نحو مسار النهضة .. جامعة دار الهدى الإسلامية تقود مسلمي شمال الهند
بقلم صبغة الله الهدوي (خاص بالمنتدى)
في ولاية كيرالا الهندية جنوب الهند، وبالتحديد بمقاطعة مالابورام التي سجلت اسمها الخالد في صفحات الثورات الاستقلالية الهندية بعلماءها وأبطالها تقف جامعة دار الهدى الإسلامية وقفة مهيبة، بقبتها البيضاء التي تحمل شعار “وأن علينا للهدى”، ولا زالت تخدم الأمة الإسلامية بأبناءها الذين تخرجوا منها حاملين رسالة الأمة الإسلامية العالمية كما تركت بصمات هائلة في خدمة مسلمي شمال الهند وهي ما زالت توسع نطاق أنشطتها وفعالياتها البناءة لتسترد المجد المفقود من مسلمي الهند على حين غفلة منهم، ولها شبكة فعالة للأعمال الدعوية على مدى ولايات الهند، يقودها شباب متحمسون للدين، غيورين على هويتهم وإرثهم وثقافتهم، يوقفون الزمن ويتحدون المحن حتى تتحقق النهضة وتعود الكرامة.
تأسست الجامعة عام 1986م لتكون انطلاقة مبهرة في تاريخ مسلمي كيرالا ولتكون بوصلة الأمة التائهة أمام الغزو الثقافي والزحف الأحمر، وكان مسارها واضحا مسددا استثنائيا، يجمع بين القديم الصالح والجديد النافع ويوفق بين الأصالة والمعاصرة توفيقا جميلا، تخرجت فيها علماء ودعاة متسلحين بالحكمة والموعظة الحسنة، يمتلكون ناصية القلم والكلام، ويعرفون نبض الواقع والأيام، متضلعين في العلوم العصرية متمكنين في اللغات الإقليمية والعالمية، فكانوا نماذج طيبة للأمة، لقبوا بالهدويين نسبة إلى “وأن علينا للهدى”، فبعد أكثر من ثلاثين عاما من تأسيسها تنطلق على رؤيتها الثاقبة لتلملم شتات الهند، ولتقود المسلمين الحائرين أمام موجة الفاشية نحو شاطئ العلم والسلام.
بداية المشوار
انطلقت فكرة دار الهدى على جلسات علمية دارت بين الشيوخ الثلاثة، وهم سي إتش عيدروس مسليار، وبافوتي حاجي، وأم أم بشير مسليار، لينضم إليهم عباقرة الأمة والسادات الأشراف بعد، هكذا تحقق مجمع دار الهدى الإسلامي ليرتقي بعد إلى جامعة إسلامية عام 2009م ذات أصالة ومعاصرة التي توفر العلوم الدينية والعصرية بكل جودة وضمانة، وفي عام 1997م تخرجت منها الدفعة الأولى، وفي حفل تكريمهم كان لباني الجامعة بافوتي حاجي رأي آخر ورؤية استثنائية فريدة إذ ألقى كلمته المشهورة التي تعبر عن عمق حلمه وطموحاته التي تبلغ سدرة منتهى الآمال وقال فيها” بمشيئة من الله وتوفيقه، أحلم من صميم قلبي بأن كوكبة من علماء عباقرة سيتخرجون من هذا المنبر الشامخ، متسلحين بجودة العلوم وصفوة الدين، سيغيرون مجرى التاريخ ويصنعون معالم من جديد، علماء موهوبون، بخبرة السلوك، بالقيم والأخلاق، بالآداب والآمال، وستشرق شمس في آفاقنا لتكلل مروج هذه المنصة المباركة بطلبة وافدين من أوربا الصفراء وإفريقيا السمراء وأمريكا ذات الضفائر، يحنون إلى هذا الوكر العلمي ويزحفون نحو هذا الكنف الظليل”.
وتحقيقا لرؤيته انطلق الهدويون حاملين تلك المسؤولية الثقيلة وركبوا القطارات التي تقلهم إلى شمال الهند وإلى شرقها وغربها، يستقصون المناطق المسلمة المتخلفة ويدرسون عنها دراسة عميقة، فكانت النتيجة صادمة، أمة ضلت طريق نهضتها، تائهة في متاهات الطائفية والفاشية، يطاردها الفقر والقمع السياسي المجرم، أناس تترنح بين فكي السياسة والتقاليد الساقطة، تحن إلى لمسة ناعمة تنقذها من إسار الرجعيات وتعيدها إلى سيرتها الأولى، من هنا تبدأ الحكاية، حكاية معاهد دينية أسست على غرار جامعة دار الهدى لتكون فروعا لها في تلك المناطق النائية، فولدت كلية منهج الرشاد للعربية والدراسات الإسلامية بآندرابرديش لتكون ميلاد النهضة العلمية من جديد ولتكون محرك الثورة المعرفية الأول، فلم تتوقف هذه المسيرة النهضوية في آندرابرديش فقط بل امتدت إلى ولايات أخرى مجاورة لها، مثلا في ولاية آسام وفي بنغال، لتواكب معها حملات مكثفة لدعم وتصميم الكتاتيب المحلية حسب الآليات العصرية، وفي الحال تجري تحت إشراف رابطة خريجي جامعة دار الهدى عدة مشروعات علمية واجتماعية، من أهمها تنسيق الكتاتيب المحلية ورعايتها بجودة عالية كما تقوم الرابطة بتوزيع المعلمين وتوفير الرواتب للعاملين فيها، ويدرس في هذه المؤسسات العلمية آلاف مؤلفة من الأطفال، فلولا هذه المحاولات الجبارة لضاعت هذه الطفولة المبدعة في غيابة الجهل والفتن التي تصيب تلك المناطق فينة وأخرى، فكل هذه جهود لا مثيل لها لا سيما في الوقت الذي تشتعل الهند طائفية وعرقية وتدخل الحكومة مباشرة لتفريق الشعب على أسس الدين والمعتقدات.
ولجامعة دار الهدى على أيدي خريجيها قصص روائع من التجربات الدعوية وإنجازات مبهرة في المجالات الأكاديمية وحضور فاعل في الجامعات العالمية ومذكرات تفاهم مع عدة جامعات هندية ودولية من أهمها الجامعة الإسلامية الدولية بكولالامبور وجامعة أم درمان الإسلامية في السودان كما أنها عضو في رابطة الجامعات الإسلامية و21 كلية تابعة لها منهجا وفكرة، فلا شك بأنها أكثر من جامعة.