مقالاتمقالات المنتدى

نماذج علمائية ملهمة (37)

الإمام الترمذي" الإمام الحافظ جامع السنن"

نماذج علمائية ملهمة (37)

الإمام الترمذي” الإمام الحافظ جامع السنن”

بقلم د. علي الصلابي( خاص بالمنتدى)

(الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

هو الإمام الحافظ المتقن، من الذين يقتدى بهم في علم الحديث، ويضرب بهم المثل في الحفظ، والورع والزهد والتقوى، المشهور بالأمانة والعلم والفضل، صاحب الجامع الشهير المعروف بسنن الترمذي، إنه الحافظ الإمام البارع محمد بن عيسى الترمذي رحمه الله ورضي عنه.

اسمه ونسبه وكنيته ومولده:

هو محمد بن عيسى بن سورة، بن موسى الضحاك السلمي، الترمذي أبو عيسى، اختلف المؤرخون في تحديد السنة التي ولد فيها الترمذي، فمنهم من قال إنه ولد سنة بضع ومائتين، ومنهم من قال سنة تسع ومائتين، ومنهم من قال سنة عشر ومائتين، وقد أضاف الذهبي رحمه الله أنه عندما مات كان من أبناء السبعين، فإذا صح هذا فإنه يدل على أن الترمذي ولد في سنة تسع ومائتين، لأن العلماء قالوا أن الترمذي مات في سنة تسع وسبعين ومائتين، وهذا ما رجحه أحمد شاكر عن الحافظ المزي في تهذيب الكمال،  وورد في  سير أعلام النبلاء أن الترمذي إنما طرأ عليه العمى بعد أن كبر وبعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنف ( فقه الإمام الترمذي في سننه، مازن الحارثي، ص15).

رحلاته وطلبه للعلم:

نشأ الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى في دوحة العلم والعلماء، فقد رحل إلى كثير من الأمصار لطلب العلم وتحصيل الحديث، فقد كان رحمه الله يحب العلم ويرحل إليه حيثما كان ومنها ما ذكره الإمام الذهبي حيث قال: “وارتحل فسمع بخراسان والعراق والحرمين، وكان رحمه الله من الحفاظ الأعلام فقد قال رحمه الله: كنت في طريق مكة فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته وأنا أظن أن الجزأين معي، فسألته فأجابني، فإذا معي جزآن بياض، فبقي يقرأ عليّ من لفظه، فنظر فرأى في يدي ورقًا بياضًا، فقال: أما تستحي مني؟ فأعلمته بأمري، وقلت: أحفظه كله، قال: اقرأ، فقرأته عليه، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيء؟ فقلت: حدثني بغيره، قال: فحدثني بأربعين حديثًا، ثم قال: هات، فأعدتها عليه، ما أخطأت في حرف ” (سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (13 / 273).

ولم يقتصر الإمام الترمذي في طلب العلم والحديث على بلده ومحيطه الذي نشأ فيه بل تجاوز ذلك إلى بلاد بعيدة عنه كما هي العادة في علماء ذلك الزمان، لا تتم لأحدهم لذة العلم إلا بالرحلة في طلبه والتعني في تحصيله، وقد ذكر الأئمة المؤرخون أن رحلته كانت بعد المائتين وأربعين، فرحل إلى بخارى من بلاد أوزباكستان وإلى مرو من بلاد تركمانستان وإلى الرّي وهي الآن طهران ثم رحل إلى البصرة وواسط والكوفة وبغداد ثم رحل إلى الحجاز (التقييد لابن نقطة، م1، ص92)

ومن شيوخه قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن عمرو السواق البلخي، ومحمود بن غيلان، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وأحمد بن منيع، وأبو مصعب الزهري، وبشر بن معاذ العقدي، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب، وأبو عمار الحسين بن حريث، والمعمر عبد الله بن معاوية الجمحي، وعبد الجبار بن العلاء، وأبو كريب، وعلي بن حجر، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي، وعمرو بن علي الفلاس، وعمران بن موسى القزاز، وإسحاق بن موسى الخطمي، وإبراهيم بن عبد الله الهروي وغيرهم (سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (13 / 271).

الترمذي الفقيه والعالم في الجرح والتعديل:

للإمام الترمذي مكانة علمية مميزة وواضحة، ويرجع هذا إلى أن بداية طلبه للعلم كانت في سنٍّ مبكّرة؛ إذ كان الإمام الترمذي قد ابتدأ حفظه للقرآن الكريم ودراسته لبعض العلوم دون عمر العشرين عند شيوخ أهل بلده كما هو حال طلاب العلم قديمًا، ثم أخذ بالارتحال إلى بلدان أخرى (عامر جود الله، الأحاديث التي لم تصح وعليها العمل، صفحة 13-16. بتصرّف).

 

ويعد الإمام الترمذي من كبار المحدثين الفقهاء الذين سرى في عروقهم فقه الحديث واستنباط الأحكام منه، كيف لا وقد أشبع بروح شيخه البخاري في ذلك، حتى وصفه الذهبي بقوله: (وتفقه في الحديث بالبخاري)، وقال العلامة أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى: وكان من أول من طرق موضوع ما يسميه الناس اليوم الفقه المقارن، وكان له فضل كبير يجب أن تعترف الأمة به في حفظه لفقه المدارس الاجتهادية  في عصره، ولولاه لضاع منه الشيء الكثير، وعفا عليه الزمان، وتلك خصيصة لجامعه تفرد بها من بين مصنفات الحديث والسنة، فهو من أوثق المراجع وأقدمها في الخلاف سيما في معرفه المذاهب المهجورة، كمذاهب الأوزاعي والثوري وإسحاق بن راهويه، وكان من حسناته أنه حفظ للمتأخرين مذهب الشافعي القديم، إذاً فإن شخصية الترمذي الفقهية الفذة تظهر في كتابه الجامع من أمور عدة أولها: أنه يذكر مذاهب المتقدمين وأقوالهم وترجيحاتهم وردودهم، كذكره آراء مالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وسفيان الثوري، وعبد الله بن مبارك والاوزاعي ومعمر بن راشد، وسفيان بن عيينة، ثانيها: ذكره الأحكام والسنن التي احتج بها علماء الأنصار مشفوعة بأقوالهم ومن أخرجها من الصحابة مع الحكم على الحديث، كما يعد الإمام الترمذي من النقاد الجهابذة الذين قبل الناس كلامهم في الجرح والتعديل لنزاهتهم ودقتهم واعتدالهم، ومن هذا الوجه عده الحافظ الذهبي في رسالته (ذكر من يعتم قوله في الجرح والتعديل)، ولما كان الإمام الترمذي حافظاً نقاداً للحديث فإنه لا يكتفي بمجرد النقل عن الأئمة بل يجتهد في خلافاتهم ويبدي رأيه في الأمور المهمة منها، وكان له منهج متميز في ذلك لاسيما عندما تختلف أقوال العلماء في الراوي، حسبما يراه صواباً في نظره، وحقاً في جده وبحثه، فليس هذا تساهلاً بل هو اعتدال وإنصاف، ( الإمام الترمذي الحافظ الناقد، إياد الطباع، ص89ـ 183، بتصرف).

 

 

 

ثناء العلماء على الإمام الترمذي:

(1) قال ابن حبان (رحمه الله): كان أبو عيسى ممن جمع وصنَّف، وحفظ وذاكر (سير أعلام النبلاء جـ 13 صـ 273).

(2) قال أبو سعد الإدريسي (رحمه الله): التِّرمِذي أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب “الجامع” والتواريخ والعلل، تصنيف رجل عالم متقن، كان يُضرَب به المثَل في الحفظ؛ (تهذيب الكمال للمزي جـ 1 صـ 172).

(3) قال الحاكم (رحمه الله): سمعت عمر بن علك يقول: مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى، في العلم والحفظ، والورع والزهد، بكى حتى عمِي، وبقي ضريرًا سنين؛ (سير أعلام النبلاء جـ 13 صـ 273).

(4) قال ابن العماد الحنبلي (رحمه الله): الإمام التِّرمِذي تلميذ أبي عبد الله البخاري، ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه، سمع منه شيخه البخاري وغيره، وكان مبرزًا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان؛ (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي جـ 3 صـ 327).

(5) قال ابن خلكان (رحمه الله): التِّرمِذي الحافظ المشهور، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنَّف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن، وبه كان يُضرَب المثَل، وهو تلميذ أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه، مثل: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حُجر، وابن بشار، وغيرهم؛ (وفيات الأعيان لابن خلكان جـ 4 صـ 104).

(6) قال السمعاني (رحمه الله): التِّرمِذي أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع والتواريخ والعلل، تصنيف رجل عالم متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ والضبط، تلميذ لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشارك معه في شيوخه؛ (الأنساب للسمعاني جـ 3 صـ 42).

(7) قال ابن الأثير (رحمه الله): كان التِّرمِذي إمامًا حافظًا، له تصانيفُ حسنةٌ، منها: “الجامع الكبير” في الحديث، وهو أحسن الكتب؛ (الكامل في التاريخ لابن الأثير جـ 6 صـ 474).

(8) قال شيخ الإسلام إسماعيل الهروي (رحمه الله): جامع التِّرمِذي أنفعُ مِن كتاب البخاري ومسلمٍ؛ لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، والجامع يصلُ إلى فائدته كلُّ أحدٍ؛ (تهذيب الكمال للمزي جـ 1 صـ 172).

(9) قال الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي القزويني: محمد بن عيسى بن سَورةَ الحافظُ، متفقٌ عليه، له كتابٌ في السنن، وكلامٌ في الجرح والتعديل، روى عنه ابن محبوبٍ والأجلاء، وهو مشهورٌ بالأمانة والعلم؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 11 صـ 71).

(10) قال ابن كثير (رحمه الله): التِّرمِذي أحدُ أئمة الحديث في زمانه، وله المصنَّفات المشهورة، منها “الجامع”، و”الشمائل”، و”أسماء الصحابة”، وغير ذلك، وكتاب “الجامع” أحد الكتب الستة التي يرجِع إليها العلماء؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 11 صـ 71).

وفاته

وفاته تعدّدت الآراء في وفاة الإمام الترمذي -رحمه الله-، وقد ذُكرت عدّة أقوالٍ في المسألة، لكن المعتمد عند أغلب الأئمة أنه توفي ليلة الاثنين في الثالث عشر من شهر صفر الموافق لسنة 279 هـ، وهذا ما عليه الأكثرون، أما مكان وفاته فقيل فى سمرقند وقيل في إحدى قرى ترمذ (منهج الإمام الترمذي في الحكم على الحديث بالحسن في الجامع، قبلي بن هني، صفحة 54. بتصرّف).

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

  • فقه الإمام الترمذي في سننه، رسالة ماستر، مازن الحارثي، جامعة أم القرى، السعودية، الجزء الأول، 1999م.
  • سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
  • التقييد لابن نقطة.
  • الأحاديث التي لم تصح وعليها العمل، عامر جود الله، جامعة النجاح الوطنية، رسالة ماستر، 2010م.
  • الإمام الترمذي الحافظ الناقد، إياد الطباع، دار القلم، دمشق، ط1، 2001م.
  • منهج الإمام الترمذي في الحكم على الحديث بالحسن في الجامع، قبلي بن هني.

إقرأ أيضا:واجبنا تجاه غزة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى