«نيويورك تايمز»: توقفوا عن الاستثمار في الوحشية الصينية.. هكذا تدعم الصناديق الأمريكية قمع مسلمي الإيجور
إعداد موقع تبيان
حان الآن وقت توقف صناديق المعاشات التقاعدية الأمريكية وغيرها عن دعم الشركات التي تحرّض الصين على حملات القمع ضد مسلمي الإيجور ومتظاهري هونج كونج.
نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية مقالا كتبه كل من دانيلا بليتكا، نائب أول رئيس المعهد الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، وديريك سيزورز الباحث المقيم بالمعهد، يطالبان فيه صناديق الاستثمار الأمريكية بالتوقف عن استثمار أموالها في الشركات الصينية التي تدعم الدولة الصينية وتحرضها على مواصلة حملتها القمعية ضد مسلمي الإيجور والمتظاهرين في هونج كونج.
وأشار الباحثان بالمعهد – الذي يقع مقره في العاصمة الأمريكية واشنطن، ويعد أحد أبرز المراكز البحثية المرتبطة بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة – إلى أن الحكومة الأمريكية فرضت، الشهر الماضي، عقوبات ضد ثماني شركات صينية، لتورطها في حملة القمع التي ترتكبها بكين ضد المسلمين الصينيين في مقاطعة شينجيانج، حيث تحتجز ما يصل إلى مليون شخص من الإيجور والكازاخ والأقليات العرقية الأخرى، وتعزلهم عن عائلاتهم وتلقيهم في معسكرات اعتقال قاسية، تصر الحكومة على أنها مجرد مراكز لإعادة التثقيف.
صناديق أمريكية تستثمر في شركات صينية خاضعة للعقوبات
في ضوء تلك العقوبات، لماذا لم يعلن «نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا» والصناديق الأمريكية الأخرى وقف الاستثمار في الشركات الخاضعة للعقوبات؟ ولماذا يستعد «صندوق معاشات تقاعد الموظفين الاتحاديين» لنقل أصول تقاعدية إلى صندوق مرتبط بمؤشر أسهم index fund يضم شركات صينية عام 2020؟
بكل المقاييس يتولى قيادة الصين حكم دكتاتوري لا أخلاقي، فبالإضافة إلى الأهوال المستمرة في شينجيانج، يخشى الشباب الذين يقاتلون من أجل الحرية في هونج كونج من التعرض للممارسات الوحشية التي ترتكبها قوات الأمن الصينية.
وفي بحر الصين الجنوبي، ضمت بحرية جيش التحرير الشعبي مساحة شاسعة من أراضي الدول الأخرى والمياه الدولية. وربما دشنت الشركات الصينية، المسؤولة أمام الحزب الشيوعي، وسائل مراقبة في الطائرات بدون طيار التي يشتريها الأمريكيون، وفي هواتفها التي تباع في جميع أنحاء العالم.
وتمارس بكين التصيُّد من خلال التطبيقات التي يستخدمها أطفالك، ويُزعم أن القراصنة الصينيين اخترقوا بالفعل المعلومات المالية والشخصية الخاصة بملايين الأمريكيين، ناهيك عن إمكانية التسلل إلى أكثر خطط الدفاع الأمريكية تقدما.
الأخلاق لا تُجزَّأ.. وحشية الصين أخطر من الوقود الأحفوريّ
تحاشت مراكز الثقل المالي وصناديق المعاشات التقاعدية الأمريكية، في الأعوام الأخيرة، الاستثمار في الوقود الأحفوري والأسلحة وغيرها من الاستثمارات، لأسباب أخلاقية. ولكن عندما يتعلق الأمر بتوفير رأس مال للشركات الصينية – ومن بينها تلك التي تشارك مباشرة في عمليات المراقبة أو دعم جيش التحرير الشعبي – لم يستطع الكثيرون مقاومة الاستثمار فيها.
تتمتع كل من الشركات الصينية المملوكة للدولة، والشركات الخاصة من الناحية الشكلية، بوصول غير مقيد تقريبا إلى الأسواق المالية الأمريكية، بما في ذلك الإدراج في البورصات الأمريكية والاستثمارات الضخمة التي تقوم بها بعض أكبر صناديق المعاشات التقاعدية في الولايات المتحدة.
وفي منتصف عام 2019، كانت الصين من بين أكثر 10 دول استثمر فيها «نظام تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا» (CalSTRS). ووفقا لأحدث البيانات الصادرة في يونيو (حزيران) 2019، يملك الصندوق 4.1 مليون سهم في شركة «هيكفيجن للتكنولوجيا الرقمية» وهي أكبر مورد في العالم لمنتجات المراقبة بالفيديو ويقع مقرها في هانجتشو الصينية، رغم أنها واجهت عقوبات من إدارة الرئيس دونالد ترامب، بسبب تصنيعها معدات المراقبة التي تزعم الإدارة الأمريكية أنها تستخدم في معسكرات شينجيانج (طعنت الشركة في العقوبات).
ويمتلك كذلك «نظام تقاعد معلمي ولاية نيويورك» و«صندوق المعاشات التقاعدية لولاية فلوريدا» حصصًا في الشركة ذاتها «صفَّى الصندوق المشترك لولاية نيويورك حصته في هيكفيجن في مايو (أيار) الماضي».
هذه الصناديق وغيرها من صناديق المعاشات التقاعدية، ومن بينها صندوق ولاية نيويورك، ونظام التقاعد الضخم للموظفين العموميين في كاليفورنيا (CalPERS)، يمتلكون أسهما كملكية غير مباشرة في شركة «أي فلايتيك»، وهي شركة تكنولوجيا معلومات مملوكة جزئيا للدولة الصينية، ومتخصصة في برامج التعرف على الصوت، وواحدة من الشركات الصينية التي أدرجتها الحكومة الأمريكية في القائمة السوداء.
الإنكار سيد الموقف.. هكذا تتهرَّب الصناديق الأمريكية
تواصلت نيويورك تايمز مع هذه الصناديق، سعيا لمعرفة الوضع الحالي لاستثماراتها في الشركات الصينية، لكن الصحيفة لم تحصل سوى على القليل من المعلومات.
اكتفى «صندوق تقاعد معلمي ولاية كاليفورنيا» بالقول: «نحن نتابع الموقف»، وقال ممثل «نظام تقاعد معلمي ولاية نيويورك»: «حصصنا في الأسهم الدولية العامة تُنظم بالدرجة الأولى وفقًا لأوزانها في المحافظ غير النشطة التي تُستخدم كأساس مرجعي لمؤشر (MSCI ACWI ex-U. S)، وهو المؤشر المرجعي المحدد في سياستنا».
وأشار ممثل «نظام تقاعد الموظفين العموميين في كاليفورنيا» إلى مبادئ الحوكمة والاستدامة التي يتبعها النظام، وأكد ممثل لـ «صندوق المعاشات التقاعدية لولاية فلوريدا» أن الصندوق لا يزال يملك أسهما في شركة هيكفيجن.
وهناك أسباب سياسية ومالية وجيهة للتشكيك في الحكمة من الوقوع تحت قبضة الشركات الصينية العامة و«الخاصة»؛ إذ يكاد يكون من المستحيل معرفة الوقت الذي قد تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات على شركة ما؛ لتورطها في تعزيز جدول الأعمال الخبيث الذي تنفذه الحكومة الصينية. وتعد هيكفيجن وهاواوي و«زد.تي.إيه» (تكتلات الاتصالات التي يُزعم أنها تتجسس أيضًا لصالح رؤسائها في بكين، لكنها تنكر هذه التهم) أمثلة جيدة.
البيئة الغامضة التي تعمل فيها الشركات الصينية
ينبغي أيضًا اتخاذ احتياطٍ ماليّ محض؛ لأن بيانات الشركات الصينية يلفها الغموض، إذ اكتشف مكتب التدقيق الوطني الصيني عددًا من الحسابات المزورة بين الشركات المدرجة، حتى بين الشركات الكبرى المملوكة للدولة. وفي مثالٍ مسلٍ في وقت سابق من هذا العام، اكتشفت شركة الأدوية «كانجيمي» أنها لا تملك 4.4 مليار دولار نقدًا كما أشارت سجلاتها، وفسرت الأمر بوجود «خطأً محاسبي».
كما أن الافتقار إلى شفافية المحاسبة والإدارة يسود الأسهم الصينية المدرجة في بورصة ناسداك وبورصة نيويورك وغيرها من الأسواق. وعلى الرغم من أن رأس المال السوقي للشركات الكبرى مثل «مجموعة علي بابا» و«بايدو» و«بترو تشاينا» و«شركة الصين للتأمين على الحياة» و«JD.com» تزيد قيمتها مجتمعة عن نصف تريليون دولار، إلا أن الشركات الصينية فشلت مرارًا وتكرارًا في الامتثال للوائح المالية الأمريكية، بما في ذلك عمليات التفتيش المطلوبة لسجلاتها المحاسبية، وهو شرط يتعارض مع أهداف الإدارة الوطنية الصينية لحماية أسرار الدولة (منظمة تابعة للمكتب العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني).
فكرت إدارة ترامب في منع وصول الصينيين إلى أسواق رأس المال الأمريكية، بسبب عدم الالتزام التنظيمي، إلى جانب مجموعة من الأفكار الترامبية المعقدة حول إصلاح الموازين التجارية. وهناك خيار مباشر أكثر هو: مطالبة الشركات الصينية بالامتثال. وفي النهاية، فإن فكرة إعفاء شركات أجنبية بعينها من اللوائح البيئية أو العمالية، على سبيل المثال، هي فكرة سخيفة. فلماذا تختلف الأنظمة المالية؟
هل يعرف المتقاعدون الأمريكيون أين تُستَثمَر أموالهم؟
وفيما يتعلق بصناديق المؤشرات، فإن ردا بسيطا قد يكون مناسبا. فلماذا تخبر المستثمرين من أفراد أو مؤسسات بأنهم لا يستطيعون الاستثمار، بينما قد تكتفي بإبلاغهم ببساطة – على غرار أسلوب التحذير من السجائر – بأن: «هذا الصندوق يضم شركات تساعد على قمع حقوق الإنسان، ودعم الجيش الصيني، وربما تتجسس على الولايات المتحدة». من الذي قد يجادل ضد الحقائق الأساسية التي تقدمها الحكومة؟
في نهاية المطاف، تندرج العديد من هذه المشاكل ضمن فئة «المجهولين المعروفين». ويتمثل التحدي الرئيسي في الخطر الذي يهدد غير المطلعين على الأمر، وهم: ملايين الأمريكيين الذين يعتمدون على صناديق معاشات التقاعد الخاصة بولايتهم أو بوظائفهم، والذين قد لا يكون لديهم أدنى فكرة عن مكان استثمار أموالهم المكتسبة بشق الأنفس.
على سبيل المثال، فإن الصندوق الذي يدير معاشات الموظفين الفيدراليين (بما في ذلك العاملين في الجيش) وفقا للخطة المعروفة باسم خطة توفير المدخرات (TSP) – والتي تشبه الخطة 401 (ك) (إحدى خطط إدارة المعاشات في الولايات المتحدة) أكد أنه سينقل الأصول التقاعدية الخاصة به إلى مؤشر جديد، تشكل الشركات الصينية حوالي 8% منه، في عام 2020. ونتيجة لذلك، فإن الموظفين الفيدراليين قد يدعمون قريبًا منتهكي الحقوق الصينيين، وجيش التحرير الشعبي، والجواسيس.
على الرغم من هذه الحقائق، قوبلت الجهود التي بذلها الكونجرس لعرقلة استثمارات خطة توفير المدخرات (TSP) في الشركات الصينية بالذعر. إذ لا يمكن للمشرعين إخبار أي شخص أين يستثمر أمواله، إلى أن يفعلوا ذلك، على نحو ما تعلمت إيران ومؤيدوها في الشركات والمؤسسات المالية في أمريكا قبل بضع سنوات.
إن تصفية الاستثمارات في الشركات والصناديق التي تفصل بين المال والأخلاق تسارع على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي. وربما حان الوقت لتطبيق المبادئ ذاتها على الصين، وهي وسيلة تكفل حماية المستثمرين الأمريكيين والمبادئ الأمريكية والأمن الأمريكي في الوقت ذاته.
(المصدر: موقع تبيان)