موقع التفكير السياسي في القرآن
بقلم محمد الحاج
للخطاب القرآني مستويات، يحددها نوع القضية المدروسة. فهناك قضايا مؤسّسة لحياة المجتمع، تحتاج إلى تشريعات مفصلة، وأخرى تتطلب تحديدات لأطر وفلسفات عامة، وعليه فأصناف الخطاب في القرآن الكريم:
أ – صنف تفصيلي: يتناول قضايا بتفاصيلها وفروعها ودقائقها، والمثال هنا: قضية الأسرة: حيث يبحث القرآن، في تفاصيل النكاح والطلاق والميراث ..
ب – خطاب مقاصدي كلي: يتناول القضايا دون التعرض للجزئيات والتفاصيل، والمثال هنا: الشورى والعدل في الحكم والعدل بين الناس .. فالقرآن هنا قلما يتطرق إلى التفاصيل والجزئيات، بل يوضح المقاصد وينبه إلى الغايات، ويشير إلى القيم، ويحدد الضوابط، ويترك الجزئيات والتفاصيل لاجتهاد المجتهدين، وفهم الحكماء، على اختلاف الأزمنة والأماكن والأحوال .
ج – خطاب يتعلق بالمنهج: حيث يرسم القرآن منهج التفكير، ويحدد معالم النظر، ومستويات التعامل. والمثال هنا: الأمور المعرفية في كلياتها ونماذجها.
ففي الغيبيات والأسئلة الكونية: الاختصاص هنا لمنهج الوحي. وفي علوم الطبيعة والماديات، الاختصاص للعقل والحس والنظر والتجربة (المنهج العلمي). وفي علوم الإنسان، لابد من منهج يقرأ التكوين البشري بشقيه الروحي والجسدي، أي لابد من الجمع بين منهج الوحي والمنهج العلمي.
فأين موقع التفكير السياسي، من تلك النماذج؟
لما كان الفكر السياسي، يختص بالبحث في 1 – مجال السلطة: كيف يتم التوصل إليها (تراضيا أم إكراها)؟. وكيف يكون التصرف فيه (استبدادية أم شورية) ؟. وكيف تكون علاقة الفرد فيها (خضوعا أم خروجا أم حوارا)؟.
2 – مجال القانون الدستوري: الذي يحدد العلاقات النظامية بين السلطات: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
3 – مجال التأثير المتبادل بين المؤسسات النظامية الثابتة، وتيارات الرأي المتحركة في المجتمع (الأحزاب، الرأي الغام، النقابات، الملكيات ..).
أي لما كان الفكر السياسي يختص بتفصيلات وجزئيات كثيرة في حياة الأمم، خصَّه القرآن الكريم بخطاب مقاصدي (أي النوع الثاني) المؤطر بالمقاصد والغايات والقيم والضوابط العامة
ولم يتعرض فيه للتفصيلات الكثيرة. وبكلمة أخرى: فإن الخطاب القرآني في هذا المجال، ضمَّ إلى جانب هداية الخطاب (الكليات)، ثمرات العقول والأفكار البشرية، وتراكمات التجارب عبر |لأزمنة والأمكنة.
…………………….
ينظر للتفصيل: التيجاني حامد، أصول الفكر السياسي من القرآن المكي
(المصدر: رسالة بوست)