إعداد د. حميد العقرة
قال العلامة محمد البشيرالإبراهيمي رحمه الله:
(إنَّ علماءَ القرونِ المتأخّرةِ رَكِبتهم عادةٌ من الزَّهوِ الكاذبِ والدعوى الفارغة، فَجَرَّتهم إلى آدابٍ خصوصيةٍ، منها:
أنّهم يَلزَمون بيوتَهم أو مساجدَهم كما يلزمُ التاجرُ متجرَه، وينتظرون أن يأتيَهم النّاسُ فيُعلموهم، فإذا لم يأتهم أحدٌ تسخّطوا على الزمانِ وعلى النّاس.
ويتوكَّؤون في ذلك على كلمةٍ إن صدقتْ في زمان، فإنها لا تصدقُ في كلِّ زمان وهي:
[إنّ العلم يُؤتى ولا يأتي]
وإنّما تصدقُ هذه الكلمةُ في علمٍ غيرِ علمِ الدِّين،
وإنّما تصدقُ بالنسبة إليه في جيلٍ عرف قيمةَ العلمِ فهو يسعى إليه.
أما في زمننا وما قبله بقرون فإنّ التعليمَ والإرشادَ والتذكيرَ أصبحت :بابًا من أبواب الجهاد.
والجهادُ لا يكون في البيوت وزوايا المساجد،
وإنما يكون في (الميادين ) حيث يلتقي العدوُّ بالعدوِّ كفاحًا.
وقد قال لي بعض هؤلاء، وأنا أحاوره في هذا النوع من الجهاد، وأعتب عليه تقصيره فيه:
إن هذه الكلمة قالها مالك للرشيد.
فقلت له:
إن هذا قياس مع الفارق في الزمان والعالم والمتعلم،
أما زمانك هذا فإن هذه الخَلَّة منك ومن مشائخك ومشائخهم أدَّت بالإسلام إلى الضياع وبالمسلمين إلى الهلاك.
فالشبهات التي ترد على العوام لا تجد من يطردها عن عقولهم ما دام القسيسون والأحبار أقربَ إليهم منكم، وأكثرَ اختلاطًا بهم منكم، والأقاليم الإفرنجية تغزو كل يوم أبنائي وأبناءك بفتنةٍ لا يبقى معها إيمانٌ ولا إصلاحٌ.
ففي هذا الزمن يجب عليَّ وعليك، وعلى أفراد هذا الصنف:
أن نتَجَنَّد لدفع العوادي عن الإسلام والمسلمين، حتى يأتينا الناس، فإنهم لا يأتوننا وقد انصرفوا عنّا وليسوا براجعين.
وإذا كان المرابطون في الثغور يقفون أنفسهم لصدِّ الجنودِ العدوَّة المغيرة على الأوطان الإسلامية، فإن وظيفة العلماء المسلمين أن يقفوا أنفسهم لصدِّ المعاني العدوَّة المغيرة على الإسلام وعقائده وأحكامه، وهي أفْتكُ من الجنود؛ لأنها خفية المَسَارِب، غرَّارة الظواهر، سهلةُ المداخل إلى النفوس، تأتي في صورةِ الضيف فلا تلبث أن تطرد ربَّ الدار…).
? آثار محمد البشير الإبراهيمي 4/117
رحم الله العلامة الإبراهيمي جسد الداء وحدد الدواء.
(المصدر: هوية بريس)