بقلم د. محمد بن عبدالله الهبدان.
عند حلول الفتن تزيغ أبصار عن الحق وتبصره أخرى وفيها تتبدل الأحوال وتختبر عقول الرجال ، ويمتحن الإيمان أيما امتحان. وفي زماننا فتن كثيرة عاصفة ناسفة لا يسلم من شرها إلا من ثبته الله من عنده فرزقه بصيرة وفرقانا يبصر بها الحق وينصف بها الخلق فيجنبه إياه وفي الحديث: (إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر) وقال الله جل وعلا:( والفتنة أشد من القتل).
وهذه كلمات وإشارات من الكتاب والسنة حول ما يفعله المسلم في وقت الفتن واختلاف الأمور واختلاطها:
أولاً: الحرص على العبادة: روى مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” العبادة في الهرج ـ أي في الفتنة ـ كهجرة إليّ”.
ثانياً: الإلحاح بالدعاء: قال صلى الله عليه وسلم: “تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن” رواه مسلم .
ثالثاً: حسن التأمل والوعي بالحال: الواجب على أهل الشأن أن يغوصوا بعيدا ليروا الأسباب الحقيقية للفتنة ..وحيثياتها الكثيرة ..وجذورها القديمة ..لا نكتفي بمجرد الحلول العاطفية للمشاكل بل ننزل إلى أصول البلاء.
رابعاً: الصبر وعدم الاستعجال يقول الله تعالى: { فاصبر إن وعد الله حقٌ واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله : فأمره بالصبر وأخبره أن وعد الله حق وأمره أن يستغفر لنبيه ولا تقع فتنةٌ إلا من ترك ما أمر الله به ، فإنه سبحانه أمر بالحق ، وأمر بالصبر ، فالفتنة إما من ترك الحق ، وإما من ترك الصبر ، فالمظلوم المحق الذي لا يقصرُ في علمه يؤمر بالصبر ، فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور .
خامساً: الحلم والأناة: لأن ذلك يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمة ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها ،كما قال عمرو بن العاص في وصف الروم : (إنهم لأحلمُ الناس عند فتنة) .
سادساً: الالتفاف حول العلماء الربانيين: فإن الالتفاف حولهم يعد سبيلا مهما من سبل النجاة من الفتن على مختلف أنواعها وأشكالها ، كما يعين على الأمن من الزيغ والضلال .
سابعاً: عدم تطبيق ما ورد في الفتن ـ من نصوص ـ على الواقع المعاصر ..لأن منهج أهل السنة والجماعة إبان حلول الفتن، هو عدم تنزيل أحاديثها على واقع حاضر ..وإنما يتبين ويظهر صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أنبأ وحدث به أمته من حدوث الفتن عقب حدوثها واندثارها ،مع تنبيه الناس من الفتن عامة ، ومن تطبيقها على الواقع الحالي خاصة .
ثامناً: بذل السبب لخلاص الأمة ورفعتها ..بدلاً من الاشتغال بفضول الكلام.
تاسعاً: الحذر من السير في ركاب المنكر ( لأن الكبراء رضوا به ): روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون ، فمن عرف فقد برئ ومن أنكر سلم ، ولكن من رضي وتابع ، قالوا: أفلا نقاتلهم قال : لا ما صلوا )). قال النووي: قوله (من عرف فقد برئ) معناه: من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو لسانه ، فإن عجز فليكرهه بقلبه ..وقوله: (ولكن من رضي وتابع). ولكن العقوبة و الإثم على من رضي وتابع.
عاشراً: السير في ركب جماعة المسلمين وإمامهم: كما في حديث حذيفة الطويل وفيه: (قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ، قلت يا رسول الله صفهم لنا قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت فما تأمرني أن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) رواه البخاري وغيره.
الحادي عشر: أهمية التأصيل العلمي القائم على منهج شرعي: وهذا لا بد منه وقت الفتن ، لأن كثيرين يخوضون بغير علم فيؤدي خوضهم الى أنواع من البلاء والتفرق والتصرفات الطائشة.
الثاني عشر: الحذر من الشائعات والروايات الواهية ونقل الأخبار المكذوبة: يقول ابن عمر – كما رواه ابن حبان – (لم يكن يُقصّ في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ولا عمر ولا عثمان إنما كان القصص زمن الفتنة).
الثالث عشر: عدم الاعتماد على الرؤى في وقت الفتن لأنها في الغالب تكون أحاديث نفس . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر: رابطة علماء المسملين.