مقالاتمقالات مختارة

نظرات وعبرات | المُطبّعون الجدد: (٥) شروط النجاح

نظرات وعبرات | المُطبّعون الجدد: (٥) شروط النجاح

بقلم محمود عبد الهادي

هل سيُكتب النجاح لمشروع الشرق الأوسط الجديد، ويتحقق الحلم الصهيوني التاريخي بالهيمنة على المنطقة العربية؟ ما الشروط التي تضمن هذا النجاح؟ وهل هي قابلة للتحقق والاستمرار؟ ما التحديات التي تعترض المشروع؟ وكيف سيتم التغلب عليها؟ وأخيرا، هل تستسلم القوى العربية الوطنية والقومية والإسلامية الرافضة لهذا المشروع تحت القمع والتهديد؟ أم ستواصل مقاومتها؟ ما سبل المقاومة؟ وهل ستقدر على الصمود؟

 

يخشى الكيان الصهيوني الديمقراطية في الدول العربية، ويخشى حرية التعبير وحرية التشكيل السياسي والاجتماعي والمدني والديني فيها، لأن الديمقراطية لن تأتي إلا بأعداء (إسرائيل)

 

بذل الكيان الصهيوني (إسرائيل) على مدى العقود الثلاثة الماضية جهودا حثيثة، استخدم فيها العديد من الوسائل والآليات التي عرضنا لها في المقال السابق، من أجل توفير الشروط الملائمة لإحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد، وكان على رأس هذه الشروط ما يأتي:

1. تأمين حدود دولة الكيان الصهيوني

تشهد حدود دولة الكيان الصهيوني حاليا استقرارا أمنيا لم تشهده من قبل، تقوم عليه الدول العربية الموقّعة معه على اتفاقيات تفصيلية تنص على ذلك، وتعطي الكيان الصهيوني الحق في نقضها عند حدوث أي خروقات أمنية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع هذه الخروقات، فالحدود الشرقية يقوم الأردن على تأمينها، والحدود الشمالية تقوم على تأمينها قوات الأمم المتحدة، والحدود الجنوبية تقوم على تأمينها مصر، أما داخليا فالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قطاع غزة ملتزمتان كذلك بتأمين خطوط التماس الداخلية مع الكيان الصهيوني من الشرق ومن الجنوب الغربي، حفاظا على مكتسباتهما السياسية، وتأقلما مع الظروف شديدة القسوة التي تمر بها القضية الفلسطينية في هذه المرحلة على كافة الأصعدة والمستويات. أما الحدود مع سوريا فهي بانتظار الحل النهائي للأزمة السورية الداخلية.

2. تعزيز التفوق النوعي لدولة الكيان الصهيوني على سائر دول المنطقة

لن يتخلى الكيان الصهيوني عن التفوق النوعي على الدول العربية في كافة مجالات:

  •  سياسيا: النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة.
  • عسكريا: ليس فقط بامتلاك السلاح النووي، بل بالتعهد الأميركي الكامل بحماية الكيان الصهيوني، والتعهد بالتفوق العسكري الدائم على الدول مجتمعة.
  • أمنيا: بما لديه من شبكات خاصة وحليفة متغلغلة في دول العالم والمنطقة، وقدرات تكنولوجية عالية، وتعاون أمني وثيق مع الدول الكبرى في العالم.
  • تكنولوجيا: فهو يتفوق بلا منازع على كافة دول المنطقة في البرمجيات والاتصالات، بل يعتبر الكيان الصهيوني من أكثر الدول تقدما في هذا المجال.
  • اقتصاديا: الكيان الصهيوني لا يعاني من مشكلات اقتصادية، وليس بحاجة إلى المال الخليجي، كما هو شائع، الوكالة اليهودية والولايات المتحدة متكفلتان بمساعدته على تجاوز أية مشكلات مالية قد يواجهها في أي وقت من الأوقات.

هذا التفوق يجعل الكيان الصهيوني ليس بحاجة إلى الدول العربية لدعمه ومساعدته على حل أزماته وتطوير واقعه وتحسين صورته، بل على النقيض من ذلك، فإن الدول العربية هي التي تحتاج إلى الكيان الصهيوني لمساعدتها في المجالات المختلفة. ومن البديهي أن يمكّن هذا التفوق الكيان الصهيوني من السبق والريادة والقيادة فيما سيتم طرحه من مشروعات ضخمة ينتظرها الشرق الأوسط الجديد.

3. القضاء على الإسلام السياسي، وصناعة النموذج الديني البديل

وقد ترتب على هذا الشرط أمران:

الأول: إعداد قائمة بالجماعات والحركات الإسلامية السياسية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، والتي ترفض فكرة التصالح مع الكيان الصهيوني جملة وتفصيلا، وتصنيفها جماعات إرهابية، وتجريم الانتماء لها أو التعاون معها أو الاتصال بها. ووضع خطة توعوية واسعة على مستوى الدولة للتحذير من هذه الجماعات، وتوضيح خطرها على الأمن والاستقرار، بما في ذلك استغلال خطب الجمعة والإعلام والمناهج الدراسية والورش والمحاضرات وإقالة العلماء والدعاة والأئمة والخطباء الذين يشتبه في اختلاط الفكر الشرعي لديهم بالفكر السياسي. وقد تبنى ذلك بشكل واضح وصريح عدد من الدول العربية، في حين تقوم دول أخرى بهذه الإجراءات بصورة تدريجية، ودون صخب.

الثاني: تقديم النموذج الديني البديل تحت مسمى (الإسلام الوسطي) وتدريب الأئمة والخطباء والدعاة عليه، وتبنيه من أعلى المؤسسات الدينية والشرعية في الدولة، ويعمل هذا النموذج على إعادة تنظيم الفهم لدى جموع المواطنين، في ثلاثة جوانب أساسية، هي:

– عدم التدخل في السياسة، لأن هذا من شأن سلطة ولي الأمر ومسؤولياته وصلاحياته، وهو أهل للقيام بهذا الدور، والخوض فيه من شأنه زعزعة الاستقرار.

– السمع والطاعة لولي الأمر في كافة القرارات التي يتخذها والأعمال التي يقوم بها، وأن من يخرج عن السمع والطاعة يأثم ويخالف قواعد الدين الإسلامي الحنيف، وأحكام القانون.

– قبول التيارات الفكرية والثقافية الوافدة من باب الانفتاح على الآخر والتنوع وحرية الاختيار وتمازج الثقافات ومحاربة التمييز العرقي والديني واللوني والجنسي.. وهو ما نصت عليه بشكل واضح وثيقة “اتفاقيات إبراهيم”، التي شرعت بعض الدول بتنفيذها باندفاع شديد.

4. وجود أنظمة عربية حاكمة شمولية قوية

هذا المشروع يحتاج إلى شركاء أقوياء، قادرين على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه مع الكيان الصهيوني، والدخول معه في عملية تطبيع حقيقية في كافة المجالات، وفرضها على الشعب ومؤسساته السياسية والدينية والتعليمية والمدنية، وعدم السماح بمعارضتها، ليس هذا فحسب، بل شركاء يتّسمون بالثبات والاستقرار والاستمرارية، بحيث لا يتم نقض هذه الاتفاقيات، أو إيقاف التطبيع عند تغير نظام الحكم. أما لماذا أنظمة حكم شمولية، لأن الكيان الصهيوني يخشى الديمقراطية في الدول العربية، ويخشى حرية التعبير وحرية التشكيل السياسي والاجتماعي والمدني والديني فيها، لأن الديمقراطية لن تأتي إلا بأعداء (إسرائيل) على حد قول الرئيس السابق للكيان الصهيوني شمعون بيريز.

هذا النوع من الأنظمة الشمولية القائمة على الاستبداد والفساد يسمح للكيان الصهيوني بالتغلغل والاختراق، على نحو ما عرضنا له في مقالنا الأول من هذه السلسلة تحت عنوان “الخبرات المُرّة”.

5. الضمانة الأميركية

لا بد من وجود الشريك الخارجي القوي القابض على خيوط التحكم السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والتكنولوجية مع الدول الشريكة للكيان الصهيوني في هذا المشروع، هذا الشريك هو الولايات المتحدة الأميركية، الحليف الأكبر للكيان الصهيوني، الملتزم برعايته وتوفير احتياجاته والدفاع عنه. ويكفي الكيان الصهيوني شراكة الولايات المتحدة الأميركية، فهي تغنيه عن بقية الشركاء. وسنشهد في الأشهر القليلة القادمة مواصلة الإدارة الأميركية الحالية ما بدأته الإدارة السابقة في توسيع دائرة الدول الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم”.

تحققت هذه الشروط الخمسة، وانطلقت الدفعة الأولى من الدول العربية في توقيع اتفاقيات تحقيق الحلم الصهيوني الكبير، وربما نشهد قريبا إطلاق الدفعة الثانية من الدول العربية ضمن موجة التطبيع الرابعة للتوقيع مع الكيان الصهيوني، والتي قد تضم بقية دول مجلس التعاون الخليجي ودولا أخرى مثل موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر، وذلك قبل انطلاق مونديال كأس العالم لكرة القدم في قطر نهاية العام القادم على أبعد تقدير.

فهل ستسير الأمور قدما على النحو الذي يأمله الكيان الصهيوني وشركاه لتأسيس الشرق الأوسط الجديد وقيادته والتحكم في قواعده؟ أم إن هناك تحديات إقليمية ودولية كبرى لا بد من التعامل معها حتى لا تعيق تنفيذ المشروع كما حدث سابقا قبل 30 عاما؟ وهل سيتمكن من التغلب على هذه التحديات؟ ما التوقعات المحتملة في ضوء ذلك؟ (يتبع).

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى