أجرى الحوار: هاني صلاح
“المناهج التي تدرس في المؤسسات التعليمية لا تتناسب مع المتطلبات والتحديات الموجودة أمام مسلمي روسيا، وهو تخريج كوادر ذات كفاءة علمية شرعية تستطيع سد الفراغ الموجود في الساحة الإسلامية”..
بهذه الكلمات، ألقى الضوء د. نضال عوض الله الحيح، نائب مفتي منطقة حوض الفولكا في العلاقات الخارجية، في حواره الخاص مع “المجتمع”، على أبرز التحديات التي مازالت تواجه التعليم الإسلامي في محافظة سراتوف، وهى أحد الكيانات الفيدرالية الـ85 التي يتشكل منها الاتحاد الروسي، وهي نفس التحديات التي تواجه كافة مناطق المسلمين في عموم روسيا.
ومازال يعيش مسلمو روسيا مرحلة إعادة البناء لمؤسساتهم التعليمية الإسلامية التي يأملون أن تحقق هدفها بتخريج علماء محليين يملؤون الفراغ الذي أحدثته الحقبة الشيوعية السابقة والتي جففت منابع التعليم الإسلامي بشكل تام على مدار أكثر من سبعة عقود متتالية.
ثمة عقبات وتحديات أخرى تواجه التعليم الإسلامي في منطقة سراتوف، تتطرق إليها د. الحيح، وهو مدرس في المعهد الإسلامي “مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية” بمدينة سراتوف، خلال حواره مع “المجتمع”، وتتمثل في “وجود نقص كبير في الكتب الجامعة المناسبة للطلبة، كما توجد أزمة في الكتب المترجمة وارتفاع تكلفة طباعتها، إضافة لتحدٍّ آخر يتمثل في عدم توافر مبنى مستقل ويكفي لتفعيل دور هذه المؤسسة التعليمية الوحيدة في المنطقة.
وإلى الحوار:
- في بداية حوارنا، نرجو تعريف أنفسكم لجمهور “المجتمع”.
– د. نضال عوض الله الحيح، نائب مفتي منطقة حوض الفولكا في العلاقات الخارجية، ومدرس في المعهد الإسلامي “مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية” في مدينة سراتوف، مقيم في روسيا منذ 25 عاماً، ولفترة طويلة مسؤول النشاطات الصيفية في الإدارة الدينية.
- نود منكم إطلالة تعريفية عن مؤسستكم التعليمية في مدينة سراتوف.
– التعليم الديني الإسلامي في مدينة سراتوف بدأ فور انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان على شكل دروس في أيام العطل الأسبوعية فيما يعرف بمدرسة الأحد، حيث كان يرتاده أعداد قليلة من الشباب والفتيات، وكان معظم الذين يقدمون الدروس الدينية هم من الطلاب العرب الذين قدموا للدراسة في روسيا.
ومع تزايد أعداد المقبلين على الدروس في المسجد، وتراكم الخبرات، وعودة الطلاب الذي سافروا من قبل للدراسة بالجامعات الإسلامية إلى روسيا بعد تخرجهم؛ بدأت العملية التعليمية في مدينة سراتوف تأخذ شكلاً نظامياً وأضحت تتواصل على مدار الأسبوع عدا يوم الجمعة.
ثم تطورت العملية التعليمية بشكل كبير بعد افتتاح المركز الإسلامي في عام 2005م، حيث تم تجهيز عدد من الغرف الملحقة به كفصول دراسية؛ وتم تأسيس مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية التي باشرت العملية التعليمية بدءاً من شهر سبتمبر 2005م، وفي هذا العام تم استقبال ما يقارب 230 طالباً وطالبة من مختلف الأعمار، وتوزيعهم على مجموعات دراسية، وهكذا تواصلت العملية التعليمية وخلال هذه المرحلة بدأنا بتجهيز البرامج التعليمية والمناهج الدراسية، بجانب اتخاذنا لإجراءات التسجيل الرسمي بمجلس التعليم العالي الروسي.
في العام 2007م حصلت مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية على الترخيص الحكومي ولمدة سنة، وبموجبه فإن المدرسة أصبحت مؤسسة تعليمية رسمية معترف بشهادتها وتعدل بمستوى دبلوم معهد إسلامي.
ومنذ هذا العام (2007م) وحتى اليوم التحق بالمدرسة ما يقارب 900 طالب وطالبة وتخرج فيها 80 شخصاً يحملون دبلوم علوم إسلامية، وفي العام 2013م حصلت المدرسة الإسلامية على ترخيص حكومي طويل المدى لا يحتاج إلى تجديد.
في بداية عمل المدرسة الإسلامية كان فيها قسم للدراسة المنتظمة، وآخر للدراسة المسائية، وثالث للدراسة بالانتساب؛ إضافة لمدرسة الأطفال، وكان العدد الإجمالي يبلغ 350 طالباً وطالبة من مختلف الأعمار.
بدءاً من العام 2011م، تفرع عن المدرسة الإسلامية مركز لتحفيظ القرآن الكريم، وأصبح مؤسسة مستقلة، ويلتحق به الآن ما يقارب 120 طفلاً وطفلة، وتخرج فيه 5 حفاظ للقرآن الكريم، ويشارك طلاب المركز بالعديد من المسابقات المحلية والدولية ومن بينها مسابقة مكة المكرمة للقرآن الكريم.
كذلك تفرع عن المدرسة الإسلامية مؤسسة مستقلة للأطفال تحت اسم “مكتب”، وتمارس العملية التعليمية يومي السبت والأحد حيث العطلة المدرسية الأسبوعية، ويلتحق بها ما يقارب 170 طفلاً وطفلة من مختلف أعمار تلاميذ المدارس.
وفي هذا العام 2017م أقيم حفل بمناسبة السنة العاشرة لتأسيس مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية، وتم خلاله تكريم عدد من المدرسين من قبل كل من محافظ ولاية سراتوف، ووزارة التعليم العالي.
- وكيف تدار العملية التعليمية للمدارس الإسلامية الأخرى على مستوى “محافظة سراتوف”؟
– العملية التعليمية في “محافظة سراتوف”، تتركز في المدرسة الإسلامية في “مدينة سراتوف”، وهي التي تشرف على البرامج التعليمية على مستوى المحافظة في المساجد وعدد هذه المدارس 12 في مختلف المناطق.
وقد تم إعداد كتاب متكامل يشمل المنهج التعليمي خلال سنة كاملة. وأقيمت دورة تأهيلية للمدرسين لتعريفهم بأسس التعليم ومهارات إيصال المعلومات للأطفال.
- وماذا عن “منابر التعليم الإسلامي” الأخرى في عموم روسيا؟
– على مستوى روسيا بشكل عام يوجد العديد من المؤسسات التعليمية منها الجامعة الإسلامية الروسية في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان، والمعهد الإسلامي في مدينة موسكو، والجامعة الإسلامية في مدينة جروزني عاصمة جمهورية الشيشان، والجامعة الإسلامية في مدينة محج قلعة عاصمة جمهورية داغستان، وكذلك العديد من المدارس الإسلامية والتي تمتد في عمق التاريخ وفي مناطق كثيرة من ولايات وجمهوريات روسيا الاتحادية.
- هل من تنسيق بين كافة هذه المؤسسات التعليمية على المستوى الفيدرالي؟
– على المستوى الفيدرالي الروسي توجد لجنة رسمية مكلفة من قبل مجالس الإفتاء وبالتنسيق مع المؤسسات الحكومية تشرف على التعليم الإسلامي وتلتقي بصفة دورية لمناقشة قضايا التعليم الديني الإسلامي في عموم روسيا.
كما أن هناك حدثاً مهماً في جانب التعليم الديني الإسلامي في روسيا، حيث تم افتتاح لأول مرة الأكاديمية الإسلامية في منطقة البلغار في جمهورية تتارستان لمرحلة الدراسات العليا، وتأتي فكرة هذه الأكاديمية كحاجة ملحة لتوفير الكوادر العلمية المحلية، وتقوم فكرتها على توفير كافة الوسائل لإعداد علماء قادرين على استنباط الأحكام الشرعية وإعطاء فتوى تتناسب مع الواقع في روسيا، ومن المؤمل أن تستقطب الأكاديمية عدداً من المختصين من الدول العربية والإسلامية ليقوموا بهذه المهمة.
- ما هو تقييمكم للمناهج الإسلامية التي تدرس في هذه المؤسسات التعليمية؟
– المناهج التي تدرس في المؤسسات التعليمية ليست معتمدة من قبل لجنة مركزية وإنما تخضع لاختيار القائمين عليها كل حسب منطقته واهتماماته، وبشكل عام نجد بأن المناهج لا تتناسب مع المتطلبات والتحديات الموجودة أمام مسلمي روسيا، وهو تخريج كوادر ذات كفاءة علمية شرعية تستطيع سد الفراغ الموجود في الساحة الإسلامية.
كما يوجد نقص كبير في الكتب الجامعة المناسبة للطلبة، وكل ما هو موجود عبارة عن كتب مترجمة للاطلاع العام، وبعض الطبعات المبسطة للطلاب في بعض المؤسسات التعليمية.
كذلك توجد أزمة في الكتب المترجمة، وارتفاع تكلفة طباعتها، وهذا يرتبط بشكل كبير بالقدرة المالية للمؤسسات التعليمية، فمثلاً مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية تعتمد على التبرعات من رجال الأعمال والمحسنين، ولا يوجد لها دخل ثابت، ولا تتلقى رواتب المدرسين من أي مؤسسة حكومية أو شعبية، ورغم ذلك تم ترجمة وطباعة بعض الكتب لتسهيل العملية التعليمية.
تحدي آخر يتمثل في عدم توفر مبنى مستقل ويكفي لتفعيل دور هذه المؤسسة التعليمية الوحيدة في المنطقة، فهي توجد داخل مبنى المركز الإسلامي، وهذا يفرض بعض الصعوبات، ويقلل من فعالية التربية والتعليم.
نحن نسعى نحو بناء مبنى ملائم لمدرسة الشيخ سعيد، مع توفير كافة وسائل التعليم الحديثة، وتوفير سكن للطلاب، ومكان للطعام لتكتمل هذه المنظومة التعليمية بعون الله.
- وماذا عن المعلمين؟ هل هناك شروط ومواصفات لهم؟
– اليوم غالبية المعلمين من أهل المنطقة، وممن درس وتخرج في الجامعات الإسلامية بالدول العربية مثل مصر والسعودية والأردن، وبعضهم تخرج من ذات المدرسة التي يعمل فيها الآن، وكان قد أنهى دراسته الجامعية في الجامعة الإسلامية الروسية في قازان.
واليوم تضم هيئة التدريس بالمدرسة 9 مدرسين؛ 7 من الذكور، واثنتين من الإناث، وتقوم هذه الهيئة بأعمال ونشاطات دعوية كثيرة وتشارك في مؤتمرات وندوات علمية محلية ودولية.
- هل هناك برنامج واضح للتدريب والتطوير لهؤلاء المعلمين؟
– تقام دورات تدريبية بصورة دورية للمعلمين وذلك بالتعاون مع جامعة سراتوف الحكومية في كلية التربية والتعليم، كما أن جميع المعلمين اجتازوا “كورس” لمدة عام كامل في وسائل التعليم الحديث في جامعة سراتوف الحكومية، والكثير من المدرسين يواصلون دراستهم الجامعية بالدراسة عن بعد في العديد من الجامعات الإسلامية داخل روسيا و خارجها.
نحن نسعى دوماً لتعزيز التعاون مع المؤسسات التعليمية المحلية ومنها اتفاقية تم توقيعها مع الجامعة الإسلامية الروسية والجامعة الحكومية في مدينة قازان لإقامة دورات بصفة مستمرة يشارك فيها معلمو ومدرسو مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية.
أما على مستوى الاتفاقيات الدولية فلا يوجد مؤسسة تعليمية موازية في هذا المجال، وذلك لخصوصية هيكلية المؤسسات التعليمية في روسيا.
- على المستوى الفيدرالي الروسي، ما أبرز التحديات التي تواجهكم في مجال التعليم الإسلامي؟
– التعليم الإسلامي يواجه تحديات كبيرة متمثلة في الترجمة الملائمة لخصوصيات مسلمي روسيا، وكذلك الكادر العلمي المؤهل لذلك، كما أن من التحديات الكبرى التي تعصف بالتعليم الإسلامي عدم وجود أوقاف أو مصادر دخل ثابتة تضمن استمرار وتطوير التعليم الإسلامي، والمساحات الشاسعة لروسيا وتباعد الأماكن عن بعضها يجعل من التواصل المستمر وتبادل الخبرات بين المؤسسات التعليمية المختلفة أمر صعب، وهذا ينعكس على ضعف عام في الأداء.
- ماذا عن الإنجازات التي تحققت حتى اليوم سواء في روسيا أو عندكم في سراتوف؟
– بحمد الله وخلال هذه الفترة والتي تعتبر فترة تأسيسية للعملية التعليمية في روسيا بشكل عام، وفي منطقة سراتوف بشكل خاص، فقد حصل نوع من الاستقرار في هذا المجال، فمن ناحية المعلمين يوجد اكتفاء من أهل البلد، كما أثبتت المؤسسات التعليمية قدرتها على تقديم خدماتها رغم الصعوبات الكثيرة التي تواجهها.
وفي سراتوف، وخلال هذه الفترة استطاعت مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية تخريج 80 شخصاً ممن يعملون في مجال الدعوة الإسلامية ومنهم المعلمون والأئمة والخطباء.
كما شارك طلاب المدرسة في المسابقات المحلية المختلفة واستطاعوا تحقيق نجاحات كثيرة؛ حتى أصبح اسم مدرسة الشيخ سعيد الإسلامية يعني الثقة والسمعة الطيبة، وهذا كان سبباً أن طلاب المدرسة أضحوا يلتحقون بشكل مباشر في الجامعات الإسلامية الروسية بدون اجتياز امتحانات قبول.
كما تم تأسيس منظومة تعليمية على مستوى المحافظة من قبل خريجي المدرسة وذلك مع انتشارهم في الكثير من البلدات والقرى.
كذلك من الإنجازات التي تم تحقيقها هو التعاون مع وزارة التربية والتعليم ودخول المدارس الحكومية للتواصل مع التلاميذ واستقطاب أعداد منهم للالتحاق بالدراسة الإسلامية.
- ما رؤيتكم المستقبلية لتطوير التعليم الإسلامي في سراتوف خاصة وروسيا عامة؟
– لتطوير التعليم الإسلامي في سراتوف بشكل خاص، وفي روسيا بشكل عام، أرى أنه من الضروري إيجاد هيئة مختصة بوضع مناهج مطورة ومتنوعة لتوحيد المؤسسات التعليمية وتخفيف العبء عن كاهلها والتقليل من الصعوبات التي تواجهها.
كما أنه من الضروري وضع تقييم عام وامتحان لجميع الخريجين قبل الحصول على الشهادة الجامعية وممارسة العمل الدعوي.
أيضاً من الضروري توفير مبانٍ مستقلة للمؤسسات التعليمية حتى يسهل على هيئة التدريس تقديم كل ما عندهم في بيئة تعليمية متكاملة.
كذلك لا بد من إيجاد أوقاف إسلامية توفر دخلاً ثابتاً للمؤسسات التعليمية لضمان استمرارها وتطوير قدراتها.
كما أنه من الضروري إيجاد تعاون مع الجامعات الإسلامية في العالم العربي لتوفير إمكانية إرسال طلابنا للارتقاء بمستواهم.
- هل من رسالة تودون إرسالها للمؤسسات الإسلامية المعنية بالتعليم الإسلامي حول العالم عبر “المجتمع”؟
– رسالتي للجامعات الإسلامية والتجمعات التعليمية في العالم العربي والإسلامي بضرورة تفعيل التواصل مع مسلمي روسيا ودعم جهودهم نحو الوصول إلى مستوى من العلم الشرعي يمكنهم من الإجابة عن تحديات المجتمع وسد الفراغ الحاصل في الفتوى، تخصيص مقاعد للطلبة من روسيا ضمن تنسيق مع المؤسسات التعليمية العاملة في روسيا لتحقيق الفائدة المرجوة.
(المصدر: مجلة المجتمع)