نشأة القوميَّة في مجتمع بني إسرائيل بين الكتاب المقدَّس والقرآن الكريم 5 من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
عودة بني إسرائيل من السَّبي البابلي ومرحلة جديدة في حياتهم الدّينيَّة
أمر كورش، ملك فارس، بعودة بني إسرائيل إلى الأرض المقدَّسة، بعد غربتهم عنها لما يقارب 40 عامًا، بل وببناء بيت للرَّب “الإِلهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ”، امتثالًا لما أمره به “الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ“، كما صرَّح بقوله “جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا” (سفر عزرا: إصحاح 1، آية 3). في تصريح كورش ذلك اعتراف منه بربوبيَّة إله إسرائيل، الذي يعتبره هو ذاته “الرَّبُّ إِلهُ السَّمَاءِ“، فهل يعني ذلك تخلّي عقيدة بني إسرائيل بعد السَّبي البابلي عن العنصريَّة والنَّزعة القوميَّة في تميُّزها بإلهها الخاص، أم أنَّ عقيدة بني إسرائيل عُدّلت بما يتَّفق مع مفهوم الألوهيَّة عند ملك فارس؟ يُكشف عن ذلك لاحقًا. يحرص كورش على إمداد بيت الرَّبّ، أو الهيكل، بكافَّة المستلزمات، ويأمر بتوفير ما يلزم إعادة البناء “فَلْيُنْجِدْهُ أَهْلُ مَكَانِهِ بِفِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ مَعَ التَّبَرُّعِ لِبَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ” (سفر عزرا: إصحاح 1، آية 4). وما كان من الشَّعب بعد عودته إلى الأرض المقدَّسة إلَّا أن “اجْتَمَعَ…كَرَجُل وَاحِد… وَقَامَ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ وَإِخْوَتُهُ الْكَهَنَةُ، وَزَرُبَّابِلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَإِخْوَتُهُ، وَبَنَوْا مَذْبَحَ إِلهِ إِسْرَائِيلَ لِيُصْعِدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى رَجُلِ اللهِ. وَأَقَامُوا الْمَذْبَحَ فِي مَكَانِهِ” (سفر عزرا: إصحاح 3، آيات 1-3).
في تلك المرحلة، يظهر على السَّاحة عَزْرَا بْنُ سَرَايَا، وهو “كَاتِبٌ مَاهِرٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَعْطَاهَا الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ”، ينتسب إلى سلالة الكهنة من سبط لاوي، وهو موفد من مَلك فارس إلى الأرض المقدَّسة للإشراف على إعادة بناء الهيكل، وكذلك إعادة كتابة أسفار الشَّريعة، بعد أم فُقدت خلال الاجتياح البابلي لأورشليم وتدمير الهيكل الأوَّل. يصعد عزرا إلى بيت الرَّبّ ومعه كهنة بني إسرائيل، لتدشين مرحلة جديدة في العبادة، بعد الآثام التي اقترفها أسلافهم، والتي أدَّت إلى تعرُّضهم “لِلسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَخِزْيِ الْوُجُوهِ”. قد يكون أقرب تخمين لماهيَّة الآثام التي استوجبت الكفَّارة من بني إسرائيل أن تكون عبادتهم الأوثان وشِركهم بربّهم وإدخال طقوس الأمم الوثنيَّة على عقيدتهم. غير أنَّ أوَّل ما خطر على بال شيوخ بني إسرائيل هو إدانة تدنيس سلالتهم المقدَّسة بالتَّزاوج مع الأمم الأخرى؛ فاختلط الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي“، يتَّضح ذلك في “لَمْ يَنْفَصِلْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي حَسَبَ رَجَاسَاتِهِمْ، مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ وَالْعَمُّونِيِّينَ وَالْمُوآبِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ. لأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ، وَاخْتَلَطَ الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي. وَكَانَتْ يَدُ الرُّؤَسَاءِ وَالْوُلاَةِ فِي هذِهِ الْخِيَانَةِ أَوَّلًا” (سفر عزرا: إصحاح 9، آيتان 1-2).
يعزف عزرا في دعائه على الوتر نفسه، فيقول “مُنْذُ أَيَّامِ آبَائِنَا نَحْنُ فِي إِثْمٍ عَظِيمٍ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. وَلأَجْلِ ذُنُوبِنَا قَدْ دُفِعْنَا نَحْنُ وَمُلُوكُنَا وَكَهَنَتُنَا لِيَدِ مُلُوكِ الأَرَاضِي لِلسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَخِزْيِ الْوُجُوهِ كَهذَا الْيَوْمِ… وَالآنَ، فَمَاذَا نَقُولُ يَا إِلهَنَا بَعْدَ هذَا؟ لأَنَّنَا قَدْ تَرَكْنَا وَصَايَاكَ. الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ قَائِلًا: إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي تَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا هِيَ أَرْضٌ مُتَنَجِّسَةٌ بِنَجَاسَةِ شُعُوبِ الأَرَاضِي، بِرَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي مَلأُوهَا بِهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ بِنَجَاسَتِهِمْ” (سفر عزرا: إصحاح 9، آيات 7-11). يوصي عزرا شعب إسرائيل في ذلك الاجتماع بالامتناع مستقبلًا عن التَّزاوج مع الأمم الأخرى “الآنَ فَلاَ تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِبَنِيهِمْ وَلاَ تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا سَلاَمَتَهُمْ وَخَيْرَهُمْ إِلَى الأَبَدِ لِكَيْ تَتَشَدَّدُوا وَتَأْكُلُوا خَيْرَ الأَرْضِ وَتُورِثُوا بَنِيكُمْ إِيَّاهَا إِلَى الأَبَدِ” (سفر عزرا: إصحاح 9، آية 12). تأثُّرًا بوصيَّة عزرا، يقترح أحد المجتمعين من بني إسرائيل تسريح النّساء الغريبات “مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ”، وذلك “حَسَبَ مَشُورَةِ” عزرا الكاتب، كما ورد في “أَجَابَ شَكَنْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ مِنْ بَنِي عِيلاَمَ وَقَالَ لِعَزْرَا: «إِنَّنَا قَدْ خُنَّا إِلهَنَا وَاتَّخَذْنَا نِسَاءً غَرِيبَةً مِنْ شُعُوبِ الأَرْضِ. وَلكِنِ الآنَ يُوجَدُ رَجَاءٌ لإِسْرَائِيلَ فِي هذَا. فَلْنَقْطَعِ الآنَ عَهْدًا مَعَ إِلهِنَا أَنْ نُخْرِجَ كُلَّ النِّسَاءِ وَالَّذِينَ وُلِدُوا مِنْهُنَّ، حَسَبَ مَشُورَةِ سَيِّدِي، وَالَّذِينَ يَخْشَوْنَ وَصِيَّةَ إِلهِنَا، وَلْيُعْمَلْ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ. قُمْ فَإِنَّ عَلَيْكَ الأَمْرَ وَنَحْنُ مَعَكَ. تَشَجَّعْ وَافْعَلْ». فَقَامَ عَزْرَا وَاسْتَحْلَفَ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هذَا الأَمْرِ، فَحَلَفُوا” (سفر عزرا: إصحاح 10، آيات 2-5).
ثورة دينيَّة تعيد تأسيس مملكة يهوذا
منذ تدمير نبوخذناصَّر مملكة يهودا واقتياده زعامات بني إسرائيل إلى السَّبي البابلي عام 587 ق.م.، لم تتأسَّس لبني إسرائيل في الأرض المقدَّسة دولة قوميَّة جديدة، حتَّى عام 140 ق.م.، حينما استقلَّت السُّلالة الحشمونيَّة (حشمونائيم)، أو المكابيَّة، عن الإمبراطوريَّة السَّلوقيَّة الإغريقيَّة، واستقرَّت أمورها لما يقارب 77 عامًا. لم يختلف حال بني إسرائيل زمن الاجتياح السَّلوقي لأورشليم عن حال أسلافهم زمني القُضاة والملوك؛ فقد شاعت فيهم الفاحشة، وحادوا عن الشَّريعة، وعبدوا آلهة وثنيَّة، إرضاءً للمحتل السَّلوقي، كما يُذكر في “كَتَبَ الْمَلِكُ أَنْطِيُوكُسُ إِلَى مَمْلَكَتِهِ كُلِّهَا بِأَنْ يَكُونُوا جَمِيعُهُمْ شَعْباً وَاحِداً، وَيَتْرُكُوا كُلُّ وَاحِدٍ سُنَنَهُ. فَأَذْعَنَتِ الأُمَمُ بِأَسْرِهَا لِكَلاَمِ الْمَلِكِ. وَكَثِيرُونَ مِنْ إِسْرَائِيلَ ارْتَضَوْا دِينَهُ، وَذَبَحُوا لِلأَصْنَامِ، وَدَنَّسُوا السَّبْتَ. وَأَنْفَذَ الْمَلِكُ كُتُباً عَلَى أَيْدِي رُسُلٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَمُدُنِ يَهُوذَا، أَنْ يَتْبَعُوا سُنَنَ الأَجَانِبِ فِي الأَرْضِ. وَيَمْتَنِعُوا عَنِ الْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبِيحَةِ وَالسَّكِيبِ فِي الْمَقْدِسِ. وَيُدَنِّسُوا السُّبُوتَ وَالأَعْيَادَ. وَيُنَجِّسُوا الْمَقَادِسَ وَالْقِدِّيسِينَ. وَيَبْتَنُوا مَذَابِحَ وَهَيَاكِلَ وَمَعَابِدَ لِلأَصْنَامِ وَيَذْبَحُوا الْخَنَازِيرَ وَالْحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةَ. وَيَتْرُكُوا بَنِيهِمْ قُلْفاً، وَيُقَذِّرُوا نُفُوسَهُمْ بِكُلِّ نَجَاسَةٍ وَرِجْسٍ، حَتَّى يَنْسَوُا الشَّرِيعَةَ وَيُغَيِّرُوا جَمِيعَ الأَحْكَامِ. وَمَنْ لاَ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى كَلاَمِ الْمَلِكِ يُقْتَلْ” (سفر المكابيين الأوَّل: إصحاح 1، آيات 43-52).
من مظاهر الانحراف الدّيني المذكورة اتّباع “سُنَنَ الأَجَانِبِ فِي الأَرْضِ“، وعدم إحياء الشَّعائر المتوارثة بالامتناع عن “الْمُحْرَقَاتِ وَالذَّبِيحَةِ وَالسَّكِيبِ فِي الْمَقْدِسِ”، وإدخال البدع والمحدثات بأن “يَبْتَنُوا مَذَابِحَ وَهَيَاكِلَ وَمَعَابِدَ لِلأَصْنَامِ وَيَذْبَحُوا الْخَنَازِيرَ وَالْحَيَوَانَاتِ النَّجِسَةَ”. كانت تلك خطَّة من تدبير المحتلّ الوثني لتحريف دين بني إسرائيل؛ لكي “يَنْسَوُا الشَّرِيعَةَ وَيُغَيِّرُوا جَمِيعَ الأَحْكَامِ“. ووصل الأمر إلى حدّ حرْق ما يُعثر عليه من أسفار الشَّريعة وقتْل من يحتفظ بنسخ منها “مَا وَجَدُوهُ مِنْ أَسْفَارِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقُوهُ وَأَحْرَقُوهُ بِالنَّارِ. وَكُلُّ مَنْ وُجِدَ عِنْدَهُ سِفْرٌ مِنَ الْعَهْدِ أَوْ اتَّبَعَ الشَّرِيعَةَ، فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ بِأَمْرِ الْمَلِكِ” (سفر المكابيين الأوَّل: إصحاح 1، آيتان 59-60). كان الكاهن اللاوي متثيا، ويُعرف بـ “متياس” كذلك، من أشدّ المعترضين على ما يحدث؛ فثار ثورة عارمة، شارك فيها أبناؤه الخمسة، متزَّعمهم يهوذا، الملقَّب بـ “المكابي”، وهي كلمة تعني المطرقة، في إشارة إلى قوَّته البدنيَّة.
يُقتل متثيا الكاهن، وتشعل دماؤه ثورة في وجه المحتل، بعد أن كانت آخر كلماته “أَنْتُمْ أَيُّهَا الْبَنُونَ تَشَدَّدُوا، وَكُونُوا رِجَالاً فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّكُمْ بِهَا سَتُمَجَّدُونَ. وَهُوَ ذَا سِمْعَانُ أَخُوكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلُ مَشُورَةٍ فَاسْمَعُوا مِنْهُ كُلَّ الأَيَّامِ وَلْيَكُنْ لَكُمْ أَباً. وَيَهُوذَا الْمَكَّابِيُّ الشَّدِيدُ الْبَأْسِ مُنْذُ صِبَاهُ هُوَ يَكُونُ لَكُمْ رَئِيسَ الْجَيْشِ وَيَتَوَلَّى قِتَالَ الشُّعُوبِ. وَاجْمَعُوا إِلَيْكُمْ جَمِيعَ الْعَامِلِينَ بِالشَّرِيعَةِ وَانْتَقِمُوا لِشَعْبِكُمُ انْتِقَاماً. كَافِئُوا الأُمَمَ مُكَافَأَةً وَوَاظِبُوا عَلَى وَصَايَا الشَّرِيعَةِ»” (سفر المكابيين الأوَّل: إصحاح 2، آيات 64-68). وتوصف ثورة يهوذا المكابي كالآتي “فَقَامَ مَكَانَهُ يَهُوذَا ابْنُهُ الْمُسَمَّى بِالْمَكَّابِيِّ. وَكَانَ كُلُّ إِخْوَتِهِ وَجَمِيعُ الَّذِينَ انْضَمُّوا إِلَى أَبِيهِ أَنْصَارًا لَهُ يُحَارِبُونَ حَرْبَ إِسْرَائِيلَ بِفَرَحٍ. فَزَادَ شَعْبَهُ بَسْطَةً فِي الْعِزِّ، وَلَبِسَ لأْمَتَهُ كَجَبَّارٍ، وَتَقَلَّدَ سِلاَحَهُ لِلْقِتَالِ، وَبِاشَرَ الْحُرُوبَ، وَبِسَيْفِهِ حَمَى الْجَيْشَ. وَكَانَ كَالأَسَدِ فِي حَرَكَاتِهِ، وَكَالشِّبْلِ الزَّائِرِ عَلَى الْفَرِيسَةِ. فَتَعَقَّبَ أَهْلَ النِّفَاقِ مُسْتَقْصِيًا آثَارَهُمْ، وَأَحْرَقَ الَّذِينَ يَفْتِنُونَ شَعْبَهُ بِالنَّارِ. فَنَكَصَ الْمُنَافِقُونَ خَوْفًا مِنْهُ وَاضْطَرَبَ جَمِيعُ فَاعِلِي الإِثْمِ، وَنَجَحَ الْخَلاَصُ عَلَى يَدِهِ. وَأَحْنَقَ مُلُوكًا كَثِيرِينَ، وَفَرَّحَ يَعْقُوبَ بِأَعْمَالِهِ، فَصَارَ ذِكْرُهُ مُبَارَكًا مَدَى الدَّهْرِ” (سفر المكابيين الأوَّل: إصحاح 3، آيات 1-7). تركَّز بطش المكابي على “أَهْل النِّفَاقِ… يَفْتِنُونَ شَعْبَهُ“، لتبدأ مهمَّة الإصلاح الدّيني، التي أثمرت عن تأسيس دولة قوميَّة.
هذا وقد استعرض كتاب “ليسوؤوا وجوهكم”: القبَّالة في ميزان القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة (2019م) نهاية الدَّولة الحشمونيَّة كالتَّالي (ص194-195):
“في استعراض سريع لأحوال يهودا قبيل ميلاد نبي الله عيسى، يتبيَّن لنا أنَّ إدارة أحوال تلك المقاطعة اليهوديَّة قد أُسند منذ عام 63 قبل الميلاد إلى حاكم روماني. بعد أن أعاد جابينيوس، حاكم سوريا الروماني، تقسيم يهودا إلى خمسة مقاطعات إداريَّة بهدف زعزعة استقرارها وتقليل فرص المقاومة الشعبيَّة، انتزع الأدومي أنتيباس، والذي أُجبر أبوه على اعتناق اليهوديَّة في ظلِّ سطوة الأسرة المكابيَّة بعد احتلال مدينتهم أدوم، الحُكم من الحاكم الروماني الضعيف حينها، وعيَّن أبناءه حُكَّامًا على مقاطعات يهودا، وكانت الجليل من نصيب هيرودس. ولكي يحصل على شرعيَّة حُكم يهودا، تزوَّج هيرودس بن أنتيباس من الأميرة مريم الحشمونيَّة، وإن كان قد قتلها وأبناءه منها…عام 29 قبل الميلاد؛ بسبب خشية هيرودس من أي منافسة تشكِّلها أسرتها، وذلك بعد 8 سنوات من إعدام أنتيجوناس الثاني-آخر ملوك السلالة الحشمونيَّة-على يد الرومان. وبقي هيرودس في الحُكم، وقد وُلد نبي الله عيسى في عهده، ويعتبر حفيده أغريباس الثاني آخر ملوك سلالة هيرودس، وقد دُمِّر الهيكل الثاني في عهده”.
هذا وقد أعرب بنيامين نتنياهو، خلال ندوة دينيَّة عقدها في منزله ضمن نشاط المدرسة التي فتحها في المنزل لتعليم الكتاب المقدَّس، عن قلقه من مصير الدَّولة الحشمونيَّة، التي لم يدم مُلكها أكثر من 77 عامًا.
أمَّا عن مظاهر الإفساد في مجتمع بني إسرائيل في زمن المسيح التي أدَّت إلى زوال دولتهم وإهلاكهم على يد الرُّومان، فيخبر عنها المسيح كما يلي:
وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلاً وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: ألذهب أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟” (إنجيل متَّى: إصحاح 23، آيات 13-19).
(المصدر: رسالة بوست)