ميديا بارت: هكذا خدع عنصر زرعه الأمن جماعة كانت تخطط لقتل المسلمين بفرنسا
في واحدة من آخر 13 عملية تسلل نفذتها مكافحة الإرهاب منذ عام 2018، استطاع الأمن الفرنسي تفكيك خلية “لحركة القوات العملية” الفرنسية المتطرفة، التي كانت تخطط لتسميم المواد الغذائية في محلات بيع الطعام الحلال بهدف قتل المسلمين.
وقال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي في تحقيق له إن إدارة الأمن الخارجي الفرنسية فتحت تحقيقا أوليا في منتصف أبريل/نيسان الماضي لشعورها بأن “المرور إلى الفعل العنيف لم يعد مستبعدا”، من قبل خلية حركة القوات العملياتية “إيه إف أو” (AFO)، خاصة بعد تأكيد أجهزة الأمن السرية البلجيكية أن عضوين منها -هما أخيل وتومي- اشتريا مسدسات من محل في بلجيكا.
وفي سردها الطويل لقصة هذا العضو المزروع، بدأ ميديا بارت التعريف بالشخصيات المحورية في هذه الحركة، خاصة تومي الذي عمل جنديا في أفغانستان فترة طويلة، والتحق بالحركة بعد عودته إلى السلك المدني، وأشيل الذي أصبح منذ عام عضوا في هذه المجموعة التي تعتزم الانخراط في هجمات ضد المجتمع المسلم انتقاما من الهجمات الجهادية.
وفي المساء الذي أُلقي فيه القبض على 14 من أعضاء الحركة -حسب الموقع- كان أشيل وجاك ينتظران تومي الذي لم يأت، وذلك لاختبار قنبلة محلية الصنع لدراسة مدى تأثيرها قبل إلقائها على سيارة يقودها بعض المسلمين والفرار من المكان.
وبعد أن التحق العضوان بتومي في مكان حدده لهما، وجداه مخمورا، وجلسوا في مطعم يتدارسون كيف ستحفظ القنبلة، وينتظرون الوقت المناسب لاختبار قنبلة صنعوها من مواد متفجرة، وفجأة داهمت الشرطة المكان وقبضت عليهم، كما قُبض على آخرين في أماكن متفرقة من فرنسا، ليبدأ التحقيق.
زرع عميل
وبالعودة إلى بداية العملية، قال الموقع إن مكافحة الإرهاب قررت اللجوء إلى زرع عميل داخل هذا التنظيم، نظرا لأن تحرك أصحابه كان بالغ الحذر، وكانوا يستخدمون لغة مشفرة أثناء المكالمات، خاصة أن قانون الإجراءات الجنائية يتيح زرع وكيل في منظمة إجرامية لجمع معلومات لا توجد وسيلة أخرى للوصول إليها، بشرط الحصول على إذن من المدعي العام للجمهورية أو من قاضي التحقيق.
وللوكيل المزروع في مثل هذه الأحوال أن يستخدم هوية مستعارة ويرتكب جرائم محددة مسبقا، ولكن ليس من حقه تشجيع الآخرين على ارتكاب جريمة، ولا يمكن إدانة الآخرين على أساس ما يدلي به الوكيل إلا إذا أسند أقواله بعناصر مادية تؤكدها.
ورحبت النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب بهذه العملية، وذلك في وقت كانت فيه المنظمات الإرهابية والجماعات الإجرامية تستخدم الوسائل الإلكترونية للاتصالات بشكل أفضل لعدم الكشف عن هويتها، وتم تنفيذ 13 عملية تسلل في تحقيقات أولية واسعة النطاق ضد الإرهاب منذ عام 2018، حسب النيابة المذكورة.
وللقيام بهذه العملية -حسب الموقع- اختارت خدمة المساعدة التقنية بين الإدارات، المسؤولة عن تكوين هذا النوع من الوكلاء في حالة “إيه إف أو”، أن تعين واحدا من رجالها الناضجين، وهو رجل خمسيني قوي البنية، ليتصل من عنوان مخصص لهذه المهمة في 27 مايو/أيار 2018 بموقع إلكتروني يدّعي أنه يقوم بإعداد “الجنود المواطنين الفرنسيين للعمل في الأراضي الوطنية”، ممن يرغبون في الاندماج بـ”إيه إف أو”.
ترك جاك رسالة تقول “على موقعكم أرى القيم التي تمثلني، لم أقم بتحرك في حياتي، أود أن أعرفكم أكثر، ولكم دعمي، وإذا رأيتموني مفيدا فأنا أعيش في باريس. آمل أن تصلني أخباركم”. وبالفعل قامت إحدى مديرات الموقع بتحويل ملفه إلى سموفيني لدراسته باعتباره مهتما بالحركة، وللتأكد أيضا من حقيقته.
نهاية شبكة
وفي يوم 16 يونيو/حزيران 2018، تسلل الوكيل المزروع في المجموعة جاك إلى محطة سرجي لتوب، تحت نظر محققين من إدارة الأمن الخارجي، وانضم إلى سوفيني وجي بي، وركبوا في سيارة سوفيني ليغادروا إلى الريف الفرنسي، وعندما وصلوا إلى بلدية عمدتها زوجة سوفيني، غادروا الطريق العام ليدخلوا إلى ملكية خاصة لسوفيني، مدير الموارد البشرية السابق لشركة طومسون.
ولاحظت الشرطة التي تتابعهم منذ مغادرتهم المحطة، وصول أخيل ثم تومي ورجل آخر لم يروه بعد ذلك، وعند الدخول إلى المنزل طلب من أعضاء “إيه إف أو” إيقاف تشغيل هواتفهم وتركها عند المدخل، ثم توجهوا بعد شرب قهوة في المطبخ إلى الطابق العلوي لمناقشة أشياء جدية.
بعد ظهر ذلك اليوم، كانوا 11 إذا حسبنا جاك، وعلى جدول الأعمال مشاريع للرد على الهجمات الجهادية، كان أولها فكرة مهاجمة 200 إمام في فرنسا، ولكن الحاضرين استبعدوها جميعا لعدم وجود ما يكفي من الرجال والسلاح لتنفيذها، أما الفكرة الثانية فهي مشروع مهاجمة الجهاديين وقت إطلاق سراحهم من السجن، ولكن مشكلتهم أنهم لم يكونوا يعرفون متى سيكون ذلك ولا أين.
لذلك تم اختيار “عملية الحلال”، وهي تسميم الأغدية على رفوف 10 محلات في الأحياء ذات الكثافة المسلمة العالية، واكتشف جاك أن أصدقاءه الجدد يخططون لطلب مبيدات مضادة للتخثر على الإنترنت تستخدم لقتل الفئران، لضخها في اللحوم قبل أن تنقلها نساء المجموعة وهن يرتدين النقاب حتى لا يعرفن، لوضعها على الرفوف.
وقال سوفيني لاحقا في اعترافاته إنهم لم يذكروا لفظ التسميم، ولم يكن قصدهم القتل، بل فقط إثارة الغثيان، كما نفى أن يكون قد حكى عن ضوء أخضر للقيام بالعملية من قبل المجلس الوطني للحركة، كما قال جاك.
وتم الاتفاق على القيام بالعملية بعد تصويت وافق عليه 7 من ضمنهم الوكيل جاك، ووقف اثنان على الحياد، في حين كان ضده عضوان لخوفهم من قتل الصبيان والمسنين، واقترح أحدهما بدل العملية اغتيال مغني الراب ميدينا المثير للجدل، وقدم تاريخين لحفلات موسيقية سيحييها في باتلاكلان.
وكان البند الرابع في جدول الأعمال -حسب الموقع- يتعلق بالأسلحة التي بدا أن الخلية تفتقر إليها بشدة، إذ لا تملك منها سوى مسدسات تم شراؤها في بلجيكا، ومسدس أوتوماتيكي لدى أشيل أظهره في الاجتماع، وأعلن سوفيني أنه سيغادر خلال أسبوع إلى كورسيكا، حيث من المحتمل أن يوفر له صديق بعض الأسلحة، كما أنه ذكر في الاجتماع أنه يتعين على كل عضو في الشبكة أن يشتري سلاحه من ماله الخاص، لأن خزائن خلية إيل دو فرنسا فارغة.
وعلم المحققون لاحقا أن رئيس الشبكة كورتيز ذهب لطلب تمويل حركتهم من ميشيل تومي الذي تعرف عليه عندما كان مساعد القنصل في دولة الغابون، إلا أن ميشيل تومي رفض بأدب إعطاء المال لمن يدعون أنهم “وطنيون”، قائلا إنه يعتبر نفسه أفريقيا.
وفي الاجتماع، جلب تومي جرة مليئة بمسحوق أبيض، معلنا أنها لصناعة المتفجرات، ووضعت على طاولة بعض المسدادات التي كان سوفيني قد اشتراها، كما تكفل عضو آخر بإعداد أجهزة تحكم لتفجير القنابل اليدوية من مسافة 200 متر.
اعتقال المجموعة
وبعد نهاية اللقاء الذي استمر نحو 5 ساعات، جمع جاك أوراقا تتعلق بتدريب داخلي نظمته شبكة “إيه إف أو” على استعمال الرصاص الحقيقي وتصميم المتفجرات، لينقلها إلى إدارة الأمن الخارجي مع ملخص لمحتويات المناقشات، مشيرا إلى أن أخيل وتومي “مهيآن نفسيا لقتل شخص بدم بارد”.
وقدم هذان الشخصان بالتحديد موعدا يوم الأربعاء التالي لجاك في حانة صغيرة عند بوابة سان كلود للذهاب لاختبار قنبلة يدوية، وحينها أوضح أخيل لجاك أن عملية الحلال تخلق التوترات داخل المجموعة، مع أنهم لم يتركوا فكرتها بصورة نهائية.
وطلب أشيل من جاك معرفة إمكانية شراء كميات كبيرة من الماء المؤكسج في بلجيكا، وكان تومي الذي جعل من بيته معملا لصنع القنابل اليدوية، فخورا بجاك الذي يقول إن بإمكانهم العثور على أسلحة بالجملة وكذلك السموم، حتى إن غابرييل دومينيل محامي تومي يرى أن هذه الأمور تصل إلى حد تحفيز على عمل إجرامي.
وأمام هذه المعلومات التي تم جمعها بواسطة جاك والاستعدادات المتقدمة للهجوم، قامت إدارة الأمن الخارجي بتنبيه قاضي التحقيق المسؤول عن ملف “إيه إف أو” ليأمر باعتقال الأعضاء في ليلة السبت، قبل اختبار القنبلة، ليرسل جاك رسالة بريد إلكتروني يقول فيها “مرحبا أخيل. أؤكد وجودي غدا، فذلك دائما جيد بالنسبة لك ولصديقنا”.
(المصدر: مجلة المجتمع)