنما هو بقدر نجاحها في إدارة التنمية والبناء، وبقدر ما تحققه من التقدم والنهضة والاستقرار السياسي والاقتصادي.
ومما لا خلاف عليه بين أهل الاختصاص أن من أكبر معوقات عملية التنمية فشو الفساد الإداري؛ وهو ما يعرف بإساءة استعمال السلطة لتحقيق مكاسب خاصة(1).
وهذا الفساد يتجلى في صور عديدة منها ما يتصل بإساءة استعمال السلطة لاكتساب المال. ومن أبرز ذلك ما يتلقاه كثير من منسوبي المؤسسات العامة أو الخاصة من عمال وموظفين على اختلاف طبقاتهم الوظيفية من الأموال والفوائد سواء كانت بمسمى الهدايا أو الامتيازات أو العمولات أو الخدمات أو غير ذلك من المسميات، ولخطورة الموضوع وكونها قضية عالمية تشغل الدول والمجتمعات فقد عنيت بها التشريعات والقوانين والأنظمة في الدول، بل تطور إلى سن اتفاقية دولية لمكافحة الفساد عموما والفساد المتصل بالرشاوى وأخذ المال بسبب الوظائف عام 2003م(2).
فكان بحث أحكام هذه الموضوع من المهمات التي تحتاج إلى توضيح وبيان ما يحل منها وما يحرم؛ لاسيما وأن البحوث الشرعية فيه قليلة لا تتناسب مع حجم الموضوع وخطورتها على تنمية الدول واقتصادياتها ولا يلبي الحاجة إلى بيان جوانب الموضوع وتفصيلاته(3).
فهذا إسهام متواضع سألقي فيه بعض الضوء على هذا الموضوع وقد حرصت على تحريره والعناية بالضوابط التي تميز ما يجوز قبوله من هذه الهدايا ونحوها مما لا يجوز، كما حرصت على التطبيقات المعاصرة التي تنزل عليها تلك الضوابط؛ ليتبين حكمها وتعرف نظائرها. وقد وعنوان هذه الورقات «هدايا العمال والموظفين وتطبيقاتها المعاصرة».
أهمية البحث:
تبرز أهمية البحث في هذا الموضوع من خلال ما يلي:
أنه إسهام في معالجة صورة من أهم صور الفساد الإداري وأكثرها انتشارا، والذي تسعى الدول والحكومات والمؤسسات الجادة إلى محاصرته والقضاء عليه.
أن الأنظمة والقوانين المختلفة عنيت بأنظمة وتشريعات عديدة لمعالجة هذا النوع من الفساد الإداري، وهذا البحث إسهام لبيان التدابير الشرعية لمعالجة هذه القضية.
تجلية جوانب هذا الموضوع فيكون المسلم على دراية بأحكام هدايا الموظفين ما يجوز منها وما لا يجوز.
بيان شمول سمو الشريعة الإسلامية المباركة وسعيها فيما يعود على المجتمع الإنساني بالصلاح.
منهج البحث:
وقد راعيت في كتابة هذا البحث المنهج التالي:
سأقتصر في مسائل البحث على ذكر أقوال المذاهب المشهورة. وقد أذكر قول بعض السلف، أو أن هذا القول اختيار أحد أهل العلم من أهل التحقيق.
عند ذكر القول في المسألة سأذكر أقوال المذاهب الأربعة مرتبة حسب تأريخها الزمني، مبتدئا بمذهب الحنفية ثم المالكية ثم الشافعية ثم الحنابلة. فإن كان هذا القول لبعض أتباع هذه المذاهب، فإنني سأذكره بعد ذكر المذاهب.
سأوثق كل مذهب من المذاهب بالإحالة إلى كتبه الأصيلة دون نقل كلامهم، إلا إن دعت إلى ذلك حاجة. كما سأبين ما ترجح لي ذاكرا وجه الترجيح.
سأخرج الأحاديث والآثار الواردة في البحث، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما لم أذكر غيرهما. وإن كانت في الكتب الخمسة فسأخرجها منها أو ممن أخرجه منها، وسأبين ما قاله أهل العلم فيها. فإن لم تكن في شيء مما تقدم فسأخرجها من كتب السنة حسب الطاقة مع بيان درجتها.
خطة البحث:
وقد جعلته في مقدمة، وعدة مباحث على النحو التالي:
المبحث الأول: حقيقة هدايا العمال والموظفين.. وفيه مطالب.
المبحث الثاني: الأصل في الهدايا.
المبحث الثالث: الأصل في هدايا العمال والموظفين.
المبحث الرابع: ضوابط جواز هدايا العمال والموظفين.
والله أسأل أن يسددني في القول والعمل وأن ينفع بهذا البحث.
المبحث الأول: حقيقة هدايا العمال والموظفين
المطلب الأول: تعريف الهدايا.
هدايا العمال أو الموظفين مركب إضافي يحتاج في معرفة معناه إلى الوقوف على معاني مفرداته. وهذا ما سأتناوله فيما يلي:
الفرع الأول: تعريف الهدايا لغة
الهدايا جمع الهدية، وهي لغة ما أتحفت به غيرك(4)، وقيل: ما بعثته إكراما أو توددا(5).
الفرع الثاني: تعريف الهدايا اصطلاحاً
الهدية نوع من الهبة(6)، وقد عرف الفقهاء الهبة بأنها: تمليك من غير عوض(7)، إلا أنهم قالوا: إن كان المقصود من الهبة الإكرام، أو التودد أو الصلة، أو التآلف، أو المكافأة، أو طلب حاجة، أو نحو ذلك، فهو هدية(8).
فبناء على هذا يمكن القول بأن الهدية في اصطلاح الفقهاء: تمليك من دون عوض، لغير حاجة المعطى.
وقد وسع الاستعمال المعاصر مفهوم الهدية فأدخل فيها تمليك الخدمات(9) مجانا.
ومن ذلك على سبيل المثال تقديم المنافع للمهدى إليه بدون عوض؛ كتقديم الدورات التدريبية وتحمل تكاليف السفر ومنح خدمة العلاج وما أشبه ذلك.
أما في الاصطلاح الفقهي فلا يدخل ذلك في مسمى الهدية؛ لأن الهدية في اصطلاح الفقهاء تمليك عين من غير عوض لغير حاجة المعطى(10)، والخدمة ليست عينا، بل هي منفعة. فهدية الخدمة حقيقتها عند المالكية(11)، والشافعية(12)، والحنابلة(13) هبة منفعة.
وأما عند الحنفية(14) فهي عارية أو إباحة نفع؛ لأن هبة المنافع عندهم، لا تكون إلا عارية.
ولعل هذا الاختلاف من جملة الخلاف اللفظ الذي لا يترتب عليه خلاف معنوي.
الفرع الثالث: ألفاظ ذات صلة بالهدايا
ومما تجدر الإشارة إليه في تعريف الهدايا معرفة الرشوة والفرق بينها وبين الهدية.
الرشوة اصطلاحا: هي ما يبذل من المال لإبطال حق أو إحقاق باطل.
أما الفرق بين الرشوة وبين الهدية في أمرين:
الأول: القصد، مقصود الرشوة التوصل إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل، أما الهدية فمقصودها المودة والإحسان والمكافأة.
الثاني: الشرط، الرشوة لا تكون إلا بشرط وطلب من الآخذ، أما الهدية فلا شرط معها(15).
المطلب الثاني: تعريف العمال والموظفين.
الفرع الأول: تعريف العمال والموظفين لغة.
العُمَّال بضم العين وتشديد الميم جمع عامل، وهو في اللغة ” الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله. ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة عامل”(16).
والموظفون جمع موظف، وهو من يسند إليه القيام بعمل يقدر في زمن معين، فإن مادة وظف تدل على تقدير شيء(17).
الفرع الثاني: تعريف العمال والموظفين اصطلاحا
لا يختلف استعمال الفقهاء لكلمة العامل عن المعنى اللغوي للكلمة فهو دائر في كلام الفقهاء على معنى من يتولى أمرا من أمور المسلمين، سواء كان ذلك في أخذ الحقوق الواجبة شرعا، كجباية الزكاة ونحوها؛ أو كان في الولايات العامة أو الخاصة(18).
بل يتوسع مدلول كلمة العمال ليشمل من يتولى الأعمال الخاصة، وهم الأجراء على الأعمال(19).
استعمال كلمة الموظف فيمن يسند إلى عمل عام أو خاص لم يجر عليها استعمال الفقهاء، إلا أنهم استعملوا ألفاظا عديدة تدل على معناها كالعامل والناظر والوصي والإمام والولي والقاضي والأجير ونحو ذلك.
فسموا كل موظف بنوع العمل الذي يتولاه غالبا(20).
أما في الاستعمال المعاصر فالموظف “شخص يستخدم للقيام بعمل أو خدمة لشخص آخر على أساس مستمر ودائم”(21).
وهذا التعريف ينتظم جميع أنواع الموظفين سواء كانوا في القطاع العام الذي تنفق عليه الدولة وتشرف عليه أو القطاع الخاص الذي لا تنفق عليه الدولة بل الأفراد أو المؤسسات أو الشركات(22).
وبهذا يتبين أن جميع أصناف العمال يشملهم وصف الموظفين سواء كان المستخدم لهم الدولة أو غيرها.
وبعد معرفة معنى مفردات هدايا العمال والموظفين يمكن أن نتوصل لمعناها فهدايا العمال مركب إضافي، وهو من باب إضافة الشيء إلى الوصف الموجب له.
وعلى هذا تكون هدايا العمال والموظفين هي كل ما يستفيده العامل والموظف من التمليكات العينية أو النقدية وكذلك ما يمنحه من التسهيلات أو الخدمات بسبب عمله من غير رب العمل.
الفرع الثالث: أنواع العمال والموظفين
العمال والموظفون ينقسمون من حيث جهة توظيفهم إلى نوعين:
النوع الأول: موظفو الجهات العامة؛ وهم كل شخص يعهد إليه بأداء عمل في صورة من الانتظام في مرفق تديره الدولة أو أحد الجهات المعنوية العامة(23).
النوع الثاني: موظفو الجهات الخاصة؛ وهم كل شخص يعمل في مؤسسة أو شركة خاصة أو فردية لا تديرها الدولة(24).
وقد نصت الأنظمة والتشريعات لاسيما في فيما يتعلق بعقوبات الرشوة على من يشملهم مسمى الموظف. ففي نظام مكافحة الرشوة على سبيل المثال نص النظام على بيان المقصود بالموظف فقال: « يعد في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام هذا النظام:
- كل من يعمل لدى الدولة أو لدى أحد الأجهزة ذات الشخصية المعنوية العامة سواء كان يعمل بصفة دائمة أو مؤقتة.
- المحكم أو الخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي.
- كل مكلف من جهة حكومية أو أية سلطة إدارية أخرى بأداء مهمة معينة.
- كل من يعمل لدى الشركات أو المؤسسات الفردية التي تقوم بإدارة وتشغيل المرافق العامة أو صيانتها أو تقوم بمباشرة خدمة عامة وكذلك كل من يعمل لدى الشركات المساهمة والشركات التي تساهم الحكومة في رأس مالها والشركات أو المؤسسات الفردية التي تزاول الأعمال المصرفية.
- رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الشركات المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من هذه المادة»(25).
المطلب الثالث: أنواع هدايا العمال والموظفين.
هناك اعتبارات عديدة يمكن تصنيف هدايا العمال والموظفين وفقها. والذي يتصل بالبحث من ذلك من تلك الاعتبارات.
أولا: أنواع الهدايا باعتبار جنسها.
الهدايا بالنظر إلى جنس الهدية يمكن تصنيفها في الجملة إلى نوعين:
النوع الأول: هدايا ذات قيمة مادية سواء؛ أكانت هدايا عينية من نقد أو غيره أم كانت هدايا نفعية كالتسهيلات والخدمات والتخفيضات.
النوع الثاني: هدايا ذات قيمية معنوية اعتبارية؛ سواء أكانت هدايا تذكارية أم هدايا فخرية أو شرفية.
وقد أوضحت الأنظمة والتشريعات المعاصرة عموم الهدايا لكل الصور المتقدمة، فقد جاء التصريح بذلك في جملة من قوانين العقوبات التي تمكنت من الوقوف عليها، فجاء في نظام مكافحة الرشوة السعودي في المادة الثانية عشرة «يعتبر من قبيل الوعد أو العطية في تطبيق هذا النظام كل فائدة أو ميزة يمكن أن يحصل عليها المرتشي أيا كان نوع هذه الفائدة أو تلك الميزة أو اسمها سواء كانت مادية أو غير مادية»(26).
وقريب من هذا ما جاء في قانون الجزاء العماني «كل موظف قبل رشوة لنفسه أو لغيره مالا أو هدية أو وعدا أو أي منفعة أخرى ليقوم بعمل شرعي من أعمال وظيفته…»(27).
ومثله ما جاء في قانون العقوبات المصري في مادة (105): «كل موظف عمومي قبل من شخص أدي له عملا من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها، هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة».
وفي مادة (105) مكررة: «كل موظف عمومي قام بعمل من أعمال وظيفته أو امتنع عن عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه»(28).
ثانيا: أنواع الهدايا باعتبار سبب الهدية وباعثها
الهدايا بالنظر إلى سبب الهدية والباعث لها يمكن تصنيفها في الجملة إلى نوعين:
النوع الأول: هدايا سببها العمل والوظيفة. وهذا النوع من الهدايا له أحوال عدة؛
الحال الأولى: ما يكون بعلم جهة العمل.
الحال الثانية: ما يكون من دون علم جهة العمل.
النوع الثاني: هدايا سببها لا صلة له بالعمل والوظيفة.
ثالثا: أنواع الهدايا باعتبار جهة الإهداء
الهدايا بالنظر إلى جهة الإهداء أي مقدم الهدية وباذلها في الجملة نوعان:
النوع الأول: هدايا تكون من جهة العمل: سواء أكانت هدايا عامة لجميع الموظفين أم خاصة ببعضهم، وسواء أكانت هدايا تشجيعية أم دعائية أم تشريفية.
النوع الثاني: هدايا تكون من غير جهة العمل. سواء أكانت ممن له مصلحة لدى جهة العمل أو لم تكن له وسواء أكانت خاصة لبعض الموظفين أو كانت عامة لهم.
المبحث الثاني: الأصل في الهدايا
المطلب الأول: مشروعية الإهداء
الإهداء من حيث الأصل مشروع مندوب إليها، كما دلت على ذلك كتاب الله تعالى، وسنة رسوله. وقد نقل غير واحد من أهل العلم(29) الإجماع على ذلك.
وقد استدل أهل العلم بأدلة عديدة من الكتاب والسنة اقتصر على أبرزها مما هو صريح في الندب إلى الهدية والأمر بها منها:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا”(30).
الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة(31))(32).
المطلب الثاني: مشروعية قبول الهدية
اتفق أهل العلم على مشروعية قبول الهدايا، إذا لم يقم مانع شرعي، إلا أنهم انقسموا في وجوب قبول الهدية إلى قولين:
القول الأول: أن قبول الهدية مستحب مندوب إليه غير واجب. وهذا مذهب الجمهور من الحنفية(33)، والمالكية(34)، والشافعية(35)، ورواية في مذهب أحمد(36).
القول الثاني: أن قبول الهدية واجب إذا كانت من غير مسألة، ولا إشراف نفس. وهذا القول رواية عن أحمد(37)، وهو قول ابن حزم من الظاهرية(38).
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من الكتاب والسنة، اقتصر على الصريح منها.
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع، لقبلت”(39).
وفي هذا بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم من قبول الهدية، سواء عظمت أو حقرت، فدل ذلك على مشروعيته واستحبابه(40).
الثاني: قول عائشة رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها”(41).
أدلة القول الثاني:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تردوا الهدية”(42)، فنهيه صلى الله عليه وسلم دال على وجوب قبولها(43).
وقد نوقش هذا الاستدلال بأن النهي في هذا الحديث ليس للتحريم، بل هو للكراهة؛ لأن مقصوده حصول الألفة والمحبة، كما هو قول جمهور أهل العلم(44).
ونوقش أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر حكيم بن حزام على أن لا يقبل من أحد شيئا، لما قال: والذي بعثك بالحق لا أرزأ(45) أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا(46).
ففي هذا الحديث “حجة في جواز الرد، وإن كان من غير مسألة، ولا إشراف”(47).
الثاني: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رد بعض أنواع الهدايا(48)، كقوله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن”(49)، وما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب(50).
ونوقش هذا بأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن رد المذكورات لا يفيد تخصيص النهي العام؛ لأن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام لا يعد تخصيصا على الصحيح(51).
الثالث: ما روى عمر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال: “خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف(52) ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك”(53).
فهذا يفيد وجوب القبول(54).
ونوقش بأن هذا الأمر أمر ندب لا أمر إيجاب، أو أن هذا الحكم إنما هو في العطايا التي من بيت المال(55)، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأخذ المال؛ لكونه عمل فأعطاه عمالته(56).
الترجيح:
الراجح أن قبول الهدية مستحب استحبابا مؤكدا جمعا بين الأدلة، ولما في الرد الذي ليس له سبب ظاهر من الإساءة للمهدي، وقد قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60].
المبحث الثالث: الأصل في هدايا العمال والموظفين
الأصل في هدايا العمال والموظفين على اختلاف مراتبهم وجهات عملهم المنع والتحريم تضافرت على ذلك الأدلة، ولجلاء شرها وصفها بعض أهل العلم بأنها أصل فساد العالم(57). وقد تواطأت الدلالات المتنوعة على أن الأصل في كل ما يستفيده العامل أو الموظف من التمليكات العينية أو النقدية وما يمنحه من التسهيلات أو الخدمات لأجل عمله من غير رب العمل عدم الجواز(58)، فمن ذلك ما يأتي:
الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “هدايا العمال غلول”(59).
ومثله وفي معناه ما رواه عدي بن عميرة الكندي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: “من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة”(60).
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذ هدايا العمال وأصحاب الولايات والوظائف من الغلول والخيانة، وفي هذا إبطال كل طريق يوصل إلى تضييع الأمانة بمحاباة المهدي، لأجل هديته(61).
الثاني: ما روى أبو حميد رضي الله عنه قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له: ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أو لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته”(62).
فعاب النبي صلى الله عليه وسلم على ابن اللتبية قبوله الهدية التي أهديت إليه؛ لكونه كان عاملا(63).
الثالث: ما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي(64).
فالهدية إذا كان سببها العمل والولاية فهي داخلة في معنى الرشوة التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها وباذلها، ويمكن أن يشهد لهذا أن عمر بن عبد العزيز أهديت إليه هدية فردها، فقيل له: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، فقال: “كانت الهدية في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، واليوم رشوة”(65).
فهذه النصوص بمجموعها تدل على أن الأصل في الهدايا التي تمنح للعمال والموظفين سواء أكانوا في القطاع العام كموظفي الدولة، أم في القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات، المنع والتحريم بذلا وقبولا؛ لكونهم يعملون في هذه الجهات.
والأصل أن هذا الحكم يعم كل هدية يكون سببها ولاية المهدى إليه، وأن يكون عمله سببا لحصولها(66).
وضابط ذلك ما ذكره ابن تيمية رحمه الله« فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته إما ليكرمهم فيها أو ليخفف عنهم أو يقدمهم على غيرهم أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه لأجل ولايته»(67)، وسيأتي مزيد تفصيل وإيضاح لهذه المسألة.
ولا غرو فإن قبول تلك الهدايا من أكبر أسباب ضياع الأمانة وفتح باب الاتجار بمصالح الناس، والإخلال بالواجبات والتورط في أنواع الفساد الإداري والوظيفي.
ولهذا جاءت الأنظمة والتشريعات في النظم والقوانين حازمة في منع الموظف من كل تكسب بسلطة وليته وعمله. فعلى سبيل المثال جاء في نظام مكافحة الرشوة السعودي في أولى مواده ما يلي: «كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من الأعمال وظيفته أو يزعم أنه من أعمال وظيفته، ولو كان هذا العمل مشروعا بعد مرتشيا ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وبغرامة لا تزيد عن مليون ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه قصد الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به»(68).
وقد توافق على هذا المعني وتجريم هذا الفعل العديد من تشريعات الدول العربية التي اطلعت عليها، وإن كانت قد تختلف في تفاصيل العقوبات والأحكام(69).
المبحث الرابع: ضوابط جواز هدايا العمال والموظفين.
تقدم أن الأصل مشروعية الهدايا بذلا وقبولا على وجه العموم. وأن الأصل أيضا تحريم هدايا العمال والموظفين بذلا وقبولا، ومما يجدر لفت النظر إليه أن غالب المذكور في كلام الفقهاء في هذا الباب إنما هو في شأن القضاة على وجه الخصوص، وليس هذا حصرا للأحكام فيهم، بل لكونهم أغلظ من غيرهم وأخطر(70)، قال الماوردي: « قضاة الأحكام، فالهدايا في حقهم أغلظ مأثما وأشد تحريما؛ لأنهم مندوبون لحفظ الحقوق على أهلها دون أخذها، يأمرون فيها بالمعروف، وينهون فيها عن المنكر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم»(71) فخص الحكم بالذكر؛ لاختصاصه بالتغليظ»(72).
وسائر أصحاب الولايات والأعمال والوظائف ملحقون بالقضاة في حكم الهدايا، وقد نص على العموم جماعة من الفقهاء.
بل نقل عدم الخلاف فيه ابن فرحون في تبصرة الحكام: ” قال ابن حبيب: لم تختلف العلماء في كراهية الهدية إلى السلطان الأكبر وإلى القضاة والعمال وجباة المال، وهذا قول مالك ومن قبله من أهل العلم والسنة”(73).
وفي سياق تقرير عموم الحكم لأصحاب الوظائف والولايات جاءت كلمات العلماء صريحة. قال في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: “إن كل هدية يأخذها موظف في وظائف الحكومة هي بمثابة الهدية التي يأخذها القاضي”(74).
وقال الشربيني في “مغني المحتاج” في سياق ذكر أسباب عدم جواز قبول الهدايا قال: “منها الهبة لأرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله”(75).
ومما ينبغي أن يستحضر أنه في حال الاشتباه في توافر ضوابط الإباحة فإنه يجب الرجوع إلى الأصل الخاص في هدايا العمال والموظفين، وهو المنع والتحريم؛ لأن اليقين لا يزول بالشك واليقين هو التحريم فلا يرتفع حال الشك في وجود شروط الإباحة. وقد نص على ذلك الغزالي من فقهاء الشافعية فقال في أقسام عموم الهدية: «الخامس: أن يطلب التقرب إلى قلبه وتحصيل محبته، لا لمحبته ولا للأنس به من حيث إنه أنس فقط، بل ليتوصل بجاهه إلى أغراض له…فإن كان جاهه بولاية تولاها: من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية… وكان لولا تلك الولاية لكان لا يهدي إليه، فهذه رشوة عرضت في معرض الهدية… فهذا مما اتفقوا على أن الكراهة فيه شديدة، واختلفوا في كونه حراما، والمعنى فيه متعارض؛ فإنه دائر بين الهدية المحضة، وبين الرشوة المبذولة في مقابل جاه محض في غرض معين. وإذا تعارضت المشابهة القياسية، وعضدت الأخبار والآثار أحدهما، تعين الميل إليه. وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر في ذلك»(76).
وقال أيضاً: «وإذا ثبتت هذه التشديدات، فالقاضي والوالي ينبغي أن يقدر نفسه في بيت أمه وأبيه، فما كان يعطى بعد العزل وهو في بيت أمه، يجوز له أن يأخذه في ولايته، وما يعلم أنه إنما يعطاه لولايته، فحرام أخذه، وما أشكل عليه في هدايا أصدقائه؛ أنهم هل كانوا يعطونه لو كان معزولا، فهو شبهة، فليجتنبه»(77).
ولما كان من أنواع هدايا العمال والموظفين وصورها ما قد يتجاذبه هذان الأصلان: إباحة الهدايا وحلها وتحريم هدايا العمال وحظرها؛ فيخرج عن الأصل الخاص في هدايا العمال والموظفين، وهو المنع والتحريم، إلى الأصل العام في الهدايا، وهو الإذن والمشروعية، فإنني سأحاول حصر تلك الصور والأحوال التي تكون فيها هدايا العمال والموظفين جائزة في ضوابط جامعة؛ ليتميز ما جاء الشرع بالإذن فيه من تلك الهدايا، وما هو ممنوع منها. وهذا ما سأتناوله في المطالب التالية.
المطلب الأول: كل هدية لموظف ليس للوظيفة أثر في حصولها فهي جائزة
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يستفيده العامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها، والتي ليس العمل أو الوظيفة سببا في حصولها، فهي جائزة لا تدخل فيما يمنع من هدايا العمال والموظفين.
وهذا الضابط مستفاد من المعنى الذي من أجله تواردت النصوص في منع هدايا العمال والموظفين. ومن أصرحها ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لابن اللتبية حين قال هذا لكم وهذا أهدي إلي: “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أو لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته”(78).
فهذا بيان جلي أنه لما كان قد أهدي إلى ابن اللتبية بسبب الولاية والعمل لم يكن له أن يقبل الهدية لنفسه(79)، فإن الأسباب معتبرة في التمليكات(80)، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيهدى له أو لا؟”(81).
أما إن كان أهدي إلى الموظف أو العامل لأجل قرابة أو صداقة أو موادة أو غير ذلك من البواعث والأسباب فإنه لا وجه لمنع ذلك وتحريمه، بل هي حلال إعمالا للأصل العام في الهدايا بذلا وقبولا. وقد تواطأت كلمات أهل العلم على اختلاف مذاهبهم في تقرير هذا المعنى.
قال ابن عابدين معلقا على حديث ابن اللتبية: ” وتعليل النبي صلى الله عليه وسلم دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية”(82).
وقال الجصاص: “وقد دل على هذا المعنى قول النبي: هلا جلس في بيت أبيه وأمه فنظر أيهدى له أم لا! فأخبر أنه إنما أهدي له لأنه عامل، ولولا أنه عامل لم يهد له، وأنه لا يحل له; وأما من كان يهاديه قبل القضاء وقد علم أنه لم يهده إليه لأجل القضاء، فجائز له قبوله على حسب ما كان يقبله قبل ذلك”(83).
وقال ابن العربي: “وأما الهدية المطلقة للتحبب والتواصل فإنها جائزة من كل واحد، وعلى كل حال”(84).
وقال ابن عبد البر أيضا: “العامل لا يجوز أن يستأثر بهدية أهديت إلية بسبب ولايته”(85).
وقال الإمام الشافعي أيضا: “فيحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في ابن اللتبية تحريم الهدية إذا لم تكن الهدية له إلا بسبب السلطان.
ويحتمل أن الهدية لأهل الصدقات إذا كانت بسبب الولاية لأهل الصدقات كما يكون ما تطوع به أهل الأموال مما ليس عليهم لأهل الصدقات لا لوالي الصدقات”(86).
وقال الغزالي أيضا: “وما يعلم -أي العامل أو الموظف- أنه، إنما يعطاه لولايته فحرام أخذه”(87).
وقال ابن تيمية كذلك: ” فوجه الدلالة أن الهدية هي عطية يبتغي بها وجه المعطي وكرامته فلم ينظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظاهر الإعطاء قولا وفعلا، ولكن نظر إلى قصد المعطين ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال، فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته، وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته؛ إما ليكرمهم فيها، أو ليخفف عنهم، أو يقدمهم على غيرهم، أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه لأجل ولايته”(88).
وقال أيضا في اعتبار الأسباب في الهدايا: ” هذا المنصوص جار على أصول المذهب الموافقة لأصول الشريعة، وهو أن كل من أهدي أو وهب له شيء بسبب يثبت بثبوته ويزول بزواله ويحرم بحرمته ويحل بحله حيث جاز في تولي الهدية مثل من أهدى له للقرض، فإنه يثبت فيه حكم بدل القرض. وكذلك من أهدى له لولاية مشتركة بينه وبين غيره كالإمام، وأمير الجيش وساعي الصدقات فإنه يثبت في الهدية حكم ذلك الاشتراك”(89).
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة.
بناء على هذا الضابط فإن كل الهدايا والتي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها يجوز قبولها إذا لم تكن بسبب ما يشغلونه من وظائف ومسؤوليات وولايات، وليس ذلك داخلا في هدايا العمال والموظفين التي جاءت النصوص بتحريمها.
ويندرج تحت هذا كل الهدايا التي يكون باعثها قرابة أو صداقة أو موادة أو غير ذلك من البواعث والأسباب. يستوي في ذلك جميع أنواع الهدايا، سواء الهدايا ذات القيم معنوية كالهدايا التذكارية والفخرية أو الهدايا ذات القيم المادية كالهدايا العينية من نقد أو غيره والهدايا النفعية كالتسهيلات والخدمات والتخفيضات ونحو ذلك.
المطلب الثاني: كل هدية لموظف تأذن فيها جهة الوظيفة فهي جائزة
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يستفيده العامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها فإنه إذا أذنت فيها جهة الوظيفة والعمل لم تدخل فيما يمنع من هدايا العمال والموظفين.
وهذا الضابط مستفاد من جملة من الأحاديث النبوية؛ من ذلك ما رواه مسلم من حديث قيس بن أبي حازم عن عدي بن عميرة الكندي قال: سمعت رسول الله يقول صلى الله عليه وسلم: ” من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطا فما فوقه، كان غلولا يأتي به يوم القيامة”، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل عني عملك، قال: وما لك؟! قال: سمعتك، تقول: كذا وكذا، قال صلى الله عليه وسلم: ” وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيرة، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى”(90).
وهذا صريح في جواز أخذ العامل أو الموظف شيئا بسبب ما استعمل فيه إذا بإذن ممن استعمله أو وظفه(91).
وقد نص على جواز هدايا الموظفين إذا أذنت جهة العمل جماعة من أهل العلم، قال ابن بطال في شرحه على البخاري: ” وفى حديث ابن اللتبية: أن هدايا العمال يجب أن تجعل في بيت المال، وأنه ليس لهم منها شيء إلا أن يستأذنوا الإمام في ذلك”(92).
وذلك لأنه “إنما أهديت إليه بسبب ولايته، فاستحال أن تكون له دون المسلمين”(93)، بل النظر فيها إلى وليهم.
ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على من استعمل في عمالة أو ولاية من عامل أو موظف أن يأتي بكل ما حصله بسبب ولايته من قليل أو كثير، ثم إن أعطي منه شيئا أخذه وإلا امتنع منه.
وقد جاء هذا المعنى مصرحا به فيما رواه الترمذي من حديث قيس بن أبي حازم عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرت أرسل في أثري، فرددت. فقال صلى الله عليه وسلم: “أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئا بغير إذني، فإنه غلول {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]؛ لهذا دعوتك، فامض لعملك”(94).
قال الحافظ ابن حجر فيما يمنع من هدايا العمال: «ومحل ذلك إذا لم يأذن له الإمام»(95). وقال المهلب معلقا على حديث معاذ: ” فيه أنها إذا أخذت تجعل في بيت المال، ولا يختص العامل منها إلا بما أذن له فيه الإمام”(96).
وبهذا قال غير واحد من أهل العلم(97).
وقريب من هذا المعنى ما ذهب إليه الطبري في توجيه ما جاء من إذن النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن أن يقبل هدية من أهداه، حيث قال في توجيه ذلك الإذن: ” أن يكون صلى الله عليه وسلم جعل ما أهدي له من هدية في عمله له، مكان ما كان يستحقه من الرزق على عمله، إذ كان كل مشغول عن التصرف في خاصة نفسه وعارض حاجاته من المكاسب وغيرها مما هو لها نظير، فإنه مستحق من مال الفيء، ما فيه له ولمن تلزمه مؤونته، الكفاية”(98).
ومما يؤكد أن كل هدية أذنت بها جهة العمل فلا محذور على العامل أو الموظف في قبولها، وأنها لا تدخل فيما جاء النهي عنه من هدايا العمال، أنه إنما نهي عن ذلك؛ لأجل قطع أسباب الخيانة ومنع أسباب فساد الوظائف والأعمال والولايات، فإذا علمت جهة العمل وأذنت فقد حصل الأمن من الخيانة والفساد غالبا.
وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما يفيد هذا المعنى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم، واستخلفوا أبا بكر رضي الله عنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فاستعمل أبو بكر عمر على الموسم، فلقي معاذا بمكة ومعه رقيق، فقال: ما هؤلاء؟ فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لأبي بكر. فقال له عمر: إني أرى لك أن تأتي بهم أبا بكر، قال: فلقيه من الغد، فقال: يا ابن الخطاب، لقد رأيتني البارحة، وأنا أنزو إلى النار، وأنت آخذ بحجزتي، وما أراني إلا مطيعك. قال: فأتى بهم أبا بكر، فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لك. قال: فإنا قد سلمنا لك هديتك. رواه الحاكم(99).
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة.
بناء على هذا الضابط فإن كل الهدايا والتي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها يجوز قبولها إذا أذنت فيها جهة الوظيفة والعمل، وليس ذلك داخلا في هدايا العمال والموظفين التي جاءت النصوص بتحريمها. يستوي في ذلك جميع أنواع الهدايا، سواء الهدايا ذات القيم معنوية كالهدايا التذكارية والفخرية أو الهدايا ذات القيم المادية كالهدايا العينية من نقد أو غيره والهدايا النفعية كالتسهيلات والخدمات والتخفيضات ونحو ذلك.
ومن آكد ما يندرج في هذا الضابط الهدايا المقدمة من جهة العمل سواء للموظفين جميعا أو لبعضهم، وسواء أكانت مكافأة على إنجاز أم تحفيزية تشجيعية.
ومما يلتحق لهذا الهدايا التشريفية والاحتفالية وكذلك التكريمية كالتي تقدم للموظفين على اختلاف مراتبهم عند نهاية الخدمة. لكن الواجب على المسؤولين عن تقديم هذه الهدايا أن يتقوا الله فيما يبذلونه من الأموال في هذا النوع من الهدايا فيجتنبوا الإسراف والمحابة ويتوخوا العدل والاقتصاد فإنهم يتصرفون في أموال غيرهم سواء أكانت عامة أم خاصة.
ومما يندرج في هذا الضابط الهدايا المقدمة لموظفي الجهات العامة والخاصة من طريق جهة العمل سواء أكان ذلك عاما لجميع منسوبيها أم خاصا ببعضهم؛ لأن كون الهدية قدمت بواسطة جهة العمل فهو إذن للموظف في قبولها. لكن ينبغي أن يستحضر أنه في بعض الصور قد يتجاوز المسؤول في جهة العمل الصلاحيات المخولة له فلا يراعي الأنظمة في الهدايا فحينئذ لا يجوز للموظف قبولها؛ لأنه أذن ممن لا يملك الأذن فوجوده كعدمه.
المطلب الثالث: كل هدية لموظف يتسامح فيها عادة فهي جائزة
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يستفيده العامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها فإنه إذا كانت مما جرى العرف على التسامح فيه قدرا ونوعا، فلا تدخل فيما يمنع من هدايا العمال والموظفين.
ومستند هذا الضابط أن ما جرى به العرف وحكمت به العادة تنتفي فيه العلة التي من أجلها منعت هدايا الموظفين غالبا، وإلى هذا أشار الشيخ محمد البهي حيث قال: «ومثل العطاء للاستحسان العطاء بحكم العادة والعرف. فالعادة، وخصوصا التي لا تنطوي على ضرر، تفضل رعايتها عند التعامل بين أصحاب العرف الواحد. بل قد تعتبر شرطا غير مكتوب لصحة المعاملة»(100).
ومراعاة لهذا المعنى ذكر الفقهاء جواز قبول العمال والموظفين كالقضاة والولاة ونحوهم الهدايا التي تهدى إليهم لأسباب وبواعث لا صلة لها بأعمالهم ووظائفهم وولاياتهم؛ كالهدية لقرابة أو صداقة أو موادة أو مكافأة على إحسان أو غير ذلك؛ إذ لا وجه لمنع ذلك(101)؛ وعللوا ذلك بأنه مما جرت به العادة وسمح به العرف وانتفت منه التهمة(102).
قال السرخسي فيما يجب على القاضي في شأن الهدايا: ” قبول الهدية من الرشوة إذا كان بهذه الصفة، ومن جملة الأكل بالقضاء، ومما يدخل به عليه التهمة، ويطمع فيه الناس، فليتحرز من ذلك؛ إلا من ذي رحم محرم منه فقد كان التهادي بينهم قبل ذلك عادة”(103).
أما ما لم تجر به عادة أو عرف سواء في الهدية أو وصفها أو قدرها فهذا داخل فيما جاء النهي عنه من هدايا العمال والموظفين.
قال السبكي: “وأما الهدية وهي التي يقصد بها التودد واستمالة القلوب فإن كانت ممن لم تقدم له عادة قبل الولاية فحرام، وإن كانت ممن له عادة قبل الولاية فإن زاد فكما لو لم تكن له عادة، وإن لم يزد فإن كانت له خصومة لم يجز وإن لم تكن له خصومة جاز بقدر ما كانت عادته قبل الولاية والأفضل أن لا يقبل; والتشديد على القاضي في قبول الهدية أكثر من التشديد على غيره من ولاة الأمور؛ لأنه نائب عن الشرع فيحق له أن يسير بسيرته”(104).
وقال محمد عليش: ” فإن أهدى بعد ولايته ممن اعتادها قبلها أزيد قدرا أو أحسن جنسا أو صفة امتنع قبولها اتفاقا(105).
وقد ذكر بعض الفقهاء أن ما زاد على المألوف من الضيافة بسبب الولاية ملحق بهدايا الموظفين والعمال التي لا يجوز قبوله.
قال ابن تيمية رحمه الله: “وأما الرجل المسموع الكلام، فإذا أكل قدرا زائدا عن الضيافة الشرعية، فلا بد له أن يكافئ المطعم بمثل ذلك، أو لا يأكل القدر الزائد، وإلا فقبوله الضيافة الزائدة مثل قبوله للهدية، وهو من جنس الشاهد والشافع إذا أدى الشهادة وأقام بالشفاعة لضيافة أو جعل، فإن هذا من أسباب الفساد”(106).
ومما يتبين به هذا ما مثل به السرخسي حيث قال: “ولو أن أمير عسكر المسلمين أهدى إلى ملك العدو فعوضه ملك العدو نظر في هديته، فإن كان مثل هدية أمير العسكر، أو فيه زيادة بقدر ما يتغابن الناس فيه، فهو سالم له، لأن الجالب لهذه الهدية ما قدم من الإهداء إليه، وقد كان في ذلك عاملا لنفسه.
وإن كان أكثر من ذلك بما لا يتغابن الناس في مثله فله من ذلك مقدار قيمة هديته، والفضل فيء لجماعة المسلمين الذين معه، وكذلك الحكم في القائد الذي ممن يخاف ويرجى منه إذا كان هو الذي أهدى إليهم، والأصل في ذلك حديث عمر رضي الله عنه فإن امرأته أهدت إلى امرأة ملك الروم هدية من طيب أو غيره، فأهدت إليها امرأة الملك هدايا فأعطاها عمر من ذلك مثل هديتها، وأخذ ما بقي من ذلك فجعله في بيت المال، فكلمه في ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقال له عمر رضي الله عنه: قل لصاحبتك، فلتهد إليها حتى تنظر أتهدي إليها مثل هذا أم لا؟”(107).
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة
بناء على هذا الضابط فإن كل الهدايا التي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها يجوز قبولها إذا كانت مما جرى العرف على التسامح فيه، فإن ذلك ليس داخلا في هدايا العمال والموظفين التي جاءت النصوص بتحريمها. يستوي في ذلك جميع أنواع الهدايا، سواء الهدايا ذات القيم معنوية كالهدايا التذكارية والفخرية أو الهدايا ذات القيم المادية كالهدايا العينية من نقد أو غيره والهدايا النفعية كالتسهيلات والخدمات والتخفيضات ونحو ذلك.
ومما يندرج في هذا الضابط الهدايا المقدمة للموظفين الجهات العامة وكذلك ما يقدم للجهات الخاصة من الهدايا التذكارية كالتقاويم السنوية أو الفصلية، أو المفكرات، أو غير ذلك من الأدوات المكتبية والشخصية أو الدعائية؛ سواء أكانت مقدمة للجهة العمل أم لموظفيها ومنسوبيها؛ وسواء أكانت الهدايا مقدمة ممن له معاملة مع الجهة أم ممن لم يكن لها معاملة. ومثلها أيضا الهدايا الإعلانية التي تقدم للتعريف بسلعة جديدة، أو تجربة السلعة ومعرفة مدى تلبيتها للحاجة(108).
ومما يندرج في ذلك أيضا ما يقدم لبعض أصحاب الأعمال الخدمية كعمال النظافة والنقل والصيانة وكذلك ما يقدم للعاملين في القطاع الصحي كموظفي التمريض ونحوهم من المراجعين أو المرضى من هدايا وإكراميات مما جرى العرف والعادة بالإذن فيه.
ومما يندرج في ذلك أيضا ما يقدم من الهدايا ذات القيمة المعنوية للعاملين في قطاع التعليم من معلمين ومشرفين وإداريين من قبل بعض الطلاب أو أولياء الأمور كالدروع وشهادات التقدير ونحوها.
ومما يندرج في ذلك أيضا ما يقدم من الهدايا في الاحتفاليات للمدراء والرؤساء والمسؤولين من أصحاب الولايات شريطة ألا يكون ثمة نظام يمنع قبول مثل هذه الهدايا وألا يكون مدعاة للخيانة. ومن الضروري لتحقيق هذا أن يكون هناك حد لمقدار الهدايا التي تقدم في مثل هذه المناسبات منعا للمباهاة وصيانة للذمم من الفساد. فإن كان هذا الباب لا يوصد إلا بالمنع الكلي فالمصير إليه متعين.
ومما ينبغي التنبه له أنه رغم ما نقلته في تأصيل الضابط من كلام وأهل العلم على اختلاف مذاهبهم من جواز هدايا العمال والموظفين التي جرى العرف على التسامح فيها وليست مبعث تهمة وخيانة، وقد مضى على هذا جماعة من أهل العلم المعاصرين وبه صدرت عدة فتاوى إلا أنه ذهب جماعة من أهل العلم إلى القول بتحريم هدايا عمال الخدمة ونحوهم إعمالا للأصل في هدايا العمال والموظفين، ففي جواب سؤال ورد على اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية برئاسة شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله حول ما يعطيه بعض المشترين من مال لبعض الموظفين في المحلات على سبيل البقشيش: « لا يجوز لك أخذ ذلك المال؛ لأنه نوع من الرشوة، وهي محرمة»(109).
وفي جواب سؤال وجه للشيخ صالح الفوزان عن إعطاء العامل مبلغا من المال إكرامية؛ حيث إنه تعود أخذه من الناس؟ قال: «إذا كان هناك عامل من العمال له راتب وله أجر مقطوع من صاحب العمل؛ فلا يجوز لأحد أن يعطيه؛ لأن هذا يفسده على الآخرين؛ لأن بعض الناس فقراء لا يستطيعون إعطاءهم؛ فهذا العمل سنة سيئة»(110).
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الورع عدم القبول مثل هذه الهدايا، جاء في ذلك في جواب لشيخنا الشيخ محمد العثيمين رحمه الله حيث قال في جواب من سأله عما يقدم للعمال الذين يذهبون للبيوت للإصلاحات من هدايا وإكراميات، وهم موظفون في شركات صيانة، ولهم مرتبات: «الورع ألا تقبل هذا الشيء، وأن تدعه»، وقال أيضا: «الأورع ألا تقبل شيئا غير راتبك»(111).
المطلب الرابع: كل هدية لموظف كافأ عليها المهدي فهي جائزة
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يستفيده العامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها لا تدخل فيما يمنع من هدايا العمال والموظفين إذا كافأ العامل أو الموظف المهدي باذلها بمثل هديته أو خير منها.
ومستند ذلك أن الثابت من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الهدية أنه كان يقبل الهدية ويكافئ عليها بالإثابة، ففي الصحيحين(112) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، ويثيب عليها”.
وهذا هو الأصل المشروع مراعاته في الهدايا عموما أن يقابل الإحسان بالإحسان لا خلاف في ذلك بين أهل العلم رحمهم الله(113).
وهذه الإثابة والمجازاة قد تكون واجبة في بعض الأحوال عند بعض أهل العلم كما في هبة الثواب مثلا(114).
ومن الصور التي قيل بوجوب الإثابة والمجازاة فيها مكافأة الموظف أو العامل من أهدى إليه هدية بسبب ولايته، فقد جعل بعض أهل العلماء ذلك شرطا لجواز قبولها، وذلك أنه إذا كافأ عليها المهدي فقد أبطل سلطان الهدية ومحا سطوتها التي من أجلها حرمت هدايا العمال، وبهذا قال الشافعي رحمه الله: ” وإن أهدى له من غير هذين الوجهين أحد من أهل ولايته فكانت تفضلا عليه، أو شكر الحسن في المعاملة فلا يقبلها، وإن قبلها كانت في الصدقات، لا يسعه عندي غيره إلا أن يكافئه عليه بقدرها فيسعه أن يتمولها”(115).
وهو قول عند الحنابلة(116)، وهو أيضا تخريج على قولهم بجواز قبول الهدية على الواجب فيما إذا كوفئ المهدي(117).
أما المالكية فقد ذهبوا إلى التحريم مطلقا حتى في حال المكافأة، وقالوا في علة المنع: “لركون النفوس لمن أهدى إليها، ولأن قبولها يطفئ نور الحكمة”(118).
والقول بجواز الهدية للموظف إذا كافأ عليها أقرب إلى الراجح، والله أعلم.
وذلك أن المكافأة على الهدية يستوي به المهدي مع المهدى إليه، فيزول ما يخشى من تأثير الهدايا.
فإن علة المنع من هدايا الموظفين والعمال وخروجها من الإباحة والحل إلى الحظر والتحريم إنما هو ما قد تفضي إليه من الفساد.
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة
بناء على هذا الضابط فإن كل الهدايا التي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها يجوز قبولها إذا كافأ العامل أو الموظف المهدي باذلها بمثل هديته أو خير منها. يستوي في ذلك جميع أنواع الهدايا، سواء الهدايا ذات القيم معنوية كالهدايا التذكارية والفخرية أو الهدايا ذات القيم المادية كالهدايا العينية من نقد أو غيره والهدايا النفعية كالتسهيلات والخدمات والتخفيضات ونحو ذلك.
ومما يندرج في هذا الضابط إذا قدم للموظف هدية لم تتوافر فيها أسباب الإباحة أو كانت محل اشتباه في جواز قبولها فإنه يحل له قبوها شريطة أن يكافأ الموظف المهدي الذي بذلها بمثل هديته أو خير منها. وأمثلة ذلك كثيرة منها ما يقدم للمعلمين من الهدايا التي لا يجوز لهم قبولها سواء أكانت من الطلبة أم من أولياء أمورهم، فإنه يجوز لهم قبولها إذا اقتضى ذلك مصلحة أو دفع مفسدة راجحة شريطة أن يكافئهم عليها بمثلها أو بأحسن منها، وإلا فإنها لا تحل لهم بل يجب ردها.
المطلب الخامس: جميع أوجه المنافع التي تقدم للموظف لها أحكام الهدية
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يقدم للعامل أو الموظف من أوجه المنافع كالخدمات والتسهيلات والتخفيضات والمحاباة ونحوها حكمها حكم هدايا الموظفين حلا وحرمة منعا وإباحة.
ومستند في هذا الضابط عموم أدلة تحريم هدايا العمال والموظفين على اختلاف مراتبهم وجهات عملهم، فالأصل أن كل ما يستفيده الموظف من تمليكات عينية أو نقدية وما يمنحه من التسهيلات أو الخدمات لأجل عمله من غير رب العمل عدم الجواز(119).
وقد نص جماعة من الفقهاء على منع الموظف من قبول ما يقدم له من المنافع ذات الثمن والضيافة والاستعارة ونحو ذلك التي يكون العمل والوظيفة سببا في تقديمها.
قال في “أسنى المطالب”: ” ويظهر المنع في المنافع المقابلة بالأموال كدار يسكنها ودابة يركبها ونحو ذلك بخلاف ما لا يقابل غالبا….ولم تجر العادة ببذل المال في مقابلته كاستعارة كتب العلم ونحو ذلك”(120).
وإلى هذا ذهب الحنفية فقالوا إن الدعوة الخاصة التي تقام لأجل القاضي فيكون هو المقصود بالحضور هي كالهدية في الحكم(121).
وكذلك فقهاء الشافعية حيث قالوا: “الضيافة والهبة كالهدية والعارية إن كانت مما يقابل بأجرة فحكمها كالهدية”(122).
وبمثل هذا قال فقهاء الحنابلة قال في مطالب أولي النهى: ” حكم ضيافة خص بها القاضي كحكم هدية”(123)
ومما يندرج في هذا ما ذكره بعض أهل العلم من أن “محاباة الولاة في المعاملة من المبايعة والمؤاجرة والمضاربة والمساقاة والمزارعة ونحو ذلك هو من نوع الهدية.
ولهذا شاطر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عماله من كان له فضل ودين لا يتهم بخيانة وإنما شاطرهم لما كانوا خصوا به لأجل الولاية من محاباة وغيرها”(124)
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة
بناء على هذا الضابط فإن كل الخدمات والتسهيلات التي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، وكذلك الهدايا المقدمة لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها لها حكم الهدايا في الحل والحرمة.
ومما يندرج في هذا الضابط ما يقدم لموظفي القطاع العام أو الخاص من دورات تدريبية مجانية أو تخفيضات على منتجات معينة وهذا يكثر في القطاع الصحي حيث تقدم شركات الأدوية للأطباء والصيادلة وغيرهم من موظفي القطاع الصحي، فالواجب أن تعامل معاملة الهدايا وفق ما تقدم من ضوابط.
المطلب السادس: جواز الهدايا للموظف مشروط بسلامتها من مظنة التهمة والخيانة.
الفرع الأول: تأصيل الضابط
كل ما يجوز للعامل أو الموظف من الهدايا بأنواعها سواء الأعيان أو المنافع فجوازها مقيد بأن لا تؤدي إلى خيانة وأن لا تكون مظنة تهمة وريبة، سواء في ذلك أصل الإهداء أو قدره أو جنسه وصفته.
هذا الضابط مستند إلى الغاية والعلة التي من أجلها منعت الشريعة هدايا العمال والموظفين، وهي كون الهدايا مظنة تهمة؛ تفضي غالبا إلى ضياع الأمانة وفساد الولاية.
قال ابن حجر الهيتمي: «الهدايا متى لم يقصد بها معنى الرشوة ولا كانت في وقت خصومة، ولا تضمنت إزراء بمنصب القضاء، ولا تهمة، أو ميلا بل كانت مكارمة بين الأكفاء: أنه لا يمتنع قبولها، ولكنه ينظر مع ذلك إلى المعنى الباعث لصاحبها على الإهداء»(125).
ولهذا المعنى نص جماعة من الفقهاء على منع الحاكم والقاضي من قبول الهدية دفعا للتهمة ونفيا للريبة، يقول السبكي في فتاواه: ” الحاصل أن الهدية لا يملكها الحاكم باتفاق أكثر العلماء أو كلهم، وأما تحريم أخذها فحيث أوجبت ريبة حرم عليه قبولها”(126).
وقال الكاساني: “لا يقبل- أي القاضي- الهدية من أحدهما- أي الخصمين- إلا إذا كان لا يلحقه به تهمة”(127).
وقال الهيتمي في قبول القاضي عطايا الملوك: ” وبحث التاج السبكي أن خلع الملوك(128) أي التي من أموالهم كما هو ظاهر ليست كالهدية، بشرط اعتيادها لمثله، وأن لا يتغير بها قلبه عن التصميم على الحق”(129).
وقال في المبدع فيمن يقبل القاضي هديته: “إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته بشرط أن لا تكون له حكومة؛ لأن التهمة منتفية؛ لأن المنع إنما جاء من أجل الاستمالة أو من أجل الحكومة وكلاهما منتف”(130).
ولقد وسع ابن القيم دائرة اشتراط انتفاء التهمة في جواز قبول الهدية؛ ليشمل كل من يمنع من قبول الهدية التي سببها العمل، فقال: ” الوالي والقاضي والشافع ممنوع من قبول الهدية، وهو أصل فساد العالم، وإسناد الأمر إلى غير أهله، وتولية الخونة والضعفاء والعاجزين، وقد دخل بذلك من الفساد ما لا يحصيه إلا الله، وما ذاك إلا لأن قبول الهدية ممن لم تجر عادته بمهاداته ذريعة إلى قضاء حاجته، وحبك الشيء يعمي ويصم، فيقوم عنده شهوة لقضاء حاجته مكافأة له مقرونة بشره وإغماض عن كونه لا يصلح”(131).
ومثله في المعنى من اعتبار مظنة التهمة في منع قبول الهدية والإذن فيما لا تهمة فيه ما علل به بعض أهل العلم جواز قبول النبي صلى الله عليه وسلم الهدية مع كونه كان واليا على المسلمين حيث قالوا: “وتحل له الهدية مطلقا بخلاف غيره من الحكام وولاة الأمور لانتفاء التهمة عنه دونهم”(132).
ومن ذلك أيضا ما ذكره بعض الفقهاء من إباحة الضيافة للقاضي ممن ليس له خصومة منظورة قال في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: ” للقاضي أن يذهب إلى ضيافة غير المتخاصمين إذا كانت عامة لأنه ليس فيها تهمة”(133).
ومثله في المعنى من اعتبار مظنة التهمة في منع قبول الهدية والإذن فيما لا تهمة فيه قال ابن تيمية رحمه الله: “وأما الرجل المسموع الكلام، فإذا أكل قدرا زائدا عن الضيافة الشرعية، فلا بد له أن يكافئ المطعم بمثل ذلك، أو لا يأكل القدر الزائد، وإلا فقبوله الضيافة الزائدة مثل قبوله للهدية، وهو من جنس الشاهد والشافع إذا أدى الشهادة وأقام بالشفاعة لضيافة أو جعل، فإن هذا من أسباب الفساد”(134).
الفرع الثاني: تطبيقات الضابط المعاصرة
بناء على هذا الضابط فإن الهدايا بأنواعها المختلفة وصورها المتعددة -والتي تقدم لموظفي القطاع العام كموظفي الدولة بجميع قطاعاتها وعلى اختلاف مسمياتها ومراتبها، ومثله ما يقدم لموظفي القطاع الخاص كموظفي الشركات والمؤسسات على اختلافها- لا تجوز إذا خشي أن تؤدي إلى الخيانة أو تكون مظنة التهمة.
ويندرج في هذا كثير من صور الهدايا المقدمة من الطلبة لمعلميهم أو لمدارسهم أو إداراتها. ومثله ما يقدم لمنسوبي المهن الصحية من أطباء وممرضين لأجل زيادة عنايتهم بالمريض ونحو ذلك.
ويندرج في ذلك الهدايا التي تقدم لمندوبي المبيعات في الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة والمؤسسات فإنها مظنة المحاباة في الاختيار أو التسعيرات ونحو ذلك يقول شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله في الهدايا التي تعطى للمندوبين: «هذا محرم وكل هذا خيانة وكل هذا بسبب أنه لا يبالي بالسعر المناسب الذي ينفع به الشركة بل يراعي ما يحصل له من هذا البائع». وقريب من هذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية في حكم العمولة التي تقدم لمندوبي المبيعات في الشركات: «ما دام هذا الوسيط له راتب شهري في الشركة التي يعمل فيها، فأخذ عمولة من الشركة الثانية مقابل التعامل معها للشراء لصالح الشركة الموظف فيها لا يجوز؛ لأنه مظنة لهضم الشركة التي هو موظف فيها من جهة السعر فلا يستقصي فيه، ومن جهة جودة البضاعة التي يشتريها لها»(135).
الخاتمة
الحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد.
فبعد هذا التطواف في مسائل هذا البحث تبين ما يأتي.
1- أن الأصل في الهدايا الإباحة، ويخرج منه هدايا العمال.
2- أن الهدايا تعتبر بالنظر إلى سبب الهدية والباعث لها.
3- اتفاق أهل العلم على مشروعية قبول الهدايا، إذا لم يقم مانع شرعي.
4- أن قبول الهدية مستحب استحبابا مؤكدا جمعا بين الأدلة، ولما في الرد الذي ليس له سبب ظاهر من الإساءة للمهدي.
5- الأصل في هدايا العمال والموظفين على اختلاف مراتبهم وجهات عملهم المنع والتحريم لتضافر الأدلة على ذلك، ولجلاء شرها.
6- أن الراجح جواز الهدية للموظف إذا كافأ عليها، وذلك أن المكافأة على الهدية يستوي به المهدي مع المهدى إليه، فيزول ما يخشى من تأثير الهدايا.
7- اشتراط انتفاء التهمة في جواز قبول الهدية.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
________________________
(1) الفساد الإداري للجريش ص (9).
(2) اتفاقية الأمم المتحدة لمـكافحة الفساد، الدورة الثامنة والخمسون، البند(108)، ص (7-8).
(3) كتاب هدايا الموظفين…
(4) ينظر: لسان العرب، مادة (هدي)، (15/357).
(5) ينظر: معجم المقاييس في اللغة، مادة (هدي)، ص (1067)، التوقيف على مهمات التعاريف ص (74).
(6) ينظر: تبيين الحقائق (5/91)، مواهب الجليل (6/49)، مغني المحتاج (2/397)، الروض المربع ص (328).
(7) ينظر: حاشية ابن عابدين (5/687)، شرح حدود ابن عرفة (2/552)، شرح المحلي على منهاج الطالبين (13/110)، المقنع ص (164)، المحلى (9/123).
(8) ينظر: مغني المحتاج (2/404)، مجموع الفتاوى (31/269)، الإنصاف (7/164). تنبيه: ذهب الحنفية، والمالكية إلى أن الهبة هي الهدية، فكل مالا يقصد به وجه الله من التمليكات بلا عوض، فإنها هبات.[ينظر: بدائع الصنائع (6/115)، تكملة شرح فتح القدير (9/56)، مواهب الجليل (6/49)].
(9) الخدمات: جمع خدمة، وهي أي عمل أو جهد يُبذل؛ لتلبية وسد احتياجات الآخرين أو طلباتهم، ويشمل ذلك المنافع العامة كخدمة الهاتف والنقل، وكذلك بعض الأعمال المهنية كالغسيل وتنظيف الملابس، وأعمال الصيانة والإصلاح، وما شابه ذلك.
[ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (496)، المعجم الوسيط، مادة (خدمة)، ص (221)].
(10) ينظر: بدائع الصنائع (6/116)، الشرح الصغير للدردير (3/223)، فتح الجواد (1/625)، الإنصاف (7/134)، المحلى (9/124).
(11) ينظر: مواهب الجليل (6/61)، منح الجليل (8/201-202).
(12) ينظر: حاشية قليوبي وعميرة (3/112)، قلائد الخرائد (1/653).
(13) ينظر: الإنصاف (7/164)، الشرح الكبير لابن قدامة (17/344).
(14) ينظر: بدائع الصنائع (6/116-118)، البحر الرائق (7/285)، ملتقى الأبحر (5/150).
(15) ينظر: شرح فتح القدير (7/272)، الذخيرة للقرافي (10/83)، مغني المحتاج (4/392)، كشاف القناع (2/272).
(16) تاج العروس (1/7360).
(17) المعجم الوسيط ص (1042)، معجم مقاييس اللغة ص (1096)..
(18) ينظر: تبيين الحقائق (12/296)، الأم للشافعي (8/588)، البيان والتحصل لابن رشد (2/535)، منح الجليل شرح مختصر خليل (18/123)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (28/280)، مطالب أولي النهى (8/627).
(19) ينظر: المنتقى شرج الموطأ (8/137)، التاج والإكليل (6/315)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية (4/284).
(20) ينظر: استغلال الموظف العام لسلطته ونفوذه، للمزروع ص (8).
(21) معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال، للغطاس ص (193).
(22) ينظر: موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، للدكتور هيكل ص (684).
(23) ينظر: مبادئ وأحكام القانون الإداري لمهنا ص(567)، واجب الموظف العام في حماية المال العام ص(40-46).
(24) ينظر: جريمة الرشوة في النظام السعودي ص (34).
(25) نظام مكافحة الرشوة االسعودي ص (2). ينظر: قانون العقوبات المصري مادة (106، 111).
(26) نظام مكافحة الرشوة السعودي ص (2).
(27) ص (231).
(28) قانون العقوبات المصري الكتاب الثاني مادة (105).
(29) حكاه: الماوردي في الحاوي الكبير (7/534)، وابن قدامة في المغني (8/240)، ونقله غيرهما.
(30) رواه البخاري في الأدب المفرد ص (208)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد حسّنه في التلخيص الحبير (3/69-70). ورواه الموطأ مرسلاً، في كتاب حسن الخلق، (2/908)، وحسنه ابن عبد البر في التمهيد (21/12).
(31) قوله: فِرْسِنَ شاةٍ: عظم قليل اللحم، وهو ظلف الشاة. [النهاية في غريب الحديث، مادة (فرسن)، (3/429)].
(32) رواه البخاري في كتاب الهبة، باب الهبة وفضلها والتحريض عليها، رقم (2566)، (2/227)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بالقليل، رقم (130)، (2/714) ؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(33) ينظر: بدائع الصنائع (6/117)، الدر المختار (8/422).
(34) ينظر: التمهيد لابن عبد البر (21/18).
(35) ينظر: روضة الطالبين (5/365).
(36) ينظر: الفروع (4/638)، الإنصاف (7/165)، مطالب أولي النهى (4/397).
(37) ينظر: الإنصاف (7/165).
(38) ينظر: المحلى (9/152).
(39) رواه البخاري في كتاب الهبة-باب القليل من الهبة-، رقم (2568)، (2/227)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(40) ينظر: فتح الباري (4/199-200).
(41) رواه البخاري في كتاب الهبة – باب المكافأة على الهبة -، رقم (2585)، (2/232).
(42) رواه أحمد (1/404). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. وقال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (4/146): “رجال أحمد رجال الصحيح”، وقال عنه أحمد شاكر في تحقيق المسند (5/322)، رقم (3838): “إسناده صحيح”.
(43) ينظر: شرح مشكل الآثار (8/29)، روضة العقلاء لابن حبان ص (242).
(44) ينظر: التمهيد لابن عبدالبر (1/273).
(45) أَرْزَأ: النقص، فقوله: (لا أرزأ أحداً) أي: لا أنقص.[النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (رزأ)، (2/82)].
(46) رواه البخاري في كتاب الزكاة – باب الاستعفاف عن المسألة -، رقم (1472)، (1/456)، ومسلم في كتاب الزكاة – باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى -، رقم (1035)، (2/717).
(47) مجموع الفتاوى (31/97).
(48) ينظر: عارضة الأحوذي (10/236)، فتح الباري (5/209).
(49) رواه الترمذي في كتاب الأدب – باب ما جاء في كراهية رد الطيب -، رقم (2790)، (5/108). من حديث ابن عمر رضي الله عنه. وقال عنه الترمذي: “هذا حديث غريب”، وقال عنه في فتح الباري (5/209)، (إسناده حسن).
(50) رواه البخاري في كتاب الهبة – باب ما لا يرد من الهدية -، رقم (2582)، (2/232).
(51) ينظر بحث هذه القاعدة: في المحصول في علم الأصول (3/129-131)، شرح الكوكب المنير (3/386-387).
(52) مُشْرِف: أي متطلع بتحقيق النظر والتعرض له.[ النهاية في غريب الحديث والأثر، مادة (شرف)، (2/462)].
(53) رواه البخاري في كتاب الزكاة-باب من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة-، رقم (1473)، (1/56)، ومسلم في كتاب الزكاة – باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف-، رقم (1045)، (2/173).
(54) ينظر: التمهيد لابن عبد البر (5/84)، المحلى (9/152-153).
(55) ينظر: مجموع الفتاوى (31/95)، فتح الباري (3/338).
(56) ينظر: مجموع الفتاوى (31/95).
(57) إعلام الموقعين (3/114).
(58) ينظر: مواهب الجليل (4/253)، طرح التثريب (3/217)، تحفة المحتاج (6/296).
(59) رواه أحمد(5/425). عن أبي حميد الساعدي. قال في التلخيص الحبير (4/189): “إسناده ضعيف”، وأكد ذلك ببيان سبب الضعف في فتح الباري(13/164)، وقال في خلاصة البدر المنير (2/430): “إسناده حسن”.
(60) رواه مسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، رقم (3415)..
(61) ينظر: الذخيرة للقرافي (10/80)، فتح الباري (63/167).
(62) سبق تخريجه في الحاشية (1) أعلاه، واللفظ للبخاري.
(63) ينظر: فتح الباري (5/231)، أدب القاضي (2/110-111)، المعتصر من المختصر (1/352).
(64) تقدم تخريجه ص (122) من هذا البحث.
(65) رواه البخاري معلقاً مجزوماً به في كتاب الهبة، باب من لم يقبل الهدية لعلة، (2/235).
(66) ينظر: شرح فتح القدير(7/272)، الذخيرة للقرافي(10/83)، حاشية البجيرمي(4/330).
(67) الفتاوى الكبرى (6/157). وينظر: مجموع الفتاوى (31/286).
(68) نظام مكافحة الرشوة السعودي ص (1).
(69) ينظر: قانون العقوبات المصري مادة (105)، قانون الجزاء العماني ص (231)، قانون عقوبات قطر ص(75).
(70) ينظر: تحفة المحتاج (10/138).
(71) أخرجه الترمذي (1336). وقال: «حسن صحيح».
(72) الحاوي الكبير (16/286). وينظر: الذخيرة (10/80).
(73) (1/33).
(74) (4/588).
(75) (3/558).
(76) إحياء علوم الدين 2/153، 154.
(77) إحياء علوم الدين 2/154.
(78) سبق تخريجه، واللفظ للبخاري.
(79) ينظر: أحكام القرآن للجصاص (6/51)، فتح الباري (5/231)، أدب القاضي (2/110)، المعتصر (1/352).
(80) ينظر: قواعد ابن رجب ص (321).
(81) ينظر: فتح القدير (7/272)، الذخيرة (10/83)، حاشية البجيرمي (4/330)، مجموع الفتاوى (31/286).
(82) حاشية رد المحتار (5/513).
(83) أحكام القرآن للجصاص (2/609).
(84) أحكام القرآن (3/478).
(85) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (5/78).
(86) (2/63).
(87) إحياء علوم الدين (2/4).
(88) الفتاوى الكبرى (6/157).
(89) الفتاوى الكبرى (5/472).
(90) كتاب الأمارة، باب تحريم هدايا العمال، رقم (3415).
(91) ينظر: الفروع (4/325).
(92) (13/110).
(93) التمهيد لابن عبد البر (2/15).
(94) كتاب الأحكام، ما جاء في هدايا الأمراء، رقم (1255). قال الترمذي: حديث غريب.
(95) فتح الباري (13/167).
(96) فتح الباري (13/167).
(97) المصدر السابق. وينظر: شرح السنة للبغوي (10/89)، التمهيد لابن عبد البر (2/13-15).
(98) تهذيب الآثار للطبري (4/350).
(99) أخرجه في المستدرك على الصحيحين (12/81)، ولم يخرجاه. ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/228)، والخطيب في تاريخ دمشق (58/429-433). وقال عنه الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
(100) رأي الدين بين السائل والمجيب ص (89).
(101) ينظر: المبسوط (16/82)، تبصرة الحكام (2/32)، تحفة المحتاج (10/137)، الإنصاف (11/210-211).
(102) غمز عيون البصائر (1/297)، منح الجليل (8/298)، المنثور في القواعد(1/357)، قواعد ابن رجب ص (321).
(103) المبسوط (16/82).
(104) فتاوى السبكي (1/204).
(105) منح الجليل (8/299).
(106) الفتاوى الكبرى (4/174-175).
(107) شرح كتاب السير الكبير (1/390).
(108) ينظر: معجم مصطلحات الاقتصاد والمال وإدارة الأعمال ص (486)، الأنشطة الترويجية للشركات السعودية للدكتور المتولي ص (45، 48)، الإعلان للدكتور أحمد المصري ص (97، 56).
(109) فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (23/553).
(110) المنتقى في فتاوى الشيخ الفوزان (3/233).
(111) فتاوى علماء البلد الحرام ص (565).
(112) رواه البخاري في كتاب الهبة – باب المكافأة على الهبة -، رقم (2585)، (2/232).
(113) ينظر: الحاوي الكبير (7/549)، البيان للعمراني (8/132)، المغني (5/397)، كشاف القناع (4/321)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/95)، نيل الأوطار (6/8).
(114) ينظر: البيان والتحصيل (18/162)،
(115) الأم للشافعي (2/63)، الحاوي الكبير (16/284).
(116) الفروع (6/448).
(117) ينظر: مطالب أولي النهى(6/481). وقال الآداب الشرعية 1/299: “وقال صالح قلت لأبي: رجل أودع رجلا وديعة فسلمها إلى الذي أودعه فأهدى إليه شيئا يقبله أم لا؟ فقال أبي: إذا علم أنه إنما أهدى إليه لأداء أمانته فلا يقبل الهدية إلا أن يكافئ بمثلها، وهذا موافق لرواية أبي الحارث السابقة”.
(118) منح الجليل (8/298).
(119) ينظر: مواهب الجليل (4/253)، طرح التثريب (3/217)، تحفة المحتاج (6/296).
(120) (4/300). وينظر: تحفة المحتاج (10/136).
(121) ينظر: حاشية ابن عابدين (5/374).
(122) ينظر: الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2/619)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (6/288).
(123) (6/482).
(124) مجموع الفتاوى (28/281).
(125) إيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام ص (65).
(126) (1/206).
(127) بدائع الصنائع (7/9).
(128) خلع جمع خلعة، وهي في اللغة ما يعطه الإنسان غيره من الثياب. فخلع الملوك هي عطايا معروفة من اللباس. يخلعها السلاطين على من يولونه كأنها شعار وعلامة على الولاية والكرامة، ولهذا يسمونها تشريفًا.
ينظر: المصباح المنير ص(95)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/195)، حاشية قليوبي (1/349، 3/112).
(129) تحفة المحتاج (10/138).
(130) (10/40).
(131) إعلام الموقعين (3/114).
(132) أسنى المطالب (3/106).
(133) (4/592). وينظر: المبسوط (16/76)،
(134) الفتاوى الكبرى (4/174-175).
(135) فتاوى اللجنة الدائمة (15/147).