مقالاتمقالات مختارة

نقلُ العَدْوَى بفيروس كورونا رؤيةٌ شرعيةٌ

نقلُ العَدْوَى بفيروس كورونا رؤيةٌ شرعيةٌ

الشيخ أ. د. حسام الدين عفاتة

يقول السائل: ما حكمُ من ثبتتْ إصابتهُ بفيروس كورونا بعد إجراءِ فحصٍ طبيٍ له، ومع ذلك يستمرُ في مخالطةِ الناس، ولا يأبْهُ لذلك، وقد يتسببُ في نَشَرِ عَدْوَى الفيروس بينهم، أفيدونا؟

الجواب:

أولاً: من الثابت شرعياً وطبياً وجودُ العَدْوَى من المرض، وقد يشكلُ على بعض الناس فهمُ حديث النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا عَدْوَى وَلا طِيَرَةَ وَلا هَامَةَ وَلا صَفَرَ) رواه البخاري، فيفهمون من الحديث نفيَ العَدْوَى، وبالتالي يرفضون ما قررهُ الطبُ في الأمراض المعدية من إجراءاتِ الوقاية.

ولا بدَّ لنا عند بحث أي قضية وردت فيها عدة أدلة شرعية من الكتاب والسنة، أن نجمع الأدلة الواردة فيها، حتى لا نقع في أمرٍ خطيرٍ بردِّ دليلٍ من أدلة الشرع، وفي هذه المسألة-لا عَدْوَى- نجدُ قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ، ولا هامَةَ ولا صَفَرَ، وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ) رواه البخاري ومسلم.

وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لا عَدْوَى” وهيَ انتِقالُ المرضِ من المريضِ إلى غَيرِه. والمعنى: أنَّها لا تؤثِّرُ بطبعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقدَرِ اللهِ وتقديرِه.

وأما قولُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “فِرَّ مِن المَجْذومِ” وهو المُصابُ بمرضِ الجُذامِ، وهوَ مَرضٌ تَتآكَلُ منه أعضاءُ الإنسانِ، يعني: ابتعِدْ عنه مُحتاطًا لنفسِكَ طالبًا لها السَّلامةَ كما تفِرُّ من الأسدِ، وفي النَّهيِ عن القُربِ من المجذومِ؛ ليَظهرَ لهم أنَّ هذا من الأسبابِ التي أجْرى اللهُ العادةَ بأنَّها تُفضِي إلى مُسبباتِها؛ ففي نَهيهِ إثباتُ الأسبابِ أنَّها لا تستقِلُّ بذاتِها، بل اللهُ هو الذي إن شاءَ سلَبها قُواها فلا تؤثِّرُ شيئًا، وإنْ شاءَ أبقاها فأثَّرتْ. انظر dorar.net/hadith/sharh/23598

ولا منافاة عند العلماء بين الأحاديث التي تنفي العَدْوَى، وبين الأحاديث التي تأمر باجتناب المرضى المصابين بأمراض خطيرة، كالجذام والطاعون وغيرهما، قال الإمام البيهقي: [ وأما ما ثبت عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنه قال:(لا عَدْوَى) فهو على الوجه الذي كانوا يعتقدونه في الجاهلية من إضافةِ الفعلِ إلى غيرِ الله تعالى، وقد يجعلُ اللهُ بمشيئته مخالطةَ الصحيحِ مَنْ به شيءٌ من هذه العيوب، سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: (فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرارك من الأسد)، وقال: (لا يُورَدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ) وقال في الطاعون:( من سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا يقْدَمُ عَلَيْهِ) وكل ذلك بتقدير الله تعالى] فتح الباري 12/367 .

وقال الشيخ العثيمين: [فقوله: (لا عَدْوَى): العَدْوَى موجودةٌ، ويدلُّ لوجودها قولهُ صلى الله عليه وسلم: “لا يُورَدُ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ” أي: لا يوردُ صاحبُ الإبل

المريضة على صاحبِ الإبل الصحيحة؛ لئلا تنتقل العَدْوَى] شرح كتاب التوحيد 2/80. فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينفي العَدْوَى، وعلى الناس ألا يعتقدوا أن العَدْوَى تضرُّ بنفسها، وإنما تضرُّ بأمر الله تعالى، فهي سببٌ من الأسباب. وأمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم، لأنه من باب البعدِ عن أسباب المرض المعدي.

وبناءً على ذلك قرر الفقهاءُ منعَ المجذومين من مخالطة الأصحاء، قال البهوتى الحنبلى: [ولا يجوز للجُذَماء، مخالطةُ الأصحاء عموماً، ولا مخالطةُ أحدٍ معينٍ صحيحٍ إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء، بأن يسكنوا في مكانٍ مفردٍ لهم ونحو ذلك، وإذا امتنع وليُّ الأمر من ذلك أو المجذومُ أثم، وإذا أصرَّ على ترك الواجب مع علمه به فسق. قاله في الاختيارات -أي ابن تيمية-وقال: كما جاءت به سنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وكما ذكر العلماء.] كشاف القناع عن متن الإقناع 6/126.

وورد في الموسوعة الفقهية: [ذهب المالكيةُ والشافعية والحنابلة إلى منعِ مجذومٍ يُتأذى به من مخالطة الأصحاء، والاجتماع بالناس، لحديث: (فِرَّ مِنَ المَجْذُومِ فِرارك من الأسد)الموسوعة الفقهية الكويتية 15/131.

والأمراض المُعْدِيَة (Infectious diseases) تنشأ عند دخول أجسامِ غريبةٍ ملوثة إلى جسم الإنسان. تكون هذه الأجسام الغريبة عبارة عن جراثيم، فيروسات، فطريات أو طفيليات. وتنتقل هذه الأجسام عن طريق العَدْوَى من إنسان آخر، حيوانات، طعام ملوث، أو من التعرض لأي من العوامل البيئية التي تكون ملوثةً بأيِ من هذه الأجسام. webteb.com

وقد عرّفت منظمةُ الصحة العالمية الأمراض المعدية بأنها: “الأمراض التي تنتج من الإصابة بعَدْوَى بعاملٍ مسبب، يمكن انتقاله من إنسانٍ لإنسان، أو من إنسانٍ لحيوان، أو من حيوانٍ لحيوان، أو من البيئة للإنسان والحيوان بطريقةٍ مباشرةٍ أو غير مباشرةٍ الأمراض التي تنتقل عن طريق التنفس والهواء، كأمراض الجهاز التنفسي،مثل الإنفلونزا والسِّل الرئوي” emro.who.int/ar/health-topics/infectious-diseases/index.html

ويمكن أن يُصاب الأشخاصُ بعَدْوَى مرضِ فيروس كورونا عن طريق الأشخاص الآخرين المصابين بالفيروس. ويمكن للمرض أن ينتقل من شخصٍ إلى شخصٍ عن طريق القُطيرات الصغيرة التي تتناثر من الأنف أو الفم، عندما يسعلُ الشخصُ المصابُ بمرض فيروس كورونا أو يعطسُ. وتتساقط هذه القُطيرات على الأشياء والأسطح المحيطة بالشخص. ويمكن حينها أن يصاب الأشخاص الآخرون بمرض

فيروس كورونا عند ملامستهم لهذه الأشياء أو الأسطح ثم لمس عينيهم أو أنفهم أو فمهم. كما يمكن أن يصاب الأشخاص بمرض كوفيد-19 إذا تنفسوا القُطيرات التي تخرج من الشخص المصاب بالمرض مع سعاله أو زفيره. ولذا فمن الأهمية بمكان الابتعاد عن الشخص المريض بمسافةٍ تزيد على مترٍ واحدٍ. وبناءً عليه قرر الأطباء المختصون منعَ مصابي كورونا من مخالطةِ الأصحاء كي لا يتسببوا في نقلِ العَدْوَى لهم. https://www.un.org/ar/coronavirus/covid-19-faqs

ولا يخفى على أحدٍ اليومَ أمرُ جائحة كورونا، فقد وصل إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا في أنحاء العالم 95 مليوناً، وإجمالي الوفيات زادت عن مليوني حالة.

ومن وسائل الوقاية والسلامة الصحية النافعة -بإذن الله تعالى-بحسب ما قرره الأطباء المختصون منع المخالطة والاجتماع، والاحتكاك بين الناس، وخاصة في حقِّ من ثبتتْ إصابته بفيروس كورونا.

ثانياً: يجب أن يُعلم أن التزام المصابين بفيروس كورونا بإجراءات الوقائية والسلامة فرضٌ شرعيٌ، وكلُّ من يستهترُ ويستخفُ بذلك ويصرُّ على مخالطةِ الأصحاء فهو آثمٌ شرعاً.

وأقول لهؤلاء المستهترين الذين يرفضون الأخذ بوسائل الوقاية، أقول لهم اتقوا الله في أنفسكم وفي زوجاتكم وأولادكم وآبائكم وأمهاتكم، واتقوا الله في مجتمعكم، لا تكونوا سبباً في نشر المرض، خذوا بما يقوله الأطباء المختصون، والواجب الحزم مع المستهترين، فمن لا يلتزمُ طوعاً يجب أن يُلزم جبراً، ولكم عبرةٌ في حديث أصحاب السفينة، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) رواه البخاري. وإن الله لَيَزَعُ بالسلطانِ ما لا يَزَعُ بالقرآنِ.

ولا بدَّ أن يُعلم أن حفظَ النفس من مقاصد الشرع، وهو من الضروريات الخمس التي دلّت عليها نصوصُ الكتاب والسنة دلالةً قاطعةً على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمةُ على لزوم مراعاتها، فحفظُ نفس الإنسان يأتي في المرتبة الثانية بعد حفظ الدِّين، فلا يجوز تعريض النفس للهلاك، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} سورة النساء الآية 29، فعلى المسلم أن يأخذ بأسباب الوقاية

والسلامة الصحية وفق ما تقرره الجهات الصحية، فهذا من باب الإحسان، يقول تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} سورة البقرة الآية 195، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا ضرر ولا ضرار) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقال العلامة الألباني: صحيح. إرواء الغليل 3/408. وانظر السلسلة الصحيحة حديث رقم 250. وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث من القواعد الفقهية العامة.

وينبغي أن يُعلم أن ناقل فيروس كورونا للآخرين له حالان: إما أن يكون مستهتراً بإجراءات الوقاية، وإما أن يكون مخطأً، فأما المستهترُ بإجراءات الوقاية والمستخف بها، فقد يدخل عمله في دائرة العمد، وإذا ترتب على استهتاره نقلُ العَدْوَى لغيره مما أدى للوفاة، فلا شكَّ في حرمة ذلك، وأنه قد ارتكب جريمةً يجب أن يُعاقب عليها وأنه يتحملُ مسؤولية جرمه. وهذا ما قرره العلماء المعاصرون والهيئاتُ العلميةُ المعتبرة كما يلي:

(1) ورد في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والأحكام الفقهية المتعلقة به ما يلي: “تعمدُ نقل العَدْوَى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأية صورةٍ من صور التعمد، عملٌ محرمٌ، ويعدُّ من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجبُ العقوبة الدنيوية، وتتفاوتُ هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع. فإن كان قصدُ المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعدُّ نوعاً من الحرابة والإفساد في الأرض، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة المائدة 33.

وإن كان قصدهُ من تعمُّدِ نقلِ العَدْوَى إعداء شخص بعينه، وتمت العَدْوَى، ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمدُ بالعقوبة التعزيرية المناسبة، وعند حدوث الوفاة يُنظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.

وأما إذا كان قصدهُ من تعمدِ نقل العَدْوَى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العَدْوَى فإنه يُعاقب عقوبة تعزيرية.]

(2) ورد في قرار مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية الأردني أنه قد نظر في حكم من علم بإصابته بالكورونا ثم يتسبّب بنقل العَدْوَى للآخرين. وبعد الدراسة ومداولة الرأي قرر المجلس ما يأتي:

من أصيب بالكورونا أو اشتبه بإصابته به يحرم عليه أن يخالط سائر الناس؛ حتى لا يكون سبباً في نقل المرض إليهم وإلحاق الضرر بهم، والإضرار بالبلد وأمنه الصحي والاقتصادي مما يعطّل مصالح العباد والبلاد. وقد أمرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر الصحيّ عند وجود الطّاعون الذي هو وباءٌ معدٍ، فقال: (إذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) متفق عليه، والنّهي الوارد في الحديث حمله العلماءُ على التحريم، أي تحريمُ الدّخول في البلد الذي وقع فيه الوباء (الطاعون) وتحريمُ الخروج منه.

وقد سئل الإمامُ الشّهاب الرمليّ عن ذلك، فأجاب: “بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ حَرَامٌ”. وعليه يُقاس كلّ وباءٍ معدٍ مثل (الكورونا) فيحرمُ على المصاب به أن يخالطَ غيرَهُ من الناس في أماكن تجمّعاتهم كالأسواق والأندية ودور العبادة والمناسبات الاجتماعية؛ ويعتبر آثماً إن فعل ذلك؛ لأن ذلك يتسببُ بإلحاق الضرر بهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه مالك في الموطأ. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مَن أكل كلّ ذي ريح كريه أن يعتزل المسجد ولا يقربه، بل أمر به أن يخرج إلى البقيع كما في صحيح مسلم، فكيف بمرضٍ معدٍ يودي بالحياة. والله تعالى يقول: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} سورة المائدة الآية 32. لذلك يجب على المصاب أن يلتزم بالعزل الصحي وكل التوجيهات الوقائية التي يقررها أهلُ الاختصاص، ويجب على الناس جميعاً لبس الكمامة والتباعد الجسدي والتعقيم وغيرها من وسائل الوقاية، ومن لم يلتزم بذلك فهو آثمٌ شرعاً، ويعدُّ ساعياً في نشر الفساد في الأرض، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} سورة البقرة الآية 205، فمن أقدم على ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة لمخالفته لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومخالفته لولي الأمر الذي منعه من التجول والمخالطة بما يدفع الضرر عن الناس ويحقق مصالحهم؛ فإنَّ تصرف ولي الأمر على الرعية منوطٌ بالمصلحة، وله تقدير العقوبة الدنيوية على المخالفين بحسب القواعد الشرعية.]

(3) ورد في توصيات ندوة “فيروس كورونا المستجد وما يتعلق به من معالجات طبية وأحكام شرعية” التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي ما يلي: عزلُ المريض المصاب بالفيروس واجبٌ شرعاً كما هو معروف، وأما بخصوص المشتبه بحمله للفيروس أو ظهرت عليه أعراض المرض أثناء الحجر المنزلي فيجب عليه التقيدُ بما

يسمَّى بالتباعد الاجتماعي عن أسرته والمخالطين له من عامة الناس، وكذلك لا يجوز لمن ظهرت عليه أعراض المرض أن يخفي ذلك عن السلطات الطبية المختصة، وكذلك عن المخالطين له، كما ينبغي على من يعرفُ مصاباً غير آبهٍ بالمرض أن يُعلم الجهات الصحية عنه، لأن ذلك يؤدي إلى انتشار هذا المرض واستفحال خطره، وعليه تنفيذ كل ما يصدر عن السلطات الطبية المختصة، وعليها أن تعزر من أصيب بهذا المرض وأخفاه، قال الله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}سورة البقرة الآية 195، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}سورة النساء الآية 29، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) رواه البخاري، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ) رواه أبو داوود وابن ماجة ومالك والحاكم والبيهقي، وبخصوص الطاعون جاء الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فليس مِن رَجُلٍ يَقَعَ الطاعونُ فيَمكُثُ في بَيتِه صابِرًا مُحتَسِبًا يَعلَمُ أنَّه لا يُصيبُه إلَّا ما كَتَبَ اللهُ له إلَّا كان له مِثلُ أجْرِ الشَّهيدِ) روله البخاري.

(4) ورد في بيان دائرة الإفتاء العام الأردنية حول من تسبب بالعَدْوَى لغيره أنه يحرمُ على من أصيب بمرض معدٍ (كالكورونا)، أو اشتبه بإصابته به أن يخالط سائر الناس؛ حتى لا يكون سببًا في نقل العَدْوَى والمرض إليهم، ممَّا يترتب عليه الإضرار بهم، بشكلٍ خاص، والإضرار بالبلد وأمنه الصحي والاقتصادي بشكل عام، ويعطّل مصالح العباد والبلاد.

وقد أمرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحجر الصحيّ عند وجود الطّاعون الذي هو وباء معدٍ، فقال: (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه) متفق عليه، والنّهي الوارد في الحديث حمله العلماء على التحريم، أي تحريم الدّخول في البلد الذي وقع فيه الوباء (الطاعون) وتحريم الخروج منه. وقد سئل الإمامُ الشّهاب الرمليّ عن ذلك، فأجاب: “بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ حَرَامٌ”.

وقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: “الطَّاعُونُ مَوْتٌ شَامِلٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفِرَّ مِنْ أَرْضٍ نَزَلَ فِيهَا، وَأَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْ الْأَرْضِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا”.

وَقَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ: “إنَّهُ مَذْهَبُنَا (أي مذهب الشافعية) وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. اهـ. أَيْ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهِيَ التَّحْرِيمُ” فتاوى الرّمليّ.

وعليه يُقاس كلّ وباءٍ معدٍ مثل (الكورونا) فلا يحِلّ للمصابٍ به أن يخالطَ غيرَهُ من الناس، حيث يتسبب ذلك بإلحاق الضرر بهم، والنبيّ صلى الله عليه وسلم بيّن حرمة

إلحاق الضرر بالآخرين فقال: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه مالك في الموطأ. بل يجب عليه أن يلتزم بالحجر الصحي وكل التوجيهات التي يقرّرها أهل الاختصاص، ومن لم يلتزم بذلك فهو آثمٌ شرعًا، وهو من باب الإفساد في الأرض قال الله تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} سورة المائدة الآية 33، ويستحق العقوبة في الآخرة والدنيا لمخالفته لأمر الله تعالى ورسوله ومخالفته لولي الأمر الذي منع من التجول والمخالطة وأمره بذلك يحقق مصلحة للناس وتصرف الراعي منوطٌ بالمصلحة كما يقرر الفقهاء، وعقوبته يقدرها وليُّ الأمر حسب الضرر الناتج.

وكل من يتهاون في الحجر ويخالط الآخرين، مع علمه أنه مصابٌ وأن مرضه معدٍ، ويتسبب بموت غيره فهو قاتلٌ وعليه الدِّية، والكفارةُ صيامُ شهرين متتابعين، ويتكرر ذلك بعدد من مات بسببه، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} سورة النساء الآية 92.

وعليه فيجب شرعاً على من كان مصاباً بفيروس (كورونا) أو كان مشتبهاً بإصابته، أن يبادر إلى أقرب مركزٍ صحيّ، لاتخاذ التّدابير الصحيّة اللازمة والملائمة لحفظ صحته ونفسه، وتجنيب الآخرين خطر العَدْوَى، ومن خالف ذلك فهو آثمٌ شرعاً مستحقٌ للعقوبة في الدنيا والآخرة، فإن نجا من العقوبة في الدنيا، فلن ينجوَ منها في الآخرة ما لم يتب، وحسابه عند ربه.]

(5) ورد في توصية الندوة الفقهية الطبية السابعة، التي نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية/ دولة الكويت بعنوان: “رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز” بالتعاون مع وزارة الصحة بدولة الكويت، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية ما يلي: [تعمدُ نقل العَدْوَى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأيةٍ صورةٍ من صور التعمدِ عملٌ محرمٌ، ويعدُّ من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجبُ العقوبة الدنيوية، وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع. فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعدُّ نوعاً من الحِرابة والإفساد في الأرض، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} سورة المائدة الآية 33. وإن كان قصده من تعمد نقل العَدْوَى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالباً، وانتقلت العَدْوَى وأدت إلى قتل المنقول إليه، يعاقب بالقتل قصاصاً. وإن كان قصده من تعمد

نقل العَدْوَى إعداء شخص بعينه وتمت العَدْوَى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة، وعند حدوث الوفاة يكون من حقِّ الورثة الدية. وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العَدْوَى إعداء شخص بعينه، ولكن لم تنتقل إليه العَدْوَى، فإنه يُعاقب عقوبةً تعزيريةً.] https://www.maghress.com/attajdid/21301

وأما إذا تسببَ شخصٌ في نقل فيروس كورونا خطأً، كما لو أخطأ الطبيبُ أو أحدُ أفراد المهن الصحية، فتسبب في نقل فيروس كورونا إلى الانسان السليم، فإن ذلك يعتبر من باب الخطأ، بشرط أن يكون

الطبيبُ أو أحدُ أفراد المهن الصحية قد راعى الأصول الصحية، ولم يحصل منه تعدٍ ولا تفريطٍ فلا ضمان عليه. وهنالك تفصيلٌ عند الفقهاء في مبدأ المسؤولية الطبية في عمل الطبيب إذا أخطأ في الممارسة الطبية، ولا يتسعُ المقامُ للتفصيل. ولا إثم على المخطئ لما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وصححه العلامة الألباني في إرواء الغليل 1/123، وكذا فيما لو كان الشخص لا يعلم أنه مصابٌ بفيروس كورونا ونقله إلى الانسان السليم.

ثالثاً: يحرمُ شرعاً على مَنْ ظهرت عليه أعراضُ “فيروس كورونا” وتحققت إصابتهُ به أن يخالط الناس، ويلزمه شرعاً أن يُعلن عن إصابته بفيروس كورونا” ويحرمُ كتمانُ ذلك، ويجب عليه شرعاً أن لا يرتاد المساجد، فلا يحضر صلاة الجماعة ولا الجمعة، ولا يسافر إلى الحج والعمرة، ولا يذهب إلى أي تجمعٍ للناس كالأعراس وبيوت العزاء وغيرها، لأنه سينقلُ المرضَ لغيره، ويتسببُ بضررٍ لغيره وهو محرمٌ شرعاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل بصلاً أو ثوماً عن الحضور إلى المسجد، لما في ذلك من إيذاءٍ للمصلين بالروائح الكريهة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّوم وَالْكُرَّاث فَلا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدمَ) رواه البخاري ومسلم .وفي رواية عند مسلم :(مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ- فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) .وفي رواية أخرى عند البخاري ومسلم 🙁 مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا أَوْ لَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:( لَقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَجَدَ ريحَهُمَا -البصل والثوم-مِنَ الرَّجُلِ فِي المَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلى الْبَقِيعِ) رواه البخاري ومسلم. ولا شك أن ضررَ “فيروس كورونا” أشدُّ وأخطرُ من أكل الثوم والبصل والكراث.

وروى مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى امرأةً مجذومةً تطوف بالبيت فقال لها: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ! فَجَلَسَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي، فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا) وغير ذلك من الأدلة التي ذكرتها في فتاوى العلماء.

وخلاصة الأمر أن من الثابت شرعياً وطبياً وجودُ العَدْوَى من المرض.

وأنه لا منافاة عند العلماء بين الأحاديث التي تنفي العَدْوَى، وبين الأحاديث التي تأمر باجتناب المرضى المصابين بأمراض خطيرة.

وأنه يمكن أن يُصاب الأشخاصُ بعَدْوَى مرضِ فيروس كورونا عن طريق الأشخاص الآخرين المصابين بالفيروس.

وأنه يجب أن يُعلم أن التزام المصابين بفيروس كورونا بإجراءات الوقائية والسلامة فرضٌ شرعيٌ، وكلُّ من يستهترُ ويستخفُ بذلك ويصرُّ على مخالطةِ الأصحاء فهو آثمٌ شرعاً.

وأنه ينبغي أن يُعلم أن ناقل فيروس كورونا للآخرين له حالان: إما أن يكون مستهتراً بإجراءات الوقاية، وإما أن يكون مخطئً، فأما المستهترُ بإجراءات الوقاية والمستخف بها، فقد يدخل عمله في دائرة العمد، وإذا ترتب على استهتاره نقلُ العَدْوَى لغيره مما أدى للوفاة، فلا شكَّ في حرمة ذلك، وأنه قد ارتكب جريمةً يجب أن يُعاقب عليها وأنه يتحملُ مسؤولية جرمه.

وأنه إذا تسببَ شخصٌ في نقل فيروس كورونا خطأً، كما لو أخطأ الطبيبُ أو أحدُ أفراد المهن الصحية، فتسبب في نقل فيروس كورونا إلى الانسان السليم، فإن ذلك يعتبر من باب الخطأ، بشرط أن يكون الطبيبُ أو أحدُ أفراد المهن الصحية قد راعى الأصول الصحية، ولم يحصل منه تعدٍ ولا تفريطٍ فلا ضمان عليه.

وأنه يحرمُ شرعاً على مَنْ ظهرت عليه أعراضُ “فيروس كورونا” وتحققت إصابتهُ به أن يخالط الناس، ويلزمه شرعاً أن يُعلن عن إصابته بفيروس كورونا” ويحرمُ كتمانُ ذلك، ويجب عليه شرعاً أن لا يرتاد المساجد، فلا يحضر صلاة الجماعة ولا الجمعة، ولا يسافر إلى الحج والعمرة، ولا يذهب إلى أي تجمعٍ للناس كالأعراس وبيوت العزاء وغيرها.

والله الهادي إلى سواء السبيل

(المصدر: شبكة يسألونك الإسلامية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى