نظمت جمعية الإصلاح الاجتماعي بالتعاون مع ملتقى القدس الثقافي، مساء أمس الثلاثاء، ندوة حوارية ضمن فعاليات ملتقى الأقصى السنوي الـ14 تزامناً مع ذكرى مئوية “وعد بلفور” المشؤوم.
الندوة التي أقيمت على مسرح جمعية الإصلاح في منطقة الروضة وأدارها عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج د. إبراهيم المهنا، ناقشت ثلاثة محاور أساسية؛ المحور التاريخي، والمحور السياسي والقانوني، والمحور الديني والتعبوي، بحضور جمع من الباحثين والأكاديميين والعلماء والدعاة والوجهاء.
وأكد المشاركون أن بريطانيا أعطت ما لا تملك (أرض فلسطين) لمن لا يستحق (للصهاينة)، وأن الحركة الصهيونية حركة عنصرية استيطانية استعمارية احتلت أرض فلسطين من سكانها الأصليين والصفقة معها خاسرة، وأن المقاومة وسلاحها حق مشروع لا مساومة عليه، والتركيز على الخطاب الديني التأصيلي.
مفترق طرق
وفي كلمة لنائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح يوسف علي عبدالرحيم، قال: الملتقى يأتي والقضية الفلسطينية ومقدساتنا في فلسطين أصبحت على مفترق طرق، مع وجود أحداث متسارعة تأتي تزامناً مع ذكرى مئوية “وعد بلفور” الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، ومثَّل التزاماً غربياً بتمكين الصهاينة من احتلال القدس وأرض فلسطين.
وأكد عبدالرحيم أن ملتقى الأقصى خطوة مباركة من خطوات وجهود تقوم بها جمعية الإصلاح لنصرة المسجد وتعريف المجتمع بقضيته وتأكيد وجوب نصرته على كل مسلم.
وأشار إلى أن جمعية الإصلاح أدانت في العديد من بياناتها الاعتداءات المتكررة على المسجد من قبل الصهاينة، ودعت كل المنظمات الإسلامية والعربية والعالمية لمواجهة هذه الاعتداءات الهمجية في ظل الصمت والتواطؤ الدولي، وأكدت الجمعية أن التداعي لاتخاذ موقف حازم وإجراءات صارمة لحماية المسجد الأقصى المبارك وتثبيت أهله المرابطين أصبح أمراً لازماً.
وعود متناقضة
في المحور التاريخي، قال الباحث الفلسطيني رئيس هيئة أرض فلسطين د. سلمان أبو ستة: مر 100 عام على أطول حرب في التاريخ، 100 عام مرت على شعب فلسطين الذي يحارب كل القوى الاستعمارية مجتمعة وتعمل معاً، ولا يزال الشعب صامداً وقادراً على المقاومة، وأضاف: لقد زاد عدد الفلسطينيين منذ عام 1917 من 700 ألف شخص إلى 13 مليون فلسطيني، نصفهم يعيشون على أرض فلسطين والنصف الآخر على حدودها.
وحول الوعود المتناقضة لبريطانيا قال أبو ستة: لا يمكن أن تأمن للاستعمار ولأعداء الأمة مهما وعدوا.
وأوضح أبو ستة أنه مهما كانت أسباب التحالف والتقرب مع الأعداء فإنها فاشلة تاريخياً وإسلامياً ووطنياً.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. شفيق الغبرا: إن “وعد بلفور” مشروع صهيوني اشتغل عليه عدة شهور، وكتب عدة مرات، ولم يأتِ بشكل عفوي ومرتبط بـ”سايكس بيكو”، ورفع إلى مجلس الوزراء البريطاني أواخر أكتوبر 1917، وكانت هناك مذكرة احتجاج من أحد اللوردات وتحدث عن خطر الوعد على أصحاب الأرض الأصليين، ولم يهتم مجلس الوزراء حينها بهذه المذكرة.
وأوضح الغبرا أن عدة عوامل ساهمت في “وعد بلفور”، وتعكس العبث الاستعماري الذي دفعت المنطقة والشعوب بسببه ثمناً باهظاً.
الموقف الدولي والعربي
وفي المحور السياسي والقانوني، وحول الموقف الأوروبي والأمريكي من إعلان “وعد بلفور”، قال أبو ستة: الموقف الدولي معروف وهو دعم الكيان الصهيوني، أما الدول العربية فلم تستطع فعل شيء لفلسطين.
وحول الحملة التي أطلقها نشطاء فلسطينيون بالطلب من بريطانيا الاعتذار ما إذا كانت قد فشلت، بيَّن أبو ستة أن ثلاثة أرباع الشعب البريطاني يؤيدون حقوق الشعب الفلسطيني، موضحاً أن هناك فريقين، فريق التيار الشعبي وهو مؤيد للحقوق الفلسطينية، والفريق الرسمي الذي وصفه بـ”الصهيوني حتى النخاع”.
وقال: لا تزال الفجوة قائمة بين التيار الشعبي والحكومي في أوروبا، ولكي نسارع في التغيير علينا أن نُشعر بريطانيا أنه لا مجال للتعاون والتعامل معهم.
لا مساومة على المقاومة
وحول ما بعد اتفاقية أوسلو وإلى أين تسير المنطقة، أوضح الغبرا بأن أوسلو انتهى، مبيناً بأن هناك حقائق سياسية على الأرض اليوم، هي أنه في غزة هناك سلطة “حماس” وجيش المقاومة “القسام”، وهو جيش وطني للشعب، مر بتجربة جعلته يمثل حالة مهمة بالقوة المسلحة، وهناك خطورة على سلاحه، وبعيداً عن المصالحة الفلسطينية هنا وهناك والأحداث المتسارعة إلا أنه لا مساومة على المقاومة وسلاحها وذلك لقيمتها النضالية.
أما في الضفة، قال الغبرا: هناك سلطة فلسطينية على جزء صغير من الأرض، وهي تعيش في مأزق كبير، 60% من الضفة تحت الاحتلال المباشر، وهي محاطة بجدار، كما أن غزة محاطة بجدار في الوقت نفسه، القدس معزولة عن مناطق السلطة، وأشار إلى أن 6 ملايين مواطن عربي فلسطيني مسلم ومسيحي يعيشون الآن على الأرض التاريخية.
وأوضح الغبرا أن الحركة الصهيونية استبدت وقمعت وقتلت وشردت الملايين من الشعب الفلسطيني، ولكن المجتمع الفلسطيني لديه روح المقاومة التي تتجلى بالبقاء على الأرض والمحافظة على المقدسات.
وقال: إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية استيطانية استعمارية، الصفقة معها خاسرة بحكم أنها لا تريد صفقة وتسعى إلى مشروعها الإحلالي.
خطاب تأصيلي
أما المحور الديني والتعبوي، فقد أوضح الداعية الإسلامي ناصر شمس الدين أن القضية الفلسطينية هي الجرح الذي في الجبين، وينبغي أن توظف كل الجهود للعمل على إحيائها.
وأشار في مداخلته إلى أن الخطاب الديني ينبغي أن يكون ضمن مسارين:
الأول: تنشيطي تذكيري؛ وهو السائد كالمهرجانات والخطب والمؤتمرات والندوات.. وغيرها.
والثاني: وهو الأهم؛ الخطاب التأصيلي الذي ينبغي للأمة من خلاله شحذ الهمم وغرس حقيقة المسلم وموقفه من قضايا أمته وما هو المطلوب، وأن تتحمل مؤسسات الدولة مسؤولية إيصال صوت ضمير الأمة إلى أصحاب القرار.
وبين أنه لا بد أن يكون الخطاب التأصيلي اليوم موجهاً إلى حقيقة تفكيك المصطلحات المزيفة، اليوم يروج للخنوع والخضوع والتنازل عن قضايا هي من صميم الإيمان بحجة التطبيع وحجة جواز الصلح مع اليهود والتدلل بفتاوى علماء لا تتماشى وحقيقة ما يسوغ له من بنود للتطبيع.
وختم شمس الدين كلامه بالتأكيد على التمسك بوعد الله في زوال الكيان الصهيوني، داعياً إلى الأخذ بالأسباب لتحقيق النصر الموعود.
الجدير بالذكر أن الندوة تأتي ضمن فعاليات ملتقى الأقصى الرابع عشر، وتستمر حتى يوم الجمعة الـ24 من نوفمبر الجاري.
(المصدر: مجلة المجتمع)