هجمات على الإسلام والمسلمين وسط عجزنا
بقلم فضيلة الشيخ أسرار الحق القاسمي (*)
ترجمة: أبو عاصم القاسمي المباركفوري
يشكل المسلمون أكثر سكان العالم بعد النصارى، ورغم ذلك هم أكثر الناس تعرضًا للظلم والاعتداء، وتنفق اليوم سوق العصبية والنفور ضدهم، ويُنظر إليهم في كل مكانة نظرةً ملؤها الشك والريب، ويعتبر كلُّ مسلم إرهابيا، فإذا كان المرء يشبه مظهره مظهرَ المسلمين، أي ينسجم دَلُّه وسمته ولباسه مع ما عليه المسلمون، فإن هذا الشك يرتفع مستواه كثيرًا. فيظن أن مثل هذا المرء إرهابي لا يلبث أن يفجر قنبلة في لحظة من اللحظات، ويُعرِّض عشرات من الأبرياء للموت الأحمر. وإن مساجد المسلمين ومؤسساتهم التعليمية لاينجو شيء منها من الشك والريب في أمرها، ويرى غير المسلمين بصفة عامة أن مساجد المسلمين ومؤسساتهم التعليمية تقوم بتعليم التطرف، وأنها مصانع لإنتاج الإرهابيين. وحجاب المرأة المسلمة يتعرض للطعن من قبل العالم كله، وتم غرس الانطباع الخاطئ في قلوب الناس القائل بأن المسلمين يعاملون نساءهم معاملة قاسية ظالمة، ولا يمنحونهن الحقوق على التساوي، ويحبسونهن داخل جدران البيوت، ويحرمونهن الحقوق اللازمة لهن.
إن ظاهرة الاعتداء على المسلمين لاتقتصر على الدول التي يشكلون أقلية، بل يتعرضون للأذى والاعتداء حتى في الدول التي يشكلون فيها غالبية. وثمة من يتغلغل في البلاد الإسلامية ويعرض المسلمين للقتل والتدمير، ومما يزيد الطين بلة أن المسلمين هم المتهمون بالإرهاب، وأقرب مثال على ذلك ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، والمتعرضون للظلم هم الشعب الفلسطيني، والشباب الفلسطيني الذي يقاوم بنادق إسرائيل بالحجارة يرميها على جنودها يعتبر إرهابيا. ومما لاشك أن الوضع المؤلم الذي يعيشه المسلمون اليوم يرجع سببه إلى جهلهم بحقيقة الإسلام وبعدهم عن العمل به وتطبيقه في حياتهم. وهو ما يعوق دون توحيد كلمتهم في العالم الإسلامي؛ بل يسهل على القوى المعادية للإسلام استغلال بعض الدول الإسلامية ضد بعض، وهي – الدول الإسلامية – تقوم بدورها بمحاربة بعضها البعض. ولا نملك تجاه ذلك إلا لعن القوى المعادية للإسلام ثم الصمت على ذلك، في حين تستمر مؤامرات أعداء الإسلام على أشدها، وتعمل على تحريض العالم كله على الإسلام.
وهذا الجو المعادي للمسلمين جذورها ضاربة في القدم وعميقة جدًا، والذي تولى كبره في العصر الحاضر الولايات الأمريكية المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول على عهد رئاسة جورج بوش الأب. فقد سارع إلى تدمير عدة دول إسلامية باسم مكافحة الإرهاب مما أعان على تحويل المسلمين – بصفتهم أمة من الأمم – شيئًا تشمئز منه النفوس. والجو المعادي للمسلمين الذي يشهد العالم كله اليوم يقف من ورائه فكرة «بوش» ودعاياته؛ فإن بذور الكراهية والعداء ضد الإسلام والمسلمين، التي بذرها «بوش» تحولت اليوم دوحة ضخمة، تمتد أغصانها إلى العالم كله، وليست مكافحة الإرهاب إلا حيلة من الحيل. وعليه نرى هذه اللعنة قائمة مستمرة؛ بل تشهد نموا وازدهارا في حين أن قوات الولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها من الدول الغربية العديدة تجوس خلال أفغانستان مصوبة بنادقها إلى سكانها بحجة القضاء على هذه اللعنة، رغم مضي ستة أو سبعة عشر عامًا.
ويستمر قتل الأبرياء باسم القضاء على الإرهابيين، ويتم تدمير القـرى والمناطق برمتها بوابل من القنابل والمتفجرات عليها بحجة تواجد واحد أو اثنين من الإرهابيين. ورغم هذه الحرب الطويلة والتدمير الشامل لاتشك أمريكا؛ بل هي على يقين بأن قواتها لن تنسحب من أفغانستان إلا ويستولي حركة طالبان على السلطة في البلاد. وانطلاقًا من ذلك تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على الإبقاء على تواجدها العسكري في هذه الدولة التي تشهد الاضطراب والقلاقل. ولاتقاتل القوات الأمريكية ضد طالبان بالبنادق والقنابل فحسب، وإنما تقوم بأعمال وقحة يندى لها الجبين في الدعاية ضدهم. ففي الأيام الأخيرة قامت بتوزيع كتيبات تحمل صورة كلب مكتوب على جسمه – والعياذ بالله – الآيات القرآنية والكلمة الطيبة. وقاموا بإخفاء هذا الخبر المسيء والذي أثار حفيظة المسلمين وأغضبهم، فضاع نبأ هذه الكتيبات في خضم الأنباء العالمية بحيث لم يطلع كثير من الناس على محتواه أصلا، وإلا لساد العالم الإسلامي موجٌ من الحزن والغضب متمثلا في الاحتجاجات والتظاهرات على أقل تقدير.
والحق أن القوات الأمريكية أعدت هذه الكتيبات كجزء من دعايتها المضللة ضد طالبان، ووزعتها في الولاية الشمالية من البلاد: بروان. وتشير هذه اللافتة إلى كلب أبيض مكتوب على جسده الكلمة الطيبة، ويتبعه أسد ويدنو منه جدًا. وشبهت القوات الأمريكية طالبان – الذين يتبنون راية بيضاء مكتوبا عليها الكلمة الطيبة – بالكلب الأبيض. وسجلت على صور الكلب والأسد النصوص الآتية: «استعيدوا حريتكم من هذه الكلاب، ساعدوا قوات الأمن بالقضاء على هؤلاء الأعداء، استعيدوا حريتكم، واضمنوا الأمن». والقوات الأمريكية مكبة على إلقاء أمثال هذه اللافتات التي تحمل أمثال هذه النصوص الاستفزازية عن طريق المروحيات أو الطائرات بهدف كسب حماية السكان المحليين ضد مقاومي طالبان، ولكنها لأول مرة قامت بتسجيل الكلمة الطيبة – والعياذ بالله – على كلب، وأهانت إلى الإسلام والمسلمين كليهما بذلك أسوأ إهانة.
هذا، وقد اعتذر قائد القوات الأمريكية بعد أن تعرضت لانتقاد لاذع على هذه الفعلة الشنيعة، ولكن لايسعنا أن نسلم أن هذه القوات الغربية تبلغ هذا الحد من اللاشعور بما يخص الإسلام والمسلمين، في بلد يشكل المسلمون فيه 99٪ وبعد ما مضى أكثر من خمسة عشر عامًا على تواجدها فيه. ولقد جرت الحكومات لا في العصر الحاضر الراقي؛ بل في قديم الزمان على أنها كانت تعرِّف ممثليها في الدول الأخرى بسكانها وثقافتهم قبل أن تبعثهم إليها. وتقوم أمريكا بدورها بتدريب سفرائها كلهم في هذا الخصوص، فأنى لنا أن نقول: ليس هذا الخطأ عن عمد؟
وهل من أحد لم يصل إليه الأنباء الفاجعة والصور المرهقة، والفيديوهات المؤرقة والتي تنال من المروءة والإنسانية نيلا عظيما تحكي ما يتعرض له مسلمو الروهينجا من السلوك الظالم المهين على يد حكومة ميانمار وأتباع بوذا، ولكن كيف نشكو العالم مادام الدول الإسلامية بدورها تلازم الصمت والسكوت حيال ذلك. ولم تتخذ – بعدُ – دولة إسلامية إلا تركيا خطوة عملية لمواساة مسلمي الروهينجا المظلومين المضطهدين المشردين، وأما المنظمات الإسلامية الهندية فتقوم بما تقدر عليه، ولا يخفى أنها لا نفوذ لها في الحكومة، ولاتملك وسائل لا محدودة. وفي جانب آخر ثمة حكومات إسلامية لاتشكو قلة الموارد المالية، إلا أنها يستولي عليها الصمت، ولا تعرف إلا تقديم الهدايا إلى قادة الدول الأوربية حفاظا على سلطتها وكرسيها. لقد زار رئيس وزراء بلادنا ميانمار، إلا أنه لازم الصمت حيال ما يتعرض لها مسلمو الروهينجا من الظلم والاضطهاد، وكان همه تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين أكثر. اللهم ارحم المظلومين المضطهدين.
* * *
(*) عضو مجلس الشعب الهندي، ورئيس المؤسسة التعليمية الوطنية لعموم الهند
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)