نوال السعداوي: نموذج للنُّخب الفكريَّة من أرباب الماسون 5 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
استهزاء بالأمَّة الإسلاميَّة ونفي لتميُّزها عن سائر الأمم
يتعجَّب النَّبيُّ محمَّد من هزيمة المسلمين على يد اليهود والنَّصارى، برغم ما وهب الإله لأمَّته من خيرات، على رأسها النَّفط، وبرغم التزام المسلمين أخلاقيًّا أكثر من الأمم الأخرى، لكنَّه يتذكَّر أنَّ حُكَّام المسلمين منشغلين عن نُصرة الإسلام بالتَّحالف سرًّا مع الغرب، على حساب المسلمين وبأموالهم، ضاربًا المثل بحكَّام شبه الجزيرة العربيَّة (صـ26):
هذه الأسرة المالكة لأرض الحجاز، بني سعود، هؤلاء اشتدَّ فسادهم في الأرض؛ إنَّ ملكهم يطلق على نفسه اسم خادم الحرمين الشَّريفين، إلا أنه لا يخدم إلا نفسه. حتَّى القبر الَّذي دفنوني فيه أصبح مهملًا، هناك جدار يوشك على السُّقوط، مع أنه لا يكف عن بناء القصور لنسائه وأولاده. وهو يجمع الأموال من الحجاج لبيت الله الحرام، ومن عوائد البترول، ويودعها باسمه في بنوك النَّصارى واليهود. إنه يتفاوض مع اليهود والنَّصارى سرًّا، يتآمر معهم ضد المسلمين، ثمَّ يذهب إلى الجامع ليصلي دون وضوء.
يعتبر موسى محمَّدًا عدوًّا له ولعيسى لكلام محمَّد السَّلبي عن اليهود والنَّصارى، ويدعو عيسى لمشاركته في القضاء عليه، لكنَّ عيسى يرى أنَّ في الإبقاء على محمَّد فائدة، وهي الاستقواء به على إبليس الَّذي يصرُّ الإله على الإبقاء عليه؛ حيث يقول عيسى “أنا أعرف أنَّ أبي يحرص على وجود الشَّيطان دائما، لا يتصوَّر أبي الكون بدون شيطان” (صـ27).
اتّهام الإله بإغواء البشر وتبرئة إبليس!
من المفارقات أنَّ إبليس يظهر في هذه اللحظة، معلنًا استقالته من وظيفة الوسوسة للبشر، المفترَض أنَّ الإله هو الَّذي أسندها إليها، ويسعى إبليس إلى مقابلة الإله، مثل الأنبياء الثَّلاثة (صـ28):
أنا خلاص يا رب تعبت من الوسوسة في آذان الناس، قررت أخيرًا أن أقدم استقالتي إليك. لقد وجدت عملا آخر يدر عليَّ ً أموالا كثيرة؛ فهذا العمل الذي أوكلته إليَّ يا رب قد أهلكني، ولم آخذ منه إلا اللعنات؛ لهذا كتبت استقالتي، كان يمكن أن أرسلها إليك بالفاكس، لكنّي آثرت المجيء بنفسي إليك، لنتصافح وننسى هذا الماضي البغيض الذي جعلتني فيه عدوا لك.
ويتنافى هذا الزَّعم مع قول الله تعالى عن سبب لعنه لإبليس، وهو رفْض الأخير السُّجود لآدم؛ فتوعَّد إبليس حينها بإغواء البشر، مصداقًا لقول الله تعالى﴿ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) ﴾[سورة ص: 75-85[. لم يسلّط الله تعالى الشَّيطان لإغواء البشر، إنَّما أمهله لاستدراج الغاوين من أتباعه، الَّذين اختاروا طريق الضَّلال بعد أن أرشدهم الله إلى الطَّريق القويم، مصداقًا لقوله تعالى﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10) ﴾[سورة الشَّمس: 7-10[. يعني ذلك أنَّ الإنسان يختار بنفسه بين الصَّلاح والغيّ، وليس بدافع من الشَّيطان، الَّذي يريد الانتقام من البشر لأنَّهم سبب لعنه وخروجه من الجنَّة بمجرَّد الإغواء، ولا يعفي الإغواء الضَّالين من الإثم، كما يقول تعالى﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ﴾[سورة إبراهيم: 22].
اتّهام الإله بالظُّلم والطَّمع والأنانيَّة والتَّهافت على المتع
تواصل السَّعداوي تحدّيها لما جاء في القرآن الكريم باختلاقها شخصيَّة فتاة تُدعى “بنت الله”، في استهزاء بإنكار الله تعالى لبنوَّته لأي مخلوق﴿ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) ﴾[سورة مريم: 92-93]. وتكرّر الكاتبة زعْم مشركي الجاهليَّة، الَّذين نسبوا إلى الله البنات واختصُّوا أنفسهم بالبنين، ما استنكره الله تعالى بقوله﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴾[سورة الطُّور: 39]. تطلق السَّعداوي على لسان حوَّاء إدانة لما تعبّر عنه في أعمالها، من عنصريَّة دينيَّة للمرأة وتكريس لتبعيَّتها للرَّجل؛ فحوَّاء تُنكر قصَّة الخلْق التَّوراتيَّة، الَّتي تدَّعي أنَّها وُلدت من ضلع آدم، وتتَّهم الإله بالخداع والطَّمع والتَّآمر على البشر، بينما تجد في إبليس صديقًا أمينًا تستشهد به على ظُلم الإله (صـ29):
إنَّ هذا التَّاريخ الوارد في التَّوراة كله مغلوط؛ فأنا حواء بلحمها ودمها، وأمي ولدتني في الحقل، وكانت تزرع حين أحست آلام الولادة، فما هذه القصة المغلوطة عن زوجي آدم الذي ولدني من ضلعه؟! كانت أمي قد زرعت في وسط الحقل شجرة تفاح، أراد ربك الأعلى أن يستولي على الثّمار وحده، تعاون مع زوجي على طردي من الحقل، حرضه على خيانتي مع امرأة أخرى مقابل بعض المال، أشاع أن الشَّجرة مقدسة، من يأكل منها يموت، أكلت منها كثيرًا دون أن يصيبني شيء، هل يموت أحد من أكل التُّفاح يا إبليس؟
وإمعانًا في الاستهزاء بأمر الله تعالى ألَّا يراه البشر وألَّا يتحدَّث إليهم إلَّا بضوابط سبقت الإشارة إليها، تشير الكاتبة إلى موافقة الإله على التَّحدُّث إلى أهل الأرض، وتنسب إليه صفات البشر، مثل الأكل والشُّرب واشتهاء أنواع بعينها من اللحوم (صـ30):
يا أهل الأرض، تعطف جل جلاله ربكم الأعلى وسمح لكم باللقاء معه. ليس عنده وقت كي يقابلكم واحدًا واحدًا، فهل تصعدون جميعًا في وقت واحد؟! وصلتني أسماؤكم كلها بالفاكس، وكان مزاج سيدي رائقًا، كان يشرب الشَّاي بالنّعناع بعد وجبة دسمة من الضأن المشوي. بالمناسبة هل أتيتم بذبائح؟! إن سيدي لا يقبل إلا الضأن، أو الكندوز الصغير أو البتلو، أما الذبائح الأخرى فهو لا يقبلها، ومن لم يأتِ بذبائح فليعد من حيث أتى، ليس عندنا وقت لمن يأتون بأياد فارغة!
تمرُّد الأنبياء على أوامر الإله الظَّالمة!
يجلس الرَّبُّ على “الكرسي الذَّهبي”، الَّذي يشبه عروش الأباطرة، ومن حوله الحرَّاس والعبيد، وأمامه جداول من ماء وأنهار من الخمر، وفتيات جميلات، لكنَّه لا يُرى إلَّا “من وراء ستائر شفافة السُّحب والدُّخان” (صـ31). يتقدَّم النَّبيُّ إبراهيم للحديث إلى الإله، أملًا في أن يتبرَّأ من آثامه قبل أن يموت. يتَّهم إبراهيم الإله بأنَّه حرَّضه على الظُّلم والقتل، فقط من أجل الاستئثار بالعبادة على الأرض، معتبرًا أنَّ الإله يتعطَّش إلى الدّماء، ولا يعبأ بكمّ الضَّحايا من بني البشر في سبيل تحقيق أهدافه (صـ32-33):
أعطيت نفسك الحق أن تفعل أي شيء، وكان يجب أن تُلزم نفسك بالعدل، وتُلزمني بالعدل، أنا رسولك إلى الناس، لكنك جعلت مني قاتلا بلا ضمير وخائنًا بلا أخلاق، أمرتني أن أُلقي زوجتي الحبيبة هاجر وطفلي إسماعيل في الصَّحراء… كما غضبت على قابيل ابن أبي الكبير آدم، حين قدم لك من ثمار الأرض قربانًا، فأشحت عنه بوجهك، ونظرت إلى أخيه هابيل الَّذي قدَّم لك من أبكار غنمه ومن سمانها، واغتاظ قابيل وسقط وجهه. يا سيدي أنت زرعت الحقد بين الأخوين الشقيقين، لمجرد أن أحدهما يقدم لك الغنم، والآخر لا يملك منها شيئًا، الاثنان قربَّا إليك القربان، فتقبّلت من أحدهما ولم تتقبل من الآخر… هل تتابع يا سيدي أخبار العالم اليوم؟ ألا تؤرقك هذه الدّماء المسفوكة باسمك وباسم أرضك الموعودة بإبراهيم ونسله من بني إسرائيل؟
يثور الإله حينها ويأمر بإسكات إبراهيم، ويتولَّى رضوان، حارس الجنَّة، مهمَّة الرَّدّ علي. يتلو رضوان ما ورد في العهد القديم عن وعْد الإله لإبراهيم ونسله بأرض تقع ما بين نهري النّيل والفرات: “لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ” (سفر التَّكوين: إصحاح 15، آية 18). حينها يبتهج أحد الحاضرين، وهو رجل يرتدي زيًّا عسكريًّا ويغطّي إحدى عينيه بغطاء أسود، ويهمس في أذن جاره، وهو السّياسي الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قائلًا (صـ35):
أرأيت يا بنيامين! أمامنا حرب كبيرة لإبادة شعب مصر وشعب العراق! كلمة الرَّبّ الأعلى مقدَّسة في كتابه التَّوراة، ونحن يا سيدي قصرنا في حقّ الرَّبّ، ولم نصل إلَّا نهر الأردن، مع أنَّه أعطانا الأرض من النّيل إلى الفرات.
يعترض النُّبيُّ محمَّد على تمييز بني إسرائيل بتلك الأرض، وحينها يجيب رضوان بالنَّصّ القرآني﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾[سورة البقرة: 47]، في تجاهُل لحقيقة أنَّ هذا ينطبق على بني إسرائيل قبل كفرهم بالله وتحريفهم لكتابه، وتكذيبهم وتقتيلهم للأنبياء والرُّسُل. وقد أقرَّ الله بلعنه بني إسرائيل بسبب نقضهم ميثاقهم معه﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾[سورة المائدة: 13]. ويفتح قوله تعالى﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ﴾المجال للحديث عن تحريف بني إسرائيل لكتاب الله وافترائهم عليه، ومن الملفت أنَّ السَّعداوي تنسب إلى الله، حاشاه، تحريضه على تقتيل السَّجينات من أهل كنعان واغتصاب الأبكار منهنّ، معتبرةً ذلك من أشكال العنف ضدَّ المرأة الَّتي يدعو إليها الإله. وتدين بنت الله، الشَّخصيَّة الَّتي تعبّر عن نوال السَّعداوي، الختان بقولها (صـ37):
عملية الختان جريمة في حق الإنسان يا سيدنا رضوان، أرجوك أن تسأل سيدك الأعلى لماذا فرضها على شعبه المختار، وقال إنها مقابل الأرض، هو يعدهم بالأرض وهم يعدونه بالختان، ما علاقة الأرض بقطع جزء من جسم الإنسان؟!
وعند تبرير الإله فرْض الختان بأنَّه لإثبات البشر خضوعهم لطاعته، يردُّ إبراهيم من جديد بعبارات تمرُّديَّة تدين ظُلم الإله، مفضّلًا أن يُلقى في النَّار على أن يطيع طاعة عمياء ويمتثل لأحكام لا مبرّر لها (صـ38):
نحن يا رب نعبدك ونصلّي لك وأنت لا تعبد أحدًا، أنت تعبد ذاتك وهذا حقك يا رب، ومن حقك أن تفعل ما تشاء دون أن يسألك أحد، لكن إذا أعطيت نفسك هذا الحق فلا بدَّ أن تلزمنا بالعدل، لكنَّك أمرتنا بالقتل والخيانة الزَّوجيَّة. إذا كنت ستحرقني في النار يا سيدي أحرقني، فهي أفضل لي من هذه النَّار الَّتي تنهش قلبي وضميري.
يؤيّد موسى كلام إبراهيم، مؤكّدًا على أنَّ الإله لم ينفّذ وعْده بإعطاء بني إسرائيل للأرض ما بين النّيل والفرات، وأنَّ الصّراع الدَّموي لم يزل دائرًا لهذا السَّبب؛ حتَّى فلسطين لم تُعطى كلَّها لليهود. ويتعجَّب موسى من محاولة الإله قتْله، كما يدَّعي، برغم طاعته لأوامره. من جديد، يغضب الإله، ويأمر رضوان بإسكات موسى، ثم يعلّق الإله بقوله (صـ39):
يا موسى أنت أغضبتني؛ لأنك كنت تناقشني وحاولت الهرب وعدم تنفيذ أمري، ثم أنا يا موسى ربك الأعلى، أنا خلقتك وأعطيتك الحياة بإرادتي الحرة، ومن حقي أن آخذ حياتك حين أشاء!
تؤكّد السَّعداوي بذلك على عدم قبول الإله للنّقاش والمراجعة، وإصراره على إخضاع الجميع لسلطانه، دون مقاومة. تقدّم مريم العذراء شكواها ضدَّ الإله، مؤكّدةً أنَّها عاشرها معاشرة الأزواج، وتسبَّب في تشرُّدها لمَّا حملت، وكأنَّما أصبحت مريم العذراء نموذجًا لضحايا الاغتصاب، وصار المسيح بذلك طفل شوارع مجهول النَّسب (صـ41):
إنَّه أبوك يا بني وقد جاءني في ظلمة الليل يرتدي ثوب الملاك، كان أبي رجلا ً يحترمه الجميع، وكانت أمي عاقرًا دعت الله أن يرزقها بطفل تهبه لخدمة الله في المعبد، حبلت أمي وولدتني بنتًا لكنها نفذت وعدها لله، وهبتني لخدمة الله في المعبد، وفي ليلة وأنا غارقة في العبادة جاء الملاك، وفعل بي ما يفعله الزوج بزوجته، لمَّا رآني مذعورة أرتجف هدأ روعي، وقال إنه روح الله أرسله إلي لأحبل بابنه الذي سيكون نبيًّا، لكن الذعر غلبني فهربت من المعبد، وهربت من قريتي «ندرت» وعشت في منزل مهجور حتَّى جاءني المخاض وأنا راقدة تحت النَّخلة…
يعترف عيسى بخطئه في حقّ أمّه، الَّتي أهملها، برغم تحمُّلها الكثير من الآلام لأجله، ووقوفها معه حتَّى صلْبه، مبرّرًا ذلك بأنَّ المجتمع الَّذي عاشوا فيه أجبره على ذلك؛ كونه مجتمع ذكوري لا ينصف المرأة (صـ41):
كان المجتمع يفرض عليَّ ٌ ذلك يا أمي؛ فهو مجتمع أبوي لا يحترم إلا الأب، مجتمع لا يحترم النساء يا أمي، وقد حاولت أن أنصف النّساء لكنّي فشلت، كان الرجال ينتهكون جسد المرأة ثم يقولون عنها بغي، يرجمونها بالأحجار حتى تموت، وقلتُ لهم من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر.
وتجدّد السَّعداوي بذلك إدانتها لتكريس الدّين لقهر المرأة، كما تدَّعي، مبيّنةً محاولة المسيح إنصاف المرأة وعجزه عن ذلك، كما جاء على لسانه بشأن سعي اليهود لرجم مريم المجدليَّة لمَّا ضُبطت وهي تزني، بقوله “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلاً بِحَجَرٍ” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 8، آية 7). لا تقف السَّعداوي، مع ذلك، عند إبطال المسيح لشريعة العهد القديم الَّتي تأمر بالرَّجم في هذه الحالة، برغم أنَّه يقول “لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ” (إنجيل متَّى: إصحاح 17، آية 5). غير أنَّ الكاتبة تنتقد على لسان عيسى “ما جاء في الإنجيل من روايات لا يصدّقها عقل”، مشيرةً إلى استنكار الجمعيَّات النَّسويَّة لما تتضمَّنه الأسفار المقدَّسة من روايات تنتقص من قدر المرأة، وبخاصَّة الَّتي تطعن في عفَّتها (صـ42). تجدّد السَّعداوي، على لسان “بنت الله”، إدانتها للإرهاب الإلهي بإجبار البشر على طاعته، وإلَّا كان مصيرهم العذاب، وتؤيّدها كلٌّ من حوَّاء ومريم العذراء، الَّتي تراها تعبّر عن رأي الأغلبيَّة المقهورة (صـ44):
الملايين يؤمنون لأنَّهم يخافون من العقاب في الدُّنيا والآخرة، والحرق في نار جهنَّم أو القتل والطرد من أرضهم؛ لأنَّهم لا يطيعون الله أو الإمام أو مندوب الله على الأرض… في كل بلاد العالم يؤمن الملايين بالحكام السفاحين خوفًا من التَّعذيب والقتل والسُّجون، أو خوفًا من الاتهام بالكفر أو الإلحاد أو الشُّيوعيَّة أو الإباحيَّة أو الفيمينيزم (Feminism-مناصرة المرأة) إن جميع الحكام في العالم يعلنون الحروب حاملين التَّوراة أو الإنجيل أو القرآن، إنَّهم يا سيدي يحملون كتبك ويحاربون باسمك من أفريقيا الجنوبيَّة إلى إسرائيل، من آسيا إلى أمريكا اللاتينيَّة. يا سيدي أنت جعلت حرب الاغتصاب مقدَّسة، وإذا قامت الحرب النَّوويَّة في العالم فسوف تقوم تحت اسمك.
يظهر النَّبيُّ محمَّد في صورة المداهن المحجم عن مصارحة الإله بظلمه وتجاوزاته، ويكتفي بتسجيل شكواه ضدَّ حُكَّام شبه الجزيرة العربيَّة، مشيرًا إلى أنَّ علماء السَّعوديَّة يتقوَّلون عليه بالباطل، وينسبون إليه وإلى الإله ما لم يقولا (صـ45-46):
هم يحوّرون كتابك القرآن الكريم ويفسّرونه كما يشاءون، ويروجون الأحاديث عنّي وهي مكذوبة، ويغيّرون الأحاديث غير المكذوبة الّتي قلتُها في زمان ومكان غير هذا الزمان وغير هذا المكان، ولي حديث قلت لهم فيه: أنتم أعلم بشئون دنياكم، لكنهم يتجاهلون هذا الحديث ويقهرون النّساء باسمي واسمك سبحانك. وفي زماني منذ ستَّة عشر قرنًا لم أفرض الحجاب على المرأة وشرعت لها أن تختار زوجها وأن تطلقه إذا كرهت وجهه، لكنَّهم يقهرون النّساء ويقهرون الفقراء ويكنزون الذّهب والفضَّة وأموال البترول، ويتفاوضون مع أعداء المسلمين سرًّا، وقد شوَّهوا صورة الإسلام.
وتعليقًا على فرية أنَّ نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) لم يفرض الحجاب على النّساء، فيكفي الإشارة إلى الأمر الإلهي في هذا النَّصّ القرآني﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ﴾[سورة النُّور: 59]. وكما ورد في صحيح البخاري (4789)، عن أمّ المؤمنين، عائشة، (رضي الله عنها وأرضاها) “يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل لما أنزل الله﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾شققن مروطهنَّ فاختمرْنَ بها”، وهناك رواية تضيف “فصلينَ خلف رسول الله ﷺ كأنَّما على رؤوسهنَّ الغِربان”.
المصدر: رسالة بوست