نتيجة ظهور القومية بين المسلمين
تبين من الحوادث التاريخية أن دخول القومية إلى البلاد الإسلامية والعربية بخصوصها إنما كان بدافع الحقد الصليبي واليهودي والرغبة في تمزيق الوحدة الإسلامية والانتماء إلى الإسلام لأن الانتماء إلى العربية سيسهل عليهم مهمة استعمارهم لبلدان المسلمين بعد أن يفرقوا بين العرب وسائر إخوانهم المسلمين على طريقتهم ” فرق تسد ” وهو ما وقع بالفعل فما أن ضربت القومية بجرانها على بلاد العرب إلا وتفرقوا فرقا وأحزابا لا يلوي بعضهم على بعض في عنجهية جاهلية قومية فتمكن المستعمرون أعداء الإسلام منهم حين عرفوا من أين تؤكل الكتف فتخطفوهم وأخرجوهم من دينهم الإسلامي إلا من حفظه الله تعالى وأخذوا طرقا كثيرة من بلادهم – وفلسطين أقوى شاهد – على ما وقع فيه المسلمون العرب من ضياع وهزيمة والعراق الذي يعيش اليوم مرارة هزيمته على أيدي الصليبيين ومن قبل ذلك أسبانيا والبرتغال والهند وغيرها. ومن الجدير بالذكر أن ظهور القوميات لم يستفد منها أحد مثلما استفاد منها اليهود حين نادوا بالتعصب لقوميتهم اليهودية المتمثلة في الصهيونية وذلك لأن اليهود – وهو أمر مهم – قد مزقهم الله تعالى وشتتهم بسبب خبثهم ورعونة أخلاقهم وهذا الشتات يشكل خطرا عليهم أن يذوبوا في المجتمعات التي يعيشون فيها وأقوى ضمان لبقاء تماسكهم هو تعزيز القومية في نفوسهم لكي يتم ربطهم بها فكانت القومية مفيدة لهم بقدر ما هي ضارة بأمة تربطهم عقيدة واحدة مهما اختلفت قومياتهم وواقع الجميع أقوى شاهد على ذلك على حد ما قاله أحد الشعراء: وتفرقوا شيعا فكل قبيلة فيها أمير المؤمنين ومنبر أما بالنسبة لاستفادة النصارى من وراء قيام القوميات فحدث ولا حرج فلقد غرسوها بين المسلمين وتعاهدوها بكل ما تحتاج إليه وما لا تحتاج إليها حتى أتت ثمارها الخبيثة التي كانوا يتوقعونها وقد ملؤوا الدنيا صياحا ونياحا على عودة العرب إلى القومية العربية وإلى التراث المجيد؟ ! الذي كان للعرب قبل مجيء الإسلام وإلى حضارات الفينيقيين والآشوريين والفراعنة.. الخ. فكم ألفوا من الكتب نثرا ونظما لملأ عقول الناس بتقبل القومية التي ستكون هي المنقذ الوحيد للعرب من الذل وسيطرة غيرهم عليهم والتي أيضا ستكون هي النبتة الجميلة لبدايات التطور والتقدم ونبذ الماضي البغيض – هو الإسلام – الذي أخر عجلة تطور الدول الإسلامية.. إلى آخر الدعايات التي أجادوا حبكها والتخطيط لها وتكاتفت جهود الأقليات النصرانية واليهودية المبثوثة بين المسلمين وجهود الدول الاستعمارية الصليبية التي كانت تتربص بالمسلمين الدوائر متمثلة في أمريكا وبريطانيا وأسبانيا والبرتغال وغيرها من دول النصارى صارت كل هذه القوى الهائلة تحت تنظيم دقيق وخطط أعدت في غاية من الدهاء والخبث لإدخال فكرة القومية إلى عقل كل مسلم وأن العرب بخصوصهم لا منقذ لهم غير هذه القومية المباركة التي ستجمعهم وتؤلف بين قلوبهم وتجعلهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى؟ ! وكانت دعوة القومية كعملة ذات وجهين الوجه الأول منها هو تلك الصورة الوردية والحلم السعيد والوجه الآخر هو ذلك الباب الذي ظاهره من قبله العذاب والذي صمم لتفريق وتشتيت الداخلين فيه تلقائيا وقد تمثل نشاط النصارى في الإرساليات التبشيرية والاستشراقية وفي إقامة نقاط التواصل القوي والتخطيط المشترك بين النصارى المنبثين في المجتمعات الإسلامية وبين النصارى الخارجين عنهم مستخدمين تلك الأساليب والوسائل التي تقدمت دراستها والنصارى على يقين من أن القومية لو انتصرت فإن انتصارها سيكون نصرا لكل نصراني في بلاد العرب فهي قوة في حقيقتها لهم حيث يكون شأنهم مثل شأن كل المسلمين وكل أصحاب الأديان لأن الرابط الجديد القومية والوطنية تعطيهم هذا الحق الذي لا يمنعه إلا الدين إذ لا يجتمع الحق والباطل وقد تأكد لدى كل نصراني أن إحلال القومية محل الدين هو السبيل لاستحمار المسلمين واستعمارهم ومن هنا نجد أن نصارى العرب كانوا الجواسيس الناصحين للنصرانية الغربية ومن أوفى المؤازرين لها ومن أكثر الناس نشاطا وأكثرهم اجتماعات ومؤامرات ومؤتمرات لدراسة كل الوسائل التي يستفيدون منها لإبعاد الإسلام وإحلال القومية محله.
(المصدر: طريق الإسلام)