مقالاتمقالات مختارة

نقد فكر محمد شحرور

نقد فكر محمد شحرور

بقلم عزيز محمد أبو خلف

من هو محمد شحرور؟ محمد شحرور مهندس مدني نال البكالوريوس من الاتحاد السوفييتي، والدكتوراه من ايرلندا، وشغل منصب استاذ الهندسة المدنية في جامعة دمشق. ألف عدة كتب انتقد فيها مفاهيم الكتاب والقرآن والإيمان والإسلام والكثير من الأحكام الفقهية المتداولة، وأورد آراء حولها زعم أنها جديدة. وكان ابتدأ تأليفه بكتاب: الكتاب والقرآن، قراءة معاصرة، وفيه تتركز معظم أفكاره. وسوف نعرض في هذه المقالة نقداً للخطوط العريضة لأفكار الكتاب المشار إليه، والتي تمثل الأساس الذي يقوم عليه فكر محمد شحرور.   التأويل معظم أفكار محمد شحرور قائمة على التأويل. يقول في الكتاب والقرآن ص 85: (الإبصار هو التأويل الحقيقي النهائي بعينه، أي تحويل الآية من علم إخباري إلى علم نظري يدعمه العلم الحسي فيما بعد، أو تحويل الآية مباشرة إلى علم حسي. هذه هي الناحية التي أغفلها المسلمون عند وضعهم لقواعد التأويل. فتأويل الآية هو مطابقتها مع الحقيقة الموضوعية (إبصارها)، أي مطابقتها مع العقل، واستنتاج قانون مجرد قابل للإبصار فيما بعد. لقد أدى إغفال هذه الناحية إلى دخول الفلسفة الصوفية في تأويل القرآن، فحولت العقيدة الإسلامية إلى الفكر الخرافي الوهمي). يقول شحرور بأن المسلمين أغفلوا هذه الطريقة في التأويل، وهذا يتضمن أنه رائد فيها. وهذا مخالف للواقع. فهو يجعل العقل هو المرجعية للنقل، وهذا ما فعله المتكلمون من قديم. ولا بد، في هذا التأويل، أن تتطابق الآيات مع العقل والعلم الحسي. وهذا يتضمن أن ننطلق من الحقائق العلمية إلى القرآن، فيكون العقل هو أصل النقل. والقول بالمطابقة يتضمن أن الحقيقة العلمية ثابتة ويقينية، وهذا مخالف لواقع العلوم والفلسفة. وهو نفسه يعترف بان الحقيقة نسبية وتعتمد على الأرضية المعرفية للناس. لقد أنكر الغزالي وابن تيمية وابن خلدون فكرة المطابقة في الحقائق، وذهب إلى ذلك الفيلسوف كانط من الفلسفة الحديثة، كما أن العلم التجريبي لم يعد يهتم بالحقيقة الثابتة، ويقوم على الظن والاحتمال ولا يعنيه اليقين. وهذا كاف لدحض فكرة التأويل التي ينادي بها شحرور. الكتاب والقرآن أكبر إنجازات شحرور هو في إعادة النظر في مفهوم الكتاب والقرآن. وتتخلص آراؤه في التفريق بين الكتاب والقرآن. وهو يرى أن الكتاب يتضمن القرآن؛ فالكتاب هو مجموعة كتب وهي كالتالي: الكتاب المحكم، وهو  أم الكتاب، وهو آيات الأحكام التي تشتمل على الحدود والعبادات والأخلاق والتعليمات، وهي مناط التقوى والسلوك. الكتاب المتشابه، وهو القرآن العظيم والمثاني، ويشتمل آيات خبرية أو علوم عن قوانين الوجود والتاريخ، وهي حقائق موضوعية، تخضع للبحث العلمي. وهذه الآيات قابلة للتأويل. لكن المثاني هي أوائل السور من الحروف التي جاءت مستقلة، وحروفها 11، وهو الحد الأدنى لحروف أي لغة في العالم. كتاب لا محكم ولا متشابه، وهو تفصيل الكتاب، وهو يتعلق بآيات في حقيقتها مطلقة، لكن فهمها نسبي، ويتجلى للناس بحسب أرضيتهم المعرفية. هذا الإنجاز الذي نادى به شحرور، هل هو جديد؟ لقد قسم السابقون آيات القرآن إلى شرعية وكونية، وحتى إرادة الله كانت شرعية وكونية، والآيات منها المتشابه ومنها المحكم. لكنه عكس الوضع فجعل الآيات القرآنية هي المعبرة عن قوانين الكون والوجود وحقائقه. وجعل هذه الآيات هي مجال الإعجاز العلمي. لكننا ندرك الآن مع تطور العلوم أن الحقائق لم تعد ثابتة، والعلم في تطور دائم، فلا يصح التباهي بالإعجاز العلمي والحالة هذه. إن الإعجاز الحقيقي للدين هو تطبيقه على أرض الواقع وبيان القيم العالمية والإنسانية التي يدعو إليها. العقل يقول شحرور في مقدمة كتابه ص 43: (الكون مادي والعقل الانساني قادر على إدراكه ومعرفته، ولا توجد حدود يتوقف العقل عندها. وكل ما في الكون مادي، ولا يعترف العلم بوجود عالم غير مادي يعجز العقل عن ادراكه). من الواضح أن شحرور لا يدرك ما توصلت إليه الفلسفة القديمة والحديثة، ولا سيما فلسفة العلوم المتعلقة بالعلم التجريبي. فالمفكرون المسلمون مثل الغزالي وابن تيمية، قالوا بحدود العقل والتصور، وأيدته الفلسفة الحديثة مع الفيلسوف كانط، الذي حصر البحث العلمي في الفينومين (الظواهر)، وأن العقل لا يبحث في النومين (الشيء في ذاته)؟ والعلم التجريبي يقوم على التجربة، لذا لا ينشغل بأي شيء لا يخضع للتجربة، كما أنه لم يعتد يهتم بالحقيقة الثابتة أو اليقين. ثم ما معنى أنه لا توجد حدود للعقل؟ هل لأن العقل غير محدود في قدراته، أم لأن المبحوث فيه أي الكون غير محدود؟ أما الكون فهو محدود بحسب النظرية النسبية. والغيب المادي يمكن أن يحيط به العقل، فتتحدد قدرات العقل.

(المصدر: طريق الإسلام)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى