اسم الكتاب: نقدُ الحديث بالعَرضِ على الوقائِع والمعلومات التاريخيَّة.
اسم المؤلف: الدكتور سلطان سند العكايلة.
عدد الصفحات: 171 صفحة.
الناشر: دار الفتح للدراسات والنشر- الأردن.
—
نبذة عن الكتاب:
من المعلومِ أنَّ هناك عَلاقةً وثيقةً بين عِلم الحديثِ وعِلم التَّاريخ، وأنَّ التَّاريخَ الإسلاميَّ ما نشأ إلَّا مِن آصِرة الحديثِ النَّبويِّ، ولا شَبَّ إلَّا تحت مظلَّتِه، بجهودِ أعلامِ هذه المدرسة المِعطاءة منذ وقتٍ مُبكِّر.
وهذا الكتاب محاولةٌ علميَّةٌ هادفة للتأصيلِ في ميدانِ نَقدِ الرِّوايات وتمييزِها عند التعارُضِ بتوظيفِ مِعيارِ التَّاريخ ومعلوماتِه الثَّابتة، وذلك بتناوُلِ مسألةٍ مهمَّة من مسائلِ مُشكِل الحديثِ، وهي: عرض الحديثِ سندًا ومتنًا على الثَّابت من وقائِع التَّاريخ ومعلوماتِه.
وقد اشتمل البحث بعد المقدِّمة على أربعةِ مباحثَ وخاتمة
ففي المبحث الأول تكلَّم المؤلِّف عن منهجيَّة نقْدِ الرِّوايات والمعارَضة بينها،
فتحدَّث فيه عن أثَرِ المُحدِّثين في تأسيسِ منهجِ النَّقد، وأن الله قيَّضَ للحديث النبويِّ جهابذةً، وأشار إلى أنَّ القرنينِ الثَّالثَ والرابعَ الهجريَّينِ شَهِدا حركةً منقطعةَ النَّظيرِ في بناءِ هذا المنهجِ النَّقدي وتطبيقِه، وأشار كذلك إلى أنَّ النَّقدَ أساسًا يُوَجَّه إلى السَّنَد الذي هو وسيلةٌ للوصولِ إلى المتنِ، وليس أقلَّ كُلفةً لِنقدِ المَتنِ أو نقْضِه من الطَّعنِ في إسنادِه؛ إذ السَّنَد هو المعتَمَد الذي يتَّكئُ عليه المتنُ، وما قيمةُ الغايةِ إذا كانت الوسيلةُ المُوصِلة إليها مُعطَّلةً؟
ثم ردَّ على مقولةٍ شاعت عن المُستشرقين تتلخَّص في اتِّهام المحدِّثين بعدم اعتنائِهم بنقدِ متون الأحاديثِ، أو كما يسمُّونه (النقد الداخلي) ومما ذكَرَه في الردِّ على هذه المقولة قولُ الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة في كتاب الفروسيَّة: (وقد عُلِمَ أنَّ صحَّة الإسناد شرطٌ من شروطِ صحَّة الحديث، وليست موجِبةً لصحَّته؛ فإنَّ الحديثَ إنَّما يصِحُّ بمجموعِ أمورٍ، منها: صحَّةُ سَنَده، وانتفاءُ علَّتِه، وعدمُ شُذوذه ونكارَتِه، وألَّا يكونَ راويه قد خالف الثِّقاتِ أو شذَّ عنهم).
وكذلك تكلَّم المؤلِّف عن أهميَّة معارَضةِ الرِّوايات في إثباتِ العدالة والضَّبط، والشُّروط اللازِم توفُّرها عند عَرْض الحديث على الوقائِع والمعلومات التاريخيَّة، والتي منها:
– أن يتَّصف من يعارِضُ الحديثَ بالتاريخِ بصفاتِ النَّاقد البصير بالحديثِ، وعُلومِه المنبثقةِ عنه، روايةً ودرايةً.
– أن يكونَ عارفًا بأسبابِ وُرودِ الحديثِ، وناسخِه ومنسوخِه، وعامِّه وخاصِّه، ومُطلَقِه ومقَيَّدِه، ونحو ذلك.
– أن يكونَ عارفًا بالتَّاريخ وأحداثِه ووقائِعه، ما ثبت منها أو ما كان مُنتحَلًا؛ كلُّ ذلك حتى لا يكونَ النَّقدُ جُزافًا أو اعتباطًا.
وأكَّد المؤلِّف على أنَّ تخلُّفَ هذه الشُّروط يؤدِّي إلى ظهورِ نموذجٍ مِن النقدِ غيرِ المؤسَّس على قواعدِ البحثِ العلميِّ.
كما أكَّد على أنَّه لا تعارُضَ أصلًا بين حديثٍ صحيحٍ مشتَمِلٍ على ما يدلُّ على زمَنِ وقوعِه، وبين معلومةٍ تاريخيَّةٍ ثابتةٍ، وإن حصل شيءٌ مِن التعارضِ بينهما، فمَرَدُّ ذلك إلى اختلافِ النَّظَر في توجيه الحديثِ، أو فَهمِ المعلومةِ التاريخيَّة.
ثم ذكر مثالًا تطبيقيًّا يوضِّحُ أهميَّةَ إجراءِ المقارنة لتَمييزِ الرِّوايات والتأكُّدِ مِن سلامةِ أداءِ النَّقَلة، ثم بيَّن بعد ذلك أهميَّة رسمِ شجرةِ أسانيدِ الحديثِ، وفائدة ذلك في عَقدِ المقارنةِ بين الرِّوايات بشكلٍ أدقَّ وأقربَ للصَّوابِ.
أما المبحث الثاني فكان تحت عنوان: (العلاقة بين عِلم الحديث وعِلم التاريخ)
وفيه تكلَّم عن أثرِ الحديثِ في تطوُّر الدِّراسات الإسلاميَّة في التَّاريخ، ومظاهرِ تأثيرِ عِلم الحديث في عِلم التاريخِ الإسلاميِّ، والتي منها:
اعتمادُ منهجِ الرِّواية بالأسانيدِ.
نشوءُ عِلم الرِّجال والتراجِم والطَّبقات.
اشتراطُ المؤرِّخين شروطًا محدَّدة في المؤرِّخ، وذلك بالإفادة مِن منهجِ المحَدِّثين في شروطِهم في راوي الحديثِ.
وكذلك مظاهِر تأثير التاريخ في عِلم الحديث، وأشار إلى أنَّ مدارَ البَحثِ أصلًا على هذا الأمرِ؛ إذ إنَّ مسألةَ عَرْض الحديثِ على الوقائِع التاريخيَّة، هي الترجمةُ الحقيقيَّة لمضمون أثَر التاريخِ في عِلم الحديثِ.
وأشار الباحثُ إلى أنَّ عِلم الرِّجال هو أهمُّ ما يؤكِّدُ الصِّلةَ بين عِلم الحديثِ وعِلم التاريخ، وأشار إلى أنَّ مظاهِرَ تأثيرِ التَّاريخ في عِلم الحديثِ في مجالِ السَّند يمكِنُ إجمالُها في أمورٍ؛ منها:
فضحُ الكذَّابينَ؛ حيث جعل النقَّادُ من أماراتِ الوَضْع أن يكون تاريخُ مَولِد الراوي بعد وفاةِ شَيخِه الذي ادَّعى منه السَّماع.
بيانُ ما في الإسنادِ مِن حالاتِ الانقطاعِ المُختلفة.
معرفةُ كونِ الرِّواية من طريقِ بَعض المختلِطينَ، مِن قديمِ حديثِه أو ضِدِّه.
معرفةُ المتَّفِق والمفتَرِق مِن أسماءِ الرواة وكُناهم، وغير ذلك من المظاهِر.
أمَّا في مجالِ المتنِ، فإنَّ للتَّاريخ أثرًا واضحًا في:
كشْفِ حالات التزويرِ في الوثائقِ والمكاتيبِ.
وفي معرفةِ النَّاسخ والمنسوخ من الأحاديثِ.
وفي معرفةِ أسبابِ النُّزولِ وغيرِ ذلك.
وتناول المؤلِّفُ في المبحث الثالث قواعِدَ عَرض الحديثِ على الوقائِع التاريخيَّة،
ومن القواعِدِ التي ذكَرَها:
إثباتُ صحَّة الواقعة التاريخيَّة إثباتًا يقينيًّا جازمًا.
شهرةُ المعلومةِ التاريخيَّة، وتلقِّي الأمَّة لها بالقَبولِ.
نقلُ الواقعةِ عن شاهد عِيانٍ مُشارِك في أحداثِها.
الواقعيَّة والمعقوليَّة في نقل الواقعة التاريخيَّة.
فصلُ الزيادة عن بقيَّة الحديثِ، حين وقوعِ التَّعارض مع الثَّابِت من التَّاريخ
وكان المبحث الرابع والأخيرُ حول نماذجَ مِن الأحاديث المعروضةِ على معلومات التَّاريخ ووقائِعه، فعَرَض للدِّراسة نماذِجَ مِن الصحيحينِ؛ منها:
ما جاء في رواية أبي الوقتِ والأصيلي لصحيحِ البخاري عن ابنِ عبَّاس: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال يومَ أحُدٍ: ((هذا جبريلُ آخِذٌ برأسِ فَرَسِه، عليه أداةُ الحَربِ)).
وذكر فيه قولَ ابنِ حَجرٍ أنَّ هذا وهمٌ من وجهينِ:
الأول: أنَّ هذا الحديثَ ورَد بسنَدِه ومَتنِه في صحيحِ البخاري نفسِه في باب (شهود الملائكة بدرًا)، وقال ابنُ حجر إنَّ هذا الحديث لم يذكُره أبو ذرٍّ ولا غيرُه من مُتقِني رُواةِ البخاري ولا استخرَجَه الإسماعيليُّ ولا أبو نُعيم.
الثاني: أنَّ المعروفَ في هذا المتنِ يوم بدْرٍ لا يوم أحُدٍ.
ومنها حديثُ الإسراءِ مِن طريق شريكِ بنِ عبد الله بن أبي نمرٍ في صحيحِ البخاري، والكلامُ على لفظة: ((قبل أن يُوحَى إليه)).
وحديث الإفك مِن رِواية حُصَين بن عبدِ الرَّحمن عن أبي وائلٍ عن مسروقٍ عن أم رومانَ، في صحيح البخاريِّ، والكلام على بعض المواضِع التي استشكَلَها العلماءُ
وكذلك ما رواه الإمام مسلمٌ في فضائل أبي سفيانَ، من حديث ابنِ عبَّاسٍ: ((كان المسلمونَ لا ينظرونَ إلى أبي سفيانَ …))
ثم ذكر نماذِجَ أخرى وقام بدراسَتِها كذلك.
ثم ختم المؤلِّفُ البحثَ وذكرَ بعضَ النتائج، والتي من أهمِّها:
أنَّ الحديثَ الشَّريفَ وثائِقُ نبويَّةٌ صانها علماؤنا جيلًا بعد جيلٍ وحَمَوها من كلِّ دسٍّ وتحريفٍ أو تلاعُبٍ وتزويرٍ وَفْقَ منهجيَّة عاليةٍ في النَّقد والتَّمحيص.
أنَّ وُجودَ المؤرِّخ المُسلم الجامِع بين عِلم التاريخِ وعِلم الحديثِ، والواعي لِما يجري من حولِه يُعَدُّ صِمامَ أمَّانٍ لحمايةِ تُراثِ هذه الأمَّة مِن تسلُّل قَلم عدوِّها إلى الوثائقِ التي تعبِّرُ في كثيرٍ مِن الأحيان عن إرادةِ هذه الأمَّة، وتعكِس صورةَ هُويَّتها.
أهميَّة الاعتناءِ بمسألة وضعِ قواعِد العلومِ قبل الخَوضِ في كليَّاتها أو جزئيَّاتها.
المصدر: الدرر السنية.