ميديا بارت: بتأطيرهم ودمجهم.. فرنسا تسعى لتطبيق سياسة نابليون في قمع اليهود على مسلميها
قال موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي إن السياسة التي ينادي بها وزير الداخلية جيرالد دارمانان تجاه المواطنين المسلمين، يريدها أن تكون نسخة طبق الأصل من نهج الإمبراطور نابليون بونابارت الرجعي الذي أراد به القضاء على رعاياه اليهود تحت ستار الاندماج.
وقال أنطوان بيرو الذي حرر تقرير الصحيفة إن الوزير ظل يكرر في كتيب من 96 صفحة بعنون “الانفصالية الإسلامية”، فكرة رئيسية مقتضاها في النهاية “أن الدولة تفرض على المسلمين ما فرضه نابليون على اليهود”.
ورأى الموقع أن الجمهورية الخامسة -رغم كل التطور- هي مثل نظام القنصلية أو الإمبراطورية، لا تريد أن تتنازل عن العسكرة والوجه الواحد لفرنسا، ملقية عرض الحائط بالتنوع والتباين، وهي تسعى لفرض المفهوم الاختزالي الوحيد للمواطنة، وهو أن الاندماج يعني إجبار المرء على إنكار ذاته والخضوع
والذوبان.
وبأسلوب تهكمي، قال الكاتب إن “هذا هو ما يصنع شعبا فرنسيا ممتازا” باسم المثل الوطنية العظيمة، في بلد لا يمكن أن يقبل أبدا بتعايش مجتمعات المتجاورة، مثل حال البروتستانت في ظل الملكية المطلقة، واليهود تحت الإمبراطورية، والمسلمين تحت ما يسمى الجمهورية الخامسة.
تنظيم الديانة
ومع ذلك -يقول الكاتب- فإن محكمة التاريخ التي دانت بالإجماع إلغاء الملك لويس الرابع عشر عام 1685 مرسوم نانت (الذي يدعو للتسامح الديني وسنه ملك فرنسا هنري الرابع عام 1598)، لم تدن وحشية نابليون التمييزية تجاه اليهود، بل إن الرواية الوطنية تريد أن ترى في الحلقة النابليونية استمرارا للثورة بوسائل أخرى، خاصة فيما يتعلق بتنظيم الديانة اليهودية الفرنسية الهادف إلى ضمّ اليهود إلى “هذه العائلة العالمية التي يجب أن تؤسس الأخوّة بين جميع الشعوب”.
وأراد نابليون -بحجة التذمر المعادي لليهود في الألزاس، حيث يعيش نصف يهود فرنسا- تشكيل مؤسسات كنسية، انطلاقا من عدم ثقة المستبد، لا من ليبرالية المصلح المستنير، كما يقول المؤرخ وعالم الاجتماع بيير بيرنباوم في كتابه “النسر والكنيس.. نابليون واليهود والدولة” المنشور عام 2007.
ويضيف بيرنباوم أن فرنسا في العشرية الأولى من القرن التاسع عشر عادت كاثوليكية وأرستقراطية وملكية مسيحية، تعتمد على نبلاء يرتدون زيا موحدا، مما جعل اليهود -خلال هذه الفترة القصيرة التي شهدت تحولا رجعيا عميقا لفرنسا الثورية والجمهورية- يرون أنفسهم مرفوضين تدريجيا، وقد سُحبت منهم ضمنيا جنسيتهم المكتسبة عام 1791، ليصبحوا من جديد ذلك الآخر الغريب الذي يخضع لقوانين محددة كما في السابق.
وكان نابليون يدّعي أنه يريد جعل اليهود فرنسيين، مع أن من المفترض أنهم فرنسيون منذ عام 1791، وإلا فبأي شروط؟ كما يتساءل بيرنباوم في صفحات تبدو كأنها تصف التصور الحالي للمسلمين، خاصة عندما يشرح بالتفصيل كيف يُنظر إلى اليهود على أنهم طابور خامس من الشرق المزعج، يسعى لتقويض وإفساد طريقة الحياة الغربية والأوروبية والفرنسية.
حتى إن أحد مناهضي الثورة -كما يقول الكاتب- كان عام 1806 خائفا من “استبدال كبير” من جانب هؤلاء السكان الرحّل (اليهود) العابرين للحدود والمهاجرين في “مسيرة من آسيا إلى أوروبا”، كما كانت اليهودية في ذلك الوقت تبدو غير متوافقة مع الحداثة، من وجهة نظر فلسفية وسياسية على حد سواء.
أمة داخل أمة
وكان تعدد الزوجات المفترض لدى اليهود من دواعي تطبيق نابليون نهجه. وهل يحل لليهود الزواج بعدة زوجات؟ “هذا هو السؤال الأول من بين 12 سؤالا طرحها الإمبراطور الفرنسي على مجموعة من الوجهاء اليهود، أنشأها بمرسوم في يوليو/تموز 1806″، وهذا السؤال في حد ذاته -كما كتب بيرنباوم- يحيل إلى انتماء اليهود إلى الشرق، ويهدف إلى تحديد إمكانية اندماجهم في الأمة الفرنسية.
وتبين أن الصورة المزينة لنهج نابليون لم تكن هي الحقيقة، وذلك عندما أعلن نابليون عام 1806 أن “التشريع هو درع يجب على الحكومة ارتداؤه في أي مكان تتعرض فيه الممتلكات العامة للهجوم، وأنه “يجب اعتبار اليهود أمة لا طائفة. إنها أمة داخل أمة. أود أن أحرمهم من الحق في الحصول على قروض عقارية، لأنه من المهين للأمة الفرنسية أن تجد نفسها تحت رحمة أكثر الدول حقارة. صادر اليهود قرى بأكملها. حلوا محل الإقطاع”.
وأضاف نابليون “اليهود ليسوا في نفس فئة البروتستانت والكاثوليك. يجب أن يحكم عليهم القانون السياسي وليس القانون المدني، لأنهم ليسوا مواطنين. سيكون من الخطر إلقاء مفاتيح فرنسا وستراسبورغ والألزاس في أيدي مجموعة من الجواسيس غير المرتبطين بالبلد (…) يمكن منعهم من التجارة، على أساس أنهم يدنسونها بالربا، وإلغاء معاملاتهم السابقة باعتبارها ملوثة بالاحتيال”.
ومن هنا -يختتم الكاتب- لا بد من ملاحظة مدى تبني وزير الداخلية الفرنسي دارمانان عام 2021 لمعاداة اليهودية ورموزها، من أجل تطبيقها على المسلمين الفرنسيين، وكيف أنه لا تزال نفس الجهالات ونفس التحيزات البغيضة التي أظهرها نابليون قبل قرنين من الزمان عن يهود فرنسا قائمة، كما لو أن الدولة لا تتعلم ولا تأخذ الدروس من الماضي، وكأنه لا دواء ولا شفاء ولا تهدئة لعلتها، فهي تكرر كل مرة أخطاءها.
(المصدر: الجزيرة)