في الرابع من يناير 2014م، أعلن ما يسمى بـ«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) استيلاءه على مدينة الفلوجة في العراق، وتبع ذلك عدد من التقارير عن الفظائع التي ارتكبتها «الحكومة» الجديدة في المدينة، وفي أوائل عام 2016م بدأت القوات العراقية بمساعدة من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً لاستعادة السيطرة على الفلوجة؛ وأعلنوا انتصارهم في يونيو من العام الماضي.
قبل بدء الهجوم، شجعت رسائل واسعة النطاق سكان الفلوجة على إخلاء منازلهم قبل أن يبدأ القتال جدياً، كان الأساس المنطقي لهذه الرسائل هو تجنب وقوع إصابات بين المدنيين، واستجاب الآلاف للنداءات، ولكن أعقب ذلك أسوأ الأمثلة على تدمير الممتلكات في تاريخ العراق الحديث؛ وهو ما أجبر آلاف الأشخاص على مغادرة المدينة، إضافة إلى عدد كبير من المشردين داخلياً.
أكثر الذين غادروا المدينة هم من المسلمين السُّنة، وحتى بعد أن استقر الغبار في الفلوجة، ظل الناس نازحين ومشردين داخلياً، ولم تكن هناك محاولات جادة لإعادة توطينهم، ولا يزال أكثرهم يخشى العودة إلى ما تبقى من ديارهم؛ خوفاً من الانتقام من أولئك المسؤولين العراقيين الشيعة.
ولم يكن الوضع مختلفاً في الموصل، وكذلك في كل العراق، وعلى الرغم من أن الهجوم كان أكثر شراسة واستغرق وقتاً أطول، فإنه يتبع تقريباً النمط نفسه.
ومثل الفلوجة، كانت الموصل التي يسكنها في الغالب مسلمون سُنة، وقد أرسلت رسائل مماثلة قبل الهجوم، وغادر الآلاف منازلهم، وقد كانت هناك قبل ذلك مستويات عالية من عدم الثقة بين السكان السُّنة والحكومة العراقية التي يقودها الشيعة، ولا يزال القلة الذين عادوا يعيشون في خوف بسبب الواقع الديموجرافي الجديد على الأرض.
تعزيزات «حزب الله» في جرود عرسال:
جرود عرسال الموجود في لبنان، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السورية، توجد بينه وبين الأراضي السورية روابط عائلية قوية بين الشعبين على كلا الجانبين؛ حيث كانوا كياناً واحداً قبل التقسيم الأوروبي للمنطقة منذ قرن مضى، وقد اجتذب قربها من الحدود عدداً من اللاجئين من سورية إلى البلدة؛ مما أدى حتماً أيضاً إلى زيادة في الجماعات المنظمة ضد الحكومة السورية، بما في ذلك جبهة فتح الشام.
ومنذ عام 2014م، كانت هناك معارك مستمرة بين القوات السورية، بمساعدة من «حزب الله»، والقوات المعادية لها في جرود عرسال.
و«حزب الله» يعمل كبديل للحكومة السورية داخل لبنان، وكان في طليعة القتال، وقد عانى الجانبان من عدد كبير من الضحايا على مر السنين، لكنهما توصلا مؤخراً إلى اتفاق أسفر عن وقف مؤقت للأعمال العدائية في المدينة.
وأكدت «وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية» أن وقف إطلاق النار أكده موقع تلفزيون «المنار» التابع لـ«حزب الله»، الذي قال: إن وقف إطلاق النار هو جزء من اتفاق يبرمه رئيس جهاز الأمن العام في البلاد اللواء عباس إبراهيم، ومن بين شروط الاتفاق أن يتمكن مقاتلو جبهة فتح الشام وأسرهم من المرور الآمن إلى إدلب عبر الحدود في سورية، وعلاوة على ذلك فإن أي مدنيين آخرين في جرود عرسال يرغبون في المغادرة قد يفعلون ذلك، كما سيتم تبادل جثث المقاتلين الذين قتلوا في المدينة وحولها كجزء من الصفقة.
وقد عزز «حزب الله» سلطته على مر السنين، وعززت الحرب في سورية وتحالفات الحزب مع إيران وروسيا من سلطته السياسية في المنطقة، وبصفته يشكل المعارضة السياسية في لبنان؛ أصبح «حزب الله» أقوى قوة وتنظيم في البلاد، وأصبح أقوى من الجيش الوطني اللبناني، وطلبه من الحكومة اللبنانية تسليم جثث مقاتليه يدل على هذه القوة؛ حيث أرسل رسالة مفادها: «نحن نهتم بأفرادنا، حتى عندما يكونون ميتين»، وقد أظهرت «إسرائيل» هذا النهج في المطالبة بجنودها القتلى مقابل مئات الأسرى الفلسطينيين في عدة مناسبات.
تساؤلات مشروعة
إن التطورات في جرود عرسال تعكس ما حدث في الفلوجة والموصل وحلب.
ماذا سيحدث للمدنيين المسلمين السُّنة أساساً في المدينة عندما يستقر الغبار؟
هل سيسمح لهم بالعودة إلى ديارهم؟
ما الضمانات التي سيتم وضعها لسلامة وأمن المدنيين الذين يرغبون في العودة؟
بالنظر إلى أمثلة الفلوجة والموصل وحلب من المؤكد تقريباً أنها ستنضم إلى قوافل المشردين المتزايدة داخلياً واللاجئين في سورية ولبنان.
وفي عام 2015م، تم اقتراح محافظة إدلب كمقعد محتمل للمعارضة في سورية.
فهل طرد المقاتلين السُّنة وأسرهم له علاقة بتحقيق هذا الاقتراح؟ أم أن إدلب وجهة جديدة للهجوم الأخير؟
وقد بدأت عمليات التهجير القسري للمسلمين السُّنة في إدلب، وكأن السُّنة يوجهون إلى بيت الذبح.
كل الدلائل تشير إلى تطهير عرقي ممنهج للسكان السُّنة في المنطقة.
(المصدر: مجلة المجتمع)