نداء إلى العلماء اخدموا بلادكم وتضامنوا مع شعوبكم
بقلم محمد أكرم الندوي
ورثة النبيين! كلأتكم عيون الله، ورعتكم أيديه، وحمتكم أقداره من صروف الدهر وتقلبات الزمان، إذا كان في ندائي إليكم وخطابي إياكم مساءة أدب، وتجاوز حد، ونوع تعالم فأرجوكم أن تسامحوني، والله يعلم أني ما قصدت إلا الخير، والبغاة الخير الناصحون يصفح عنهم إذا أصابوا المعنى وأخطأوا العبارة، وأيقنوا أني أحبكم حبا نابعا من القلب، وهواكم عندي كالغناء حسن لدي ثقيله وخفيفه، أو كالثريد مشتهى عندي قليله وكثيره.
مالكم رضيتم بتهميش دوركم الذي تلعبونه في مجتمعاتكم؟ مالكم اقتنعتم بانعزالكم عن مسار الحياة ومجريات الأمور؟ مالكم متهمين بالتخلف العقلي، والتراجع الفكري، وتأخركم عن ركب الزمان؟ ألم تسمعوا كلمة تردد وسط كل ناد، وترفع فوق كل منبر: إن العلماء لا يمثلون شعوبهم، ولا يعنيهم تطوير بلادهم، ولا تنمية مجتمعاتهم؟
إن لم تسمعوها فقد سمعها غيركم، فراجعوا أنفسكم، واجمعوا هممكم، وتداركوا ما فاتكم، وخوضوا غمار الحياة من جديد، وتسابقوا إلى الإصلاح متناصحين، وتشبثوا بأربعة أمور يحالفكم التوفيق، ويضمن لبلادكم الأمن والرفاهية، ولشعوبكم التطور والنهوض:
الأول: ازهدوا في المناصب والأموال، وأعرضوا عنها إعراضا، فإنها أكبر عائق في سبيل الدور الذي يناط بكم، إياكم أن تنافسوا ولاة أموركم، أو تخرجوا عليهم، أو تصارحوهم بنقد أو طعن، كونوا وزراء مخلصين، ادعوا لهم، وأرشدوهم خالين بهم، غير سالبي هيبتهم من القلوب، ولا معرضي أمن بلادكم لخطر.
لا توالوا حزبا سياسيا دون حزب، ولا تنضموا إلى كتلة دون كتلة، بل كونوا علماء الأمة قاطبة، يثق بكم المسلمون من جميع الفئات، منتفعين بكم ولاجئين إليكم.
والثاني: لا تتعادوا، ولا تفرقوا أتباعكم بين المذاهب والانتماءات، بل كونوا متعاونين، فتخصصاتكم وتوجهاتكم ليست متضادة، بل هي متكاملة، المحدثون والفقهاء والمفسرون والمتكلمون، يحتاج بعضهم إلى بعض، والمتصوفة منكم وغير المتصوفة لا تعارض بينهم ولا تنافي، فليستفد بعضكم من بعض، وليسع بعضكم في إسداء الخير والنفع إلى بعض.
والثالث: وحدوا شعوبكم، ولا تفرقوها، فلا تقسموا الناس بين دينيين وعلمانيين، أو بين محافظين ولبراليين، بل انظروا إليهم جميعا كأصحاب تخصصات مختلفة، وذوي مهن متعددة، فيهم تجار ورجال أعمال، وأطباء، ومهندسون، ورياضيون، وصناع وحرفيون، اعتبروهم أجزاء جسد واحد، ودعائم مبنى واحد، ومقومات مجتمع واحد، فاختلطوا بهم، وشاركوهم في أفراحهم ومآتمهم مقربيهم ومقلصي الفجوة بينهم.
ولا تفرقوا الناس بين رجال ونساء، فالمسلمون والمسلمات بعضهم أولياء بعض، علموهم تبادل الحب والاحترام، وتجنب الازدراء والاحتقار، فإن انفلتت نساؤكم منكم فسيفترسهن ذئاب ضوار، وسيتصيدهن أعداء كارهون لكم ولدينكم، وهم يترقبون ذلك ترقبا، ولا تنظرن نساؤكم إليكم غاصبي حقوقهن ودائسي حرماتهن، بل لينظرن إليكم راعين لهن، مدافعين عنهن، ومهتمين لهمومهن.
والرابع: وليكن أكبر همكم أن تدعوا الناس إلى عبادة ربكم، واتباع سنة نبيكم، والرغبة في الآخرة، والزهد في الدنيا، وبناء أوطانكم وتطويرها وتنميتها اقتصاديا وثقافيا، والوحدة والتضامن.
وألخص ما مضى فأقول: أبيتم اللعن، اخدموا بلادكم، وتضامنوا مع شعوبكم، تأملو الزمان فلن تجدوا إلى الفلاح وطيب الحياة به سبيلا إلا بأن تكونوا خادمين غير مخدومين، ومتضامنين غير شاذِّين.
المصدر: رابطة العلماء السوريين