نصيحة لطلاب العلم
بقلم أحمد محمد القطوري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فيا إخواني الطلاب، هذه نصيحتي أقدمها إليكم، وأنت تتلقون العلم، لا تحتقروا أنفسكم، فأمتكم أمة المواهب، فلقد فتح مصعب بن عمير المدينة بالقرآن، وتعلم زيد بن ثابت لغة اليهود، وهو صغير.
وقال ابن عباس (رضي الله عنهما): “توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم”. البخاري (5035).
وروي أن سفيان بن عيينة حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين”.( إرشاد الساري، القسطلاني:7/474)
ولقد تسابق الصحابة (رضوان الله عليهم)، والعلماء من بعدهم في تعلم العلم، ونشره، ولقد جاء الدور عليكم؛ فوجهوا جهودكم لخدمة الاسلام، ونفع المسلمين، والعمل بشريعة الله –عز وجل-، واجتثاث البدع، والأباطيل من أذهان مؤلفيها، والعاملين بها، وعليكم باحترام العلماء، وتوقيرهم، فقد تواضع موسى-عليه السلام، للخضر عندما رحل إلى مجمع البحرين؛ ليتعلم منه، فقال له موسى: ﱡ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﱠ ، وأراد زيد بن ثابت أن يركب فوضع رجله في الركاب فأمسك له ابن عباس (رضي الله عنهم)، فقال: “تنح يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-“، فقال: “إنا هكذا نصنع بالعلماء”. ينظر: (معرفة الصحابة، أبو نعيم: 2907).
ابتعدوا عن التعصب، والمذهبية؛ فما جاءت الدعوة لدولة ولا لقرية، ولا لأصحاب طريقة، ولا لأصحاب مذهب، ولكن للبشرية كلها، قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
فأنتم لا تتعلمون العلم لكي تخدموا دولتكم فحسب، ولكن لتنقلوا العلم للعالم بأكمله؛ فقد كان الصحابة (رضوان الله عليهم) يحرصون على نشر العلم، وتبليغه للأمة كلها، وتفرقوا في الأمصار؛ ليبلغوا الأمة عملا بقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، “بلغوا عني ولو آية”. البخاري (3461).
والسير في طريق العلم يحتاج إلى الصبر، فلما طلب موسى-عليه السلام- من الخضر أن يتبعه، قائلا: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} اعترض الخضر عليه، قائلا له: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} فما كان من موسى-عليه السلام- إلا أن قَالَ {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}.
وأمر الله- عز وجل-، رسوله-صلى الله عليه وسلم- بالصبر مع أهل العلم، فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).
فيا إخواني الطلاب: يا ورثة الأنبياء، يا بناة الأجيال القادمة: أنتم تحت المجهر، كل كلمة أو تصرف يصدر منكم يتابعه الآخرون بعين النقد تارة، وبالاستهزاء تارة أخرى؛ فكونوا على قدر المسؤولية، وعليكم بالجد والاجتهاد في طلب العلم، والدعوة تحتاج إليكم، وأنتم تنتسبون إلى أمة متميزة في كل شيء، فماذا أنتم فاعلون لكي تساهموا في تضميد جراحها.
إن الإنجاز الذي نرجوه ممكن تحقيقه، إذا وضعنا قدوتنا أمامنا، والله- عز وجل-، يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، وإذا علمنا أننا ليس لنا في الآخرين اقتداء.
وستظل القدوة في حياتنا وساما إن لم نحول هذه الكلمة إلى منهج عملي في التلقي، والاتباع، في الهيئة، والمنهج، والسلوك.
المصدر: موقع بصائر