مقالاتمقالات مختارة

نظرة قانونية في جريمة الاحتلال في حي الشيخ جرّاح

نظرة قانونية في جريمة الاحتلال في حي الشيخ جرّاح

بقلم حسان عمران

عادت قضية الشيخ جراح إلى الواجهة إثر قرار محكمة قضاء القدس الإسرائيلية بمنح مهلة لغاية شهر أغسطس/آب لعدد من العائلات الفلسطينية لإخلاء منازلهم ،بحجة أن ملكية الأراضي المقامة عليها تعود للجنة اليهود السفرديم الاستيطانية.

أثار هذا القرار هبة فلسطينية وسلسلة مظاهرات ما تزال مستمرة، وردود فعل من عدة جهات أدانت القرار وتنفيذه من قبل جهاز الشرطة الإسرائيلي. وأعلن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم أن حكومته قامت بإحالة قضية الشيخ جراح إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أعلنت مطلع هذا العام عن فتحها لتحقيق في الجرائم الجارية على الأراضي الفلسطينية والتي تقع ضمن اختصاص المحكمة.

جريمة الشيخ جراح

في عام 1956 قامت المملكة الأردنية بنقل عدد من العائلات المهجّرة بعد نكبة عام 1948 إلى حي الشيخ جراح شرقي القدس إثر اتفاقية وقعتها مع وكالة الأونروا، يجري بمقتضاها إسقاط صفة اللجوء عن هذه العوائل مقابل أن يتملّكوا المنازل الجديدة التي انتقلوا إليها بعد انقضاء ثلاث سنوات على إقامتهم فيها.

وبعد سقوط الضفة الغربية بيد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، صرح وزير العدل الإسرائيلي بما معناه أن الاتفاقية بين الأردن والأونروا سيتم احترامها من قبل حكومة الاحتلال الإسرائيلية.

إلا أن مجموعة من اليهود السفرديم، تحت مظلة لجنة اليهود السفرديم ولجنة يسرائيل في الكنيست، قامت عام 1972 بالتوجه إلى المحكمة العليا الإسرائيلية والادعاء، عبر وثائق عثمانية مزعومة، بأنهم قاموا بشراء أراضي الشيخ جراح من أهلها أيام الحكم العثماني.

وفي عام 1982 طلبوا من سكان الشيخ جراح دفع أجور مقابل بقائهم في منازلهم، وحكمت المحكمة العليا لهم آنذاك. واستمرت المناوشات بين سكان الحي ولجنة اليهود السفرديم الاستيطانية إلى حين إصدار محكمة قضاء القدس الإسرائيلية قراراً في مصلحة لجنة اليهود السفرديم يقضي بأحقيتهم بالأرض، على أن يبقى السكان الفلسطينيون في منازلهم ما داموا التزموا بدفع الأجور، وبطبيعة الحال رفضت تلك العوائل ذلك ممَّا أدى إلى ترحيلها وإخراجهم من منازلهم.

وفي عام 2009 بعد ذهابهم إلى أنقرة، تمكن محامو العوائل الفلسطينية من الحصول على وثائق عثمانية تنفي مزاعم لجنة اليهود السفرديم وصحة وثائقهم، وتثبت ملكية الأراضي للفلسطينيين، وتؤكد أن اليهود السفرديم قاموا بمجرد استئجار تلك البيوت لا شرائها، إلا أن المحكمة رفضت قبول الوثائق بحجة “أنها وصلت متأخرة”.

وعادت القضية إلى الواجهة مؤخراً إثر قرار محكمة قضاء القدس يوم الأحد الماضي 2 مايو/أيار 2021 بإعطاء عدد من العوائل الفلسطينية مهلة لغاية شهر أغسطس/آب من نفس هذا العام لإخلاء منازلهم.

وتكمن خطورة هذا القرار في عدة أبعاد قانونية وجيوسياسية. فعلى الصعيد الجغرافي، يقع حي الشيخ جراح بالقرب من البلدة القديمة في القدس (وكلاهما يقع في منطقة J1 حسب التقسيم الإسرائيلي للمدينة)، ممَّا يهدد بتغير محيط البلدة القديمة ديمغرافياً، وتقطيع أوصال القرى والحارات الفلسطينية بزرع بؤر استيطانية إسرائيلية بينها.

أما على الصعيد القانوني، فينبغي الإشارة إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي قامت عام 1982 بضم القدس الشرقية بقرار من الكنيست إلى السيادة الإسرائيلية، ممَّا يعني خضوعها للسلطة القضائية الإسرائيلية، وهذا انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع القوة القائمة بالاحتلال من ضم أي أراضٍ تابعة للإقليم الذي تحتله، أو من نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها.

وهذا القرار يأتي في إطار مأسسة هذه الانتهاكات قانونياً، وإنشاء سوابق قضائية سيكون لها ما بعدها ضد الفلسطينيين عموماً وسكان القدس تحديداً.

سبق أن قام كاتب هذه السطور بالإشارة إلى دور المحكمة العليا الإسرائيلية في جريمة الفصل العنصري، وتأطير نظام الأبارثايد الإسرائيلي قانونياً، ولكن بصور ملتوية توهم بأن إسرائيل دولة قانون ومؤسسات نظرياً، إلا أن هذا الدور لا يخفى على المطلع في كونه جزءاً عضوياً من منظومة الأبارثايد.

وفي سياق قضية الشيخ جراح، لنفترض على سبيل الرياضة العقلية أن للمحكمة العليا الإسرائيلية الحق في البت في هذه المسألة، وأن الأوراق التي قدمتها لجنة اليهود السفرديم صحيحة، فلماذا لم تقبل إعادة النظر في القضية بعد وصول وثائق عثمانية تعتبر “أدلة جوهرية” مناقضة للوثائق التي اعتمدت عليها المحكمة في قرارها؟

وهل المحكمة مستعدة لقبول وثائق عثمانية أو بريطانية تثبت ملكية أراضٍ محتلة عام 1948 للفلسطينيين (وهي كثيرة ومتوفرة)؟ وهل ستقضي لأصحاب الوثائق بالعودة والتعويض؟ من المؤسف أن الجواب معروف سلفاً، وهو “لا” لجميع ما ذُكر. فالقضاء الإسرائيلي جزء عضوي من منظومة الفصل العنصري الإسرائيلي.

جريمة الأبارثايد

إن ما يجري في الشيخ جراح وفي فلسطين المحتلة عموماً يرقى إلى جريمة الأبارثايد، التي مورست سابقاً من قبل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ضد السكان السود الأصليين. بل لعل ما يجري في فلسطين أخطر، ففي جنوب إفريقيا كان الهدف إخضاع الأقلية الإفريقية السوداء وجعلها في خدمة الأقلية البيضاء المهاجرة، بينما ما يجري في فلسطين هو تهجير قسري مباشر وغير مباشر للسكان الأصليين، وإخضاع لمن عجزت إسرائيل عن تهجيره، فإسرائيل دولة احتلال في آخر المطاف.

ولم يعد وصف إسرائيل بدولة الأبرثايد مجرد “ادعاء فلسطيني”، ويوماً بعد يوم نشهد اعترافاً دولياً متزايداً بذلك.

ففي عام 2001 في المؤتمر الدولي ضد العنصرية (المعروف اختصاراً بدربن 1) قرن الحاضرون الصهيونية بالعنصرية (وقد سبقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك سابقاً، إلا أنه تم سحب القرار إثر اشتراط الطرف الإسرائيلي ذلك في محادثات مدريد السابقة لتفاهمات أوسلو).

وفي عام 2007 أكد المقرر الخاص للأمم المتحدة لفلسطين جون دوغارد أن هناك ما يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي مارس الاستعمار والأبارثايد ضد السكان الأصليين الفلسطينيين.

وبعدها صدر تقرير مفصل عن أكبر المعاهد في جنوب إفريقيا بشرح طبيعة النظام الاستعماري الإسرائيلي وكيفية ممارسته للأبارثايد. وعام 2017 صدر تقرير من لجنة الإسكوا التابعة للأمم المتحدة يؤكد قيام إسرائيل بتأسيس نظام فصل عنصري ضد الفلسطينيين، إلا أنه سُحب بعد ضغوط أمريكية وإسرائيلية على الأمين العام للأمم المتحدة. ومؤخراً صدر تقريران عن مؤسستي “يش دين” و”بيت سيلم” الحقوقيتين الإسرائيليتين يؤكدان ذلك. وفي أبريل/نيسان من هذا العام قامت منظمة هيومان رايتس ووتش بإصدار تقرير يؤكد نفس الخلاصة.

دور المحكمة الجنائية والمحاكم الوطنية

إن ما يجري في الشيخ جراح يمثل عدة جرائم تخضع لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، وبناء على هذا قامت الحكومة الفلسطينية بإرسال رسالة إلى المدعي العام للمحكمة لطلب تضمين قضية الشيخ جراح في التحقيق الذي أعلنت عنه المحكمة.

ويعتبر الاستيطان (وهو أحد أبعاد القضية) أمراً مرفوضاً في الدول الأوروبية التي تعترف بسلطة القانون الدولي، ممَّا يتيح فكرة مقاضاة الشركات التي تعمل في المستوطنات (ومنها ما سيقام على أراضي الشيخ جراح) في المحاكم الوطنية الأوروبية.

لقد اعتادت الأذن الفلسطينية على سماع سلسلة لا تنتهي من الجرائم الإسرائيلية، إلا أن هذه الجريمة لا ينبغي أن تمر كما مرت سوابق كثيرة، ويمتلك الفلسطينيون رغم عزلتهم السياسية أوراقاً تمكنهم من إبقاء القضية حية على أقل تقدير.

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى