قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن إيران هيمنت على العراق بعد أن غادرته القوات الأميركية، وأوضحت بالتفصيل في تقرير طويل أن هذه الهيمنة تتجسد في كل شيء ابتداء من البضائع الاستهلاكية على أرفف المتاجر وشركات الأعمال وتكوين المليشيات الموالية لها وحتى تعيين رئيس الحكومة ووزرائها.
وذكرت أن أمريكا عندما غزت العراق قبل 14 عاما كانت تعتبره عنصرا أساسيا في شرق أوسط جديد قريب من الغرب ويُحكم بالديمقراطية وأنفقت على ذلك الكثير من الأرواح والأموال، لكن إيران كانت ترى في العراق ومن اليوم الأول للغزو في عام 2003 فرصة لأن يصبح دولة تابعة لها وجسرا مهما لنشر نفوذها على المنطقة.
وأكدت أنه في ضوء هذه الأهداف فإن أميركا خسرت تماما في حين كسبت إيران، مضيفة أن واشنطن حتى بعد أن عادت خلال السنوات الثلاث الماضية للعراق لتنشر أكثر من خمسة آلاف جندي بهدف المساعدة في الحرب ضد تنظيم الدولة، لم تفقد إيران رؤيتها لمهمتها الرئيسية وهي الهيمنة على جارتها بشكل تام بحيث لا يستطيع العراق تهديد إيران عسكريا مرة أخرى بعد تلك الحرب المريرة التي توقفت في أغسطس/آب 1988.
ونسب التقرير إلى عضو البرلمان والمستشار الأمني السابق موفق الربيعي القول إن الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات ظلت جرحا لا يندمل في رؤوس الإيرانيين “إنهم مهووسون بالبعث وصدام وتلك الحرب”.
ما وراء العراق
وأضاف التقرير أن الهيمنة الإيرانية على العراق أشعلت التوترات الطائفية في المنطقة بإنجاز طهران مشروعها في العراق واستخدامها القوة الناعمة والصعبة لتوسيع نفوذها ليشمل لبنان وسوريا واليمن وأفغانستان.
وذكر أن جذور الانقسام بين السنة والشيعة تعود إلى قرابة 1400 عام لأسباب تتصل بالحكم والخلافة، لكنه يتصل الآن بالجيوسياسة أكثر منه بالدين، حسب الصحيفة.
ونفوذ إيران في العراق له أوجه متعددة ومتباينة ويشمل الجانب العسكري والسياسي والاقتصادي والثقافي.
وصدّرت الصحيفة تقريرها برسم صورة حية تجسد الهيمنة الإيرانية قالت فيها إذا دخل أحدنا أي سوق في العراق فسيجد أرفف المتاجر ممتلئة بالبضائع الإيرانية من الحليب والزبادي والدجاج، وإذا حاول مشاهدة أي قناة تلفزيونية فسيجد أنها تبث برامج تؤيد إيران وتدعو لها وتصوّر إيران حامية للعراق وأميركا متطفلة ومخادعة، وعلى نطاق العراق ستجد المليشيات التي تشرف عليها طهران وتدرب أفرادها.
حتى شركات النظافة
ومن مظاهر هذه الهيمنة أن أفراد المليشيات الشيعية يُرسلون للتدرب في إيران، وكذلك البضائع تعبر الحدود بين البلدين دون قيود كثيرة، كما أن الشركات التي تقدم الخدمات حتى تلك التي تقوم على نظافة الطرقات إيرانية الهوية.
وردد العضو ببلدية النجف زهير الجبوري العبارة الشائعة بين العراقيين التي تعكس الهيمنة الإيرانية على نشاطات الأعمال والتجارة في العراق “نحن نستورد التفاح من إيران لمنحه للحجاج الإيرانيين”.
ونقل التقرير عن هوشيار زيباري الذي أقيل من منصبه وزيرا للمالية بضغوط إيرانية لأن طهران ترى أنه اقترب من أميركا أكثر مما يجب، أن النفوذ الإيراني هو المهيمن “إنه نفوذ طاغٍ”.
ولإيران عدد كبير من الحلفاء في البرلمان العراقي يمكنونها من تحقيق أهدافها مثل اختيار وزير الداخلية وهيمنة أتباعها على هذه الوزارة السيادية. ومن أهم القرارات التي مررها البرلمان العراقي هو القانون الذي يجعل مجموعة من المليشيات الشيعية فعليا جزءا من قوات الأمن العراقية، الأمر الذي يضمن تمويل العراق لهذه المليشيات التي تسيطر عليها إيران وتأتمر بأمرها.
المزيد من الهيمنة
ومع قرب الانتخابات البرلمانية الجديدة، بدأت المليشيات الشيعية تنظيم نفسها سياسيا من أجل هذه المنافسة التي ربما تتسبب في المزيد من الهيمنة الإيرانية على النظام السياسي في العراق.
ومن أهم أهداف إيران الضاغطة في العراق هي تعبيد طريق يمر عبر العراق إلى سوريا لنقل أفراد المليشيات الشيعية والوفود الإيرانية والبضائع الاستهلاكية والأسلحة والمعدات العسكرية إلى وكلائها في سوريا ولبنان.
وتعكس الانتهاكات الواسعة والفظة للسنة بمحافظة ديالى التي تربط الحدود الإيرانية مع بغداد وكركوك وصلاح الدين، رغم مغادرة تنظيم الدولة هذه المحافظة منذ أكثر من عامين، الأهمية الجيوسياسية العالية التي تضفيها إيران على سيطرة الشيعة بمناطق معينة لتسهيل شق الطريق إلى سوريا.
وعلى الحدود الشرقية للعراق تم تشييد معبر جديد تحت الحماية الإيرانية يحكي عمليا عن العلاقة غير العادلة بين البلدين، حيث تجد أن حركة المرور اليومية تشمل مئتي شاحنة إيرانية تحمل الفاكهة والزبادي والطوب وحجارة البناء والإسمنت لإدخالها للعراق، كما تجد بمكاتب حرس الحدود العراقيين الحلوى والصودا التي تُقدم للضيوف القادمين من إيران، ولا وجود لشاحنات تحمل شيئا من العراق إلى إيران.
ونقل التقرير عن العضو السنية بالمجلس البلدي بديالى نجاة الطايع التي اشتهرت بانتقاداتها الحادة لإيران القول إن إيران أذكى من أميركا لأنها تحقق أهدافها على الأرض، وإن أميركا لا تحمي العراق، بل أسقطت فقط بإسقاط نظامه وتسليم البلاد لإيران.
وشمل التقرير مقابلات مع العديد من العراقيين في مدن وبلدات مختلفة ومن مختلف الأنشطة الاقتصادية والتعليمية وغيرهما يتكلمون عن الهيمنة الإيرانية كل في مجاله، موضحا أنه حتى سكان الجنوب العراقي الذي يغلب فيه الشيعة هناك تململ بينهم من هذه الهيمنة، وبدأ العراقيون يستعيدون وعيهم بأنهم عراقيون وعرب في المقام الأول قبل أن يكونوا شيعة.
(المصدر: الاسلام اليوم)