نحو وعي استراتيجي بالتاريخ – د. جاسم سلطان
قسَّم المؤلف كتابه إلى سبعة أبواب، توسَّع فيها في تناوله لمسألة وعي الأمة المسلمة بتاريخها، وكيفية استعادتها لهويتها الذاتية من خلال هذا الباب، إلى آفاق أرحب تتعلق بفلسفة التاريخ بشكل عام، وكيف يساهم التاريخ في صناعة هويات الأمم، وتطور عملية كتابة التاريخ الإنساني من منظور الأمم التي سادت حضاريًّا، وصارت هي صاحبة المركزية في مسارات تطور البشرية.
وفي مقدمته للكتاب، يشير المؤلف إلى أهدافه منه، مثل فهم أطوار الحِراك التاريخي التي تمر بها أية حضارة حتى تقوم، وعناصر وعوامل صعود وهبوط الحضارة الإسلامية مقارنة مع الحضارة الغربية، وخريطة تقاطع مسارَيْ الحضارتَيْن الإسلامية والغربية.
كما أشار إلى أنه هدف إلى معرفة دور الامة الإسلامية في نقال البشرية من طور الطفولة العلمية إلى طور الرشد العلمي، والأهم من ذلك، معرفة العوامل التي تراكمت في أوروبا وأدت إلى نهضتها، والعوامل التي تراكمت في العالم الإسلامي، وأدت إلى تخلفه.
الباب الأول، والذي جاء بعنوان: “قبل البدء (إطار فلسفة التاريخ)”، تناول فيه المؤلف عددًا من المسائل والمجالات المعرفية، هَدِفَ من ورائها إلى رسم إطار معرفي تندرج فيه المعلومة التاريخية، بشكل يمكِّن الإنسان من فهم المسار التاريخي لأية حضارة، وتحديد الطور الذي تمر به الأمة المسلمة، والأطوار التالية التي عليها أن تطرق أبوابها.
ومن بين ذلك، ما أطلق عليه “نظرية التحدي والاستجابة”، والتي تقول بأن تطور الأمم حضاريًّا، يكون نتيجة لاستجابتها أو عدم استجابتها لتحديات معينة تبرز إليها، وقال إن عددها أربعة؛ تحديات نفسية، وتنظيمية، ومادية، وفكرية.
الباب الثاني، كان بعنوان “الحضارة”، ويُعتبر امتدادًا طبيعيًّا للباب الأول؛ حيث دراسات التاريخ العام، وفلسفته، في الغالب ما تقترن بدراسات الحضارات الإنسانية.
وهو أمر واضح في كتابات العديد من المفكرين الغربيين، مثل آرنولد توينبي، الذي بدا تأثُّر المؤلف به شديد الوضوح في كثرة استشهاداته به، والأخذ عن أفكاره.
وفي هذا الباب، تناول المؤلف مفهوم الحضارة، باعتبارها فِعْلاً تراكميًّا، شاملاً، وجذور نشأة الحضارات الإنسانية، وربطه في هذا الأمر، بين الهجرات البشرية الأولى، واستقرارها حول أحواض الأنهار، في تكوين أول الحضارات الإنسانية.
ولعل أهم المفاهيم التي تناولها في هذا الباب، هي قضية التطور الحضاري والعوامل التي تؤثر على نهضة الأمم والحضارات صعودًا وهبوطًا.
الباب الثالث، “تقسيم التاريخ”، بدأ فيه المؤلف في الدخول في أمور أكثر تفصيلية تتعلق بصيرورات التاريخ والحضارة الإنسانيَّيْن، ولكن من وجهة نظر الأدبيات الغربية، وكيف جاء التدوين الغربي للتاريخ الإنساني، لكي يؤيد نظرية مركزية الرجل الغربي، وتعزيز الدور الحضاري له، وخصوصًا منذ عهد السيطرة الرومانية، مع نفي مقابل لأدوار الحضارات الشرقية بشكل عام، وخصوصًا العربية والإسلامية.
الباب الرابع، كان بعنوان: “المسار الأوروبي”، وفيه تناول الكاتب بشيء من التفسير الحضارات التي ظهرت في أوروبا في العصور القديمة والوسطى، مثل الحضارة اليونانية، والحضارة الرومانية، والأحداث المركزية التي مثَّلت نقاط احتكاك بين الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الأوروبية، مثل فترة الحروب الصليبية بين القرنَيْن العاشر والثالث عشر الميلاديَّيْن، والاستعمار الأوروبي المباشر للعالم العربي والإسلامي في القرن التاسع عشر.
كما تناول الكنيسة ودورها في الحياة السياسية والاجتماعية في مرحلة ما بعد اعتناق الدولة الرومانية للديانة المسيحية، وبذور عصر النهضة وظهور المذهب الرأسمالي، وظهور الدولة القومية في القرن السابع عشر.
وفي تحديده لعوامل النهضة الأوروبية؛ أكد على أهمية تطور العلوم وحركة الكشوف الجغرافية، وكذلك الإصلاح الديني الذي نشأ في القرن الثالث عشر، وربط بينه وبين فشل الحملات الصليبية على المشرق العربي الإسلامي، والتي قادتها الكنيسة الكاثوليكية.
الباب الخامس، “المسار الإسلامي”، تناول فيه المؤلف في شكل سردية تاريخية، التطور التاريخي للأمة المسلمة، منذ عهد النبوَّة، وحتى الدولة العثمانية، مرورًا بمرحلة الخلافة الراشدة والدولة الأموية والدولة العباسية، وعصر المماليك.
وفي السياق تناول المؤلف عوامل التحلل في الكيان الإسلامي، مثل إهمال العلوم الطبيعية، وطبيعة تكوين النُّخَب حول الحُكَّام، ومشكلة التغصُّب المذهبي، وظهور الفرق المختلفة.
في المقابل، قال بأن تحصين الدين، والاهتمام بعلوم العمران، وتعضيد الأفكار الجديدة والحية، بجانب الصدمة الحضارية التي أصابت العالم الإسلامي في بعض فترات ضعفه، من جراء الاحتكاك مع أوروبا، شكَّلت كلها عوامل نهضة كبيرة في فترات تاريخية كثيرة.
الباب السادس، “تقاطع المسارَيْن الإسلامي والأوروبي”، يشير فيه الكاتب إلى تزامن بدايات عصر النهضة الأوروبية مع مسار التراجع للحضارة الإسلامية.
ويعود المؤلف في هذا الباب إلى تناول الجذور التاريخية لكلا الحضارتَيْن، والتقاطعات التي جرت بينهما عبر تاريخهما الطويل، وركَّز في هذه المرَّة على طرد المسلمين من الأندلس ومظاهر تراجع الحضارة الإسلامية، في مقابل تعضيد قوة أوروبا، ولاسيما في المجال الاقتصادي، من خلال اكتشاف الأمريكيتَيْن وطريق رأس الرجاء الصالح، والسيطرة على موارد العالم من خلال الاستعمار والكشوف الجغرافية.
الباب السابع، “استجابة العالم الإسلامي”، يُعتبر بمثابة توصيات؛ حيث أشار فيه إلى الواجبات المطلوبة في هذه المرحلة من أجل استعادة وتيرة النهوض الحضاري للأمة الإسلامية مجددًا، في المجالات المختلفة، سواء على مستوى الأفكار، أو التلاقح الحضاري مع الكيانات الأخرى، وإعادة توحيد وعي الأمة الجمعي بذاتها، وبميراثها التاريخي والحضاري الكبير.
لتحميل الكتاب يرجى الضغط هنا.
(المصدر: موقع بصائر)