مقالات مختارة

هادم العلاقات

بقلم د. خالد رُوشه

أسوأ ما يهدم علاقات الأصدقاء والمقربين هو سوء الظن بهم , وفتح الباب للشيطان ليفسد ما بينك وبينهم بالظن السلبي الخاطىء , خصوصا ما كان مبنيا على مجرد أوهام واستنتاجات .

فكم من أصدقاء انتهت صداقتهم بسوء الظن , وكم من رحم انقطعت صلتها بسوء الظن , بل كم من البيوت هدمت بسوء الظن , وكم من الشركات فسدت بسوء الظن !

ولذلك حرص المنهج الإسلامي التربوي على تقويم السلوك الإنساني فيما يتعلق بالظن السىء , فنهى عن سوء الظنون , وقوم السلوك فيما يتعلق به , وأعطى النصائح الايجابية حوله :

قال الله سبحانه : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ”.

 و قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “إياكم والظنَّ، فإن الظن أكذبُ الحديث. ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تنافسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا. وكونوا عباد الله إخوانا ” أخرجه البخاري

وجاءه رجل يقول: “إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرُ. قال: هل فيها من أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لأورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك. قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق” متفق عليه

وفي الحديث : “إذا سمعتم الرجل يقول: هلك الناس، فهو أهلكهم” رواه مسلم ، (إما بفتح الكاف “فهو أهْلكَهم” على أنه فعل ماض، أي: كان سببا في هلاكهم بفعله وسوء ظنه، وإما بضم الكاف “فهو أهلكُهم”، أي أشدهم وأسرعهم هلاكا)

قال الإمام ابن حجر: ” سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة وقال: وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله _ والعياذ بالله _ بقلب سليم، وهذه الكبائر يذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن؛ وذلك لعظم مفسدتها، وسوء أثرها ودوامه إذ إن آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالاً وهيئة راسخة في القلب، بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنها سريعة الزوال، تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، وقال ابن قدامه: فليس لك أن تظن بالمسلم شراً، إلا إذا انكشف أمراً لا يحتمل التأويل ” الزواجر 106

وقال في مختصر منهاج القاصدين : ” فليس لك أن تظنّ بالمسلم شرّا، إلّا إذا انكشف أمر لا يحتمل التّأويل”

وأما السلف الصالحون فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً..

والعلاج التربوي الأمثل عند ورود الظن السىء على قلب المؤمن أن يدفعه قدرما شاء , وأن يتأوله بالأعذار قدرما يستطيع ويمكن , وأن يستعيذ بالله منه , وأن يتذكر البراءة الاصلية لصاحبه , ويذكر من حسن صفاته , ومن جميل أفعاله السابقة .

قال ابن قدامه : متى خطر لك خاطر سوء على مسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإن ذلك يغيض الشيطان ويدفعه عنك. وإذا تحققت هفوة مسلم ، فانصحه في السر.

المصدر: موقع المسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى