ندوة حول “العادات والتقاليد في ميزان الشريعة الإسلامية“.. عادات وتقاليد الأسرة السودانية أنموذجا”
نظمت عالمات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المحاضرة الشهرية الثالثة، بعنوان: “العادات والتقاليد في ميزان الشريعة الإسلامية”، الأربعاء 14 ديسمبر الجاري،
حيث تحدثت في الندوة د. عفاف أحمد محمد الأمين العام للاتحاد النسائي الإسلامي العالمي (من السودان)، و د. خديجة أولانو عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (من نيجيريا).
** وهذه مداخلة د. عفاف أحمد التي تحدثت عن “عادات وتقاليد الأسرة السودانية أنموذجا”.
مدخل:
عرفت الأسرة في علم الاجتماع بأنها جماعة من الناس تربط بينهم صلات القربى القوية مثل الأب والأم والأخ.. وقسمت الأسرة إلى نوعين أسرة صغيرة أو نووية وهي التي تتكون من الأب والأم والأبناء، وأسرة ممتدة وهي تتكون من عدة أسر صغيرة ويكون فيها الأجداد والأعمام والخالات وغيرهم..
وتقوم الأسرة بمهام متنوعة أهمها الأنجاب والتكاثر للمحافظة على الجنس البشري، وكذلك توفير الحياة الكريمة لأفرادها من المأكل والمشرب والتعليم والتربية والصحة، ويسود الأسرة بالضرورة وللمحافظة على بقائها واستمرارها جو من التعاون والمحبة والاحترام والرحمة (ليس منا من لا يوقر كبيرنا ولا يرحم صغيرنا)..
والأسرة تعتبر أصغر مؤسسة اجتماعية فهي الأساس لقيام المجتمعات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات:13.
الأسرة في الإسلام:
لم تذكر الأسرة تحديدا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية ولكن أهل الإسلام يعرّفون الأسرة بأنها مجموعة من الناس يرتبط ركناها بالزواج الشرعي ويلتزمان بالحقوق والواجبات التي شرعها الله وما ينتج عنها من ذرية صالحة، وبالتالي فإن أركان الأسرة في الإسلام هي زواج شرعي بين رجل وامرأة ثم حقوق وواجبات مشتركة ثم الذرية من الأبناء والبنات والأقارب..
وفي سبيل المحافظة علي بنيان الاسرة وقوته واستمراره ركز الإسلام على ضرورة وجود معايير واضحة لاختيار الزوج لزوجته ولاختيار أهل المرأة لزوج ابنتهم، فشروط اختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة واضحة في الإسلام، وحتى مصطلح “الصلاح” لم يترك بل حددت معاييره فبالنسبة للزوجة هناك أربعة معايير هي: (الدين والحسب والجمال ومالها ولكن فأظفر بذات الدين تربت يداك)، وأما الزوج فمعاييره هي: (الدين والأخلاق)..
كما أن الإسلام أسّس للأسرة بالحض على الزواج وكانت أول أسرة للبشرية هي الأسرة التي كونها الله من سيدنا آدم وأمنا حواء وأبنائهم.
التعاليم الدينية في بناء الأسرة:
حرص الإسلام على النص في القرآن الكريم والسنة النبوية على كثير من التعاليم لتماسك الأسرة فحدد كيف يعامل الزوج زوجته وحدد له واجباته ومسؤولياته، وفي ذات الوقت حدد للمرأة واجبات وكيفية معاملة الزوجة لزوجها، ولم يكتف بذلك بل حدد علاقة الأبوين بالأبناء وحدد واجبات الأبناء في تعاملهم مع الوالدين، وفي ذلك توجد الكثير من الآيات والأحاديث عن بر الوالدين..
ومن الملاحظ بجلاء أن الإسلام لم يقتصر الحديث عن الأسرة الصغيرة بل تعداها للحديث والتأسيس للأسرة الكبيرة فجاءت آيات النفقة والمواريث وذوي القربي واليتامى والحضّ على صلة الأرحام.. فالأسرة الصغيرة هي الخلية التي تنبني عليها القبيلة والعشيرة والشعوب والأمم وتقوم عليها وحدة البشرية ومكارم الأخلاق -كلكم لآدم وآدم من تراب.
تحديات الأسرة في الاسلام:
(الأسرة بين الأصالة والتغريب)
في عصرنا هذا عمد أهل الباطل على العمل بجد واجتهاد في سبيل هدم أركان الأسرة وتفكيك عراها وذلك بالدعوة إلى بعض السلوكيات الشاذة مثل: المناداة بعدم ضرورة قيام الأسرة على أساس شرعي وعلى رباط شرعي عبر الزواج، فنادوا بعدم أهمية وجود أسرة وإن العلاقة بين الرجل والمرأة هي في الأساس للمتعة فقط وبالتالي فلا داعي للزواج ولا داعي من ثم لوجود أسر، وقالوا إن الأمر في الأساس قائم على الحرية الشخصية الكاملة غير المحدودة ولمّا لم تجد هذه الدعوة الباطلة آذانا صاغية ولم يفلحوا من خلالها في تفكيك الأسرة جاءوا بدعوة شاذة أخرى أكثر جرأة وفسقا فقالوا: -إن العلاقة الجنسية ليست بالضرورة بين الرجل والمرأة بل يمكن أن تكون بين رجل ورجل وبين امرأة وامرأة- حتي يقضوا على ما تبقى من مُثُل وقيم ومن ثم فناء الجنس البشري ونهاية الاستخلاف في الأرض في محاربة واضحة لله عز وجل.. وهنا تكمن أهم وأخطر تحديات الأسرة المسلمة إذ يقع عليها أن تعمل بجد لمحاربة هذه الدعاوي الباطلة والشاذة والعمل على المحافظة على الرباط الأسري والمحافظة على الأبناء والبنات من أن يقعوا فريسة في شباك هؤلاء الفاسقين..
– والمحافظة تكون أولاً بالحرص على اتباع المنهج الإسلامي في الحضّ على الزواج وتسهيله وتبسيط إجراءاته وعدم المغالاة فيه ووقف الصرف البذخي حتى لا ينصرف عنه الشباب.
– ثم أيضا تكون المحافظة باتباع تعاليم الإسلام في شروط الاختيار للزوج والزوجة ثم العمل على الحرص على وجود الأبناء والبنات، فلا مجال للحديث عن تحديد النسل وغيره من البدع، وكذلك يتبع الحرص على تنشئة الأبناء على تعاليم الدين منذ الصغر فيربوا على الصلاة وتلاوة وحفظ القرآن والتمسك بتعاليم الدين.. وأن تتضافر في ذلك جهود الأسر والمدارس والأعلام وغيرها من وسائل نقل المعرفة.
ويقف على قمة الحرص على المحافظة على الأسرة العمل على حسن تنشئة المرأة منذ الصغر لأنها هي أساس وركن الأسرة المتين ولأنها الأكثر عرضة للتغريب والاستهداف العلماني.
الأسرة والعادات والتقاليد السودانية:
في الفقرات السالفة الذكر تطرقنا بشيء من التفصيل للأسرة تعريفها ومفهوم الإسلام للأسرة والتحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في ظل المتغيرات المجتمعية والهجمة العلمانية.
وفيما يلي نورد بعض ملامح من العادات والتقاليد السودانية وارتباطها بالأسرة فمن نافلة القول “العادات والتقاليد السودانية”.
** لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية تقاليد وعادات هي قوانين ودساتير غير مكتوبة ولكتها تكون محفوظة في ذاكرة المجتمع ويتم توارثها وتداولها عبر الأجيال جيلا بعد جيل.
** المجتمع السوداني لديه العديد من العادات والتقاليد الموروثة وهذه العادات والتقاليد هي التي تحكم وتشكل العلاقات والطقوس وتؤثر في الحياة العامة للشعب السوداني، بل إن من قوتها أنها تؤثر على الاقتصاد والسياسة والرياضة والفن وحتى على نظام الحكم وكيفية إدارة البلاد.
** التقاليد السودانية تمتاز بالتنوع من حيث مصادرها الأساسية ومن حيث ارتباطها بثقافات مختلفة، فالمجتمع السوداني أخذ الكثير من عاداته من الحضارة الفرعونية أو النوبية القديمة وكذلك أخذ المجتمع السوداني بعضا من عاداته من المسيحية ومن الإسلام ومن العرب ومن الأحباش ومن القبائل الزنجية المقيمة أصلا على ضفاف النيل القبائل النيلية.
** وإذا أردنا أن نسفط هذه العادات والتقاليد للتطبيق في مختلف نواحي الحياة نجد أن أهم ملمح لهذه العادات والتقاليد سطوة وقوة الأسرة الممتدة في المجتمع السوداني، إذ لا زالت الأسرة الممتدة تفرض سيطرتها على كل أفرادها بغض النظر عن أعمارهم أو انتماءاتهم لأجيال مختلفة، وبغض النظر عن البعد الجغرافي، فالمغتربين والمهاجرين من أبناء السودان وبالرغم من تباعد الزمن على اغترابهم عن الوطن ورغما عن أنهم أغتربوا إلى مجتمعات قوية ومؤثرة وتختلف تقاليدها عن المجتمع السوداني إلا أن الإنسان السوداني يظل أسير لأسرته الممتدة ولقوانينها ولا يجوز له البتة الخروج عليها أو التنكر لها، فالأسرة الممتدة تتحكم في حياته الخاصة في زواجه وفي علاقته بزوجته وأبنائه وفي عمله وفي علاقاته الإنسانية عموما وحتى لو أصبح زعيما أو حتى رئيسا لبلده فإنه لا يستطيع الفكاك من قيود أسرته الممتدة.
** فالجد أو الجدة أو الحبوبة هم قادة الأسرة الممتدة وهم الذين يأمرون وينهوون، وعلى سبيل المثال هم الذين يستشاروا في حالات الزواج هذا بالطبع إن لم يكونوا قد حددوا لك زوجتك أو زوجك مسبقا.. ومثال آخر: فإنكم قد تكونوا لاحظتم أن السودانيين في دول الاغتراب أو المهجر يحرصون على أخذ أسرهم الصغيرة في العطلات السنوية للمدارس ليسافروا بهم للسودان فقط لرؤية الأجداد والأهل وللارتباط بالأسرة الممتدة، فالسوداني المغترب لا يستطيع أن يستمتع بإجازته السنوية مثلا في مكان يختاره هو وأسرته الصغيرة بل عليهم أولا قضاء العطلة بأكملها أو جزء مقدر منها مع الأسرة الكبيرة وكذلك الحال في الأعياد الدينية للمسلمين في عيد الفطر وعيد الأضحى حيث تكون هذه الأعياد مناسبات للتلاقي والاجتماع لكل أفراد الأسرة الممتدة والتي تتكون من عدد من الأسر الصغيرة..
** وبالرغم من تقدم المجتمع السوداني وتطوره بسبب التعليم والهجرة والاغتراب وبالرغم من وجود حالات كثيرة للزواج من غرباء وبالرغم من التنوع الشديد في المجتمع السوداني إلا أن ذلك كله لم يضعف الأسرة الممتدة ولعل هذه واحدة من أهم مقومات تماسك المجتمع السوداني واعتزازه بعاداته وتقاليده ولعلها أيضا من أقوى ملامح تمسك السوداني بدينه وأخلاقه ومحافظته على سلوكه وذلك بسبب وجود الضابط الأسري والمراقب المجتمعي.
** على الصعيد الاقتصادي فإن تماسك المجتمع السوداني كان له أثره الفعال في كفكفة آثار الفقر، على سبيل المثال: فإذا أسقطنا المعايير العالمية للفقر على المجتمع السوداني نجدها لا تنطبق ولوجدنا أن نسبة مقدرة من أهل السودان غير فقراء بالرغم ضعف دخولهم ومرتباتهم وذلك بسبب الترابط المجتمعي وبسبب قوة الأسرة الممتدة والتي في كثير من الأحيان تتشكل لتكون وحدة اقتصادية معينة وداعمة لأفرادها.
** كذلك أثّرت سطوة الأسرة الممتدة حتى على نمط المساكن والثقافة العمرانية فإلى وقت قريب بل وحتى يومنا هذا نجد أن ثقافة العيش في الشقق غير منتشرة في السودان ويوجد بدلا عنها المساكن الواسعة حتى تكون ملاذا وسكتا لأكبر عدد من الناس ولذلك فإننا نلاحظ في السودان انتشار ظاهرة ترييف الحضر وليس حضارية الريف.
المصدر: المكتب الإعلامي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين