موسوعة بأهم الكتب التي أثرت المكتبة العربية والإسلامية
إعداد مصطفى عاشور
التأريخ للكتاب وتأثيره في بناء الوعي والنهضة ذو أهمية في أي مشروع حضاري ناجز، إذ أن التأريخ للكتاب هو في حقيقته تأريخ للفكر وتطوره، وللواقع وتحدياته، واستشراف للمستقبل وتطلعاته، وإذا كان علم “تأريخ الأفكار” أسسه الأمريكي “آرثر لوفجوي” في الثلاثينيات من القرن الماضي، فإن الحضارة الإسلامية سبقت في هذا الشأن، مع إصدار كتاب ” كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” للمؤلف العثماني الشهير ب”حاجي خليفة” (المتوفى: 1067هـ)، وهو توثيق ضخم للكتب العربية والفارسية والتركية، قضى فيه مؤلفه أكثر من عشرين عاما، وأورد فيه أسماء أكثر من خمسة عشر ألفا كتاب، كما عرفت التجربة الثقافية العربية الحديثة مجلة مهمة أثرت في تشكيل الوعي الثقافي العربي في فترة الستينيات من القرن الماضي، وهي مجلة “تراث الإنسانية” التي صدرت عن وزارة الثقافة، وتوقفت في العام 1971، غير أن اهتمامها انصب على نقل أهم الكتب التي أثرت في العقل الإنساني وتقديمها للقاريء العربي.
وتأتي موسوعة “أهم الكتب التي أثرت في فكر الأمة في القرنين التاسع عشر والعشرين” والصادرة عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وعن دار الكلمة للنشر والتوزيع، وتحت إشراف الدكاترة: عبد الحميد أحمد أبو سليمان، ورفعت العوضي، وعبد الرحمن النقيب، ومراجعة الدكاترة: زكريا سليمان بيومي، وصلاح عبد السميع عبد الرزاق، وبمشاركة (25) مفكرا وباحثا وأكاديميا، والصادرة في سبعة أجزاء كبيرة، في طبعتها الأولى عام 2017، جاءت الموسوعة لتسد فراغا في المكتبة العربية والإسلامية، فالموسوعة مل فكري يغوص في جذور فكر الأمة، بهدف معرفة منابع القوة واستحضارها، وغربلة التراث وتنقيته.
وفي بداية المشروع تم رصد ما يقرب من ألف كتاب مهم في القرنين الماضيين، وبعد تنقية وتنحية للكثير من تلك الإصدارات تم التوافق على تسعة وتسعين كتابا، وفي هذا المشروع تم رصد الكتب ذات الأثر الإيجابي في تكوين عقل الأمة، وكذلك الكتب ذات الأثر السلبي، باعتبارها من الأمور التي عوقت تقدم الأمة، وشغبت على رؤى الإصلاح.
رأى المشروع أن هناك ترابطا وتلازما بين التراكم والتقدم، فالتراكم في الفكر يؤدي إلى تقدم في الفكر، لذا يمكن صوغ القاعدة على النحو التالي: “أمة لا تُراكم أمة لا تتقدم”، كما أن التراكم والتقدم والتواصل أمور متلازمة أيضا، وهو ما يستوجب أن يحقق التقدم تواصلا مع التراث، وبالتالي خلق خصوصية حضارية، خصوصية لا تقود إلى الانعزال، وإنما تدفع الأمة إلى التفاعل والتأثير المتبادل.
ويرى مشرفو المشروع أن الكتب التي يقدمونها ضرورية في بناء الشخصية والعقل المسلم، إذ من الأهمية بمكان أن يكون المثقف المسلم على اطلاع وتواصل مع تلك الانتاجات الفكرية التي ظهرت في القرنيين الماضيين حتى يستوي العقل بلا معيقات، أو أزمات، أو قصور، أو ضعف، ويمكن القول أن تلك الموسوعة تمثل ضوءا كاشفا على تاريخ الأمة وعقلها وروحها وذوقها وقضاياها وأزماتها وتفاعلاتها.
استمر العمل في الموسوعة ثلاث سنوات، وكان السؤال المُلح طوال تلك السنوات، هو: كيفية رصد مسيرة الفكر والإصلاح للأمة في القرنين الماضيين، بحثا عن مكامن القوة والضعف، وأسباب التقدم وعوامل الانهيار، وقابليات التفكك والوهن، وكان اختيار القرنين الماضيين باعتبارهما الفترة التي شهدت فيها الأمة المسلمة أهم تحدياتها الحضارية، بل والتحديات الوجودية التي خلقها الاستعمار متعدد الأدوات: الفكرية والعسكرية والدينية، غير أن هذا التحدي أوجد حيوية في الأمة عقلها وروحها، إذ كان التحدي بمثابة المثير القوي والمؤلم لإيقاظ الأمة من سُباتها وجمودها.
لكن المثير أن جميع التيارات الفكرية من إسلامية وماركسية وليبرالية التي ظهرت في تلك الفترة وضعت النهوض العلمي ضمن أولوياتها، وتكشف الكتب التسع وتسعين، أن سؤال التقدم اختلفت الإجابة عليه، مع تنوع الرؤى الإصلاحية للخروج من دائرة التخلف ومأزقه، وكذلك كان الاختلاف كبير حول كيفية ومقدار استلهام الحضارة الغربية في النهوض العربي والإسلامي، فتنوعت الإجابات بين الارتماء الكامل والتسليم المطلق للحضارة الغربية، وبين الابتعاد الكامل عنها والاكتفاء بالتراث، وبين المزاج بين الحضارتين.
ويلاحظ أن الموسوعة اهتمت بالكتب التي صدرت في الجانب العربي، كما أن غالبة الكتب التي تناولتها الموسوعة صدرت في النصف الثاني من القرن العشرين، باستثناءات قليلة في القرن التاسع عشر، ولعل ذلك يعود إلى أن القرن التاسع عشر شهد بداية الاستعمار الغربي، ومن ثم انصرفت الجهود لمقاومته، ومن ناحية أخرى فإن العنصر الرائد ثقافيا في الأمة في تلك الفترة كان المشايخ، وهؤلاء لم يكونوا مؤهلين للتصدي الفكري للتحدي الحضاري الغربي، ولما مضت الصدمة، وتم استيعاب التغيرات، وفهم التحديات، وحقيقة المأزق، بدأ العقل المسلم ينشط وينتج من المعرفة ما يجابه تلك التحديات، لذا كان منطقيا أن تكثر المؤلفات في بداية القرن العشرين، كذلك لعب الاستعمار دورا تشويهيا ضد الحضارة الإسلامية مع بداية احتلاله للمنطقة العربية، فانصرفت الجهود إلى الموقف الدفاعي عن الذات الحضارية.
ويلاحظ –أيضا- على الموسوعة غلبة الطابع المصري والعربي، ويعود ذلك إلى أن مصر عرفت الطباعة مبكرا، فصدرت فيها غالبية الكتب، كما أنها كانت ملاذا لكثير من المفكرين والكتاب في تلك الفترة وهؤلاء فضلوا أن تكون ولادة كتبهم في القاهرة، كما أن غالبية القلق والتوتر الفكري والردود حاليا كانت في مصر.
وتكشف الموسوعة في رصدها للإنتاج الفكري في القرنين الماضيين، أن الفترات التي شهدت فيها المنطقة حكما عسكريا كانت فترة شديدة الجدب والإفقار الفكري، وما جاءت فيها من كتابات وأفكار كانت قليلة مقارنة بالفترات الليبرالية التي كانت الأفكار تجد فيها قدرا معتبرا من التسامح، فالفترة التي شهدت حكم العسكريين منذ سيطرة محمد على باشا على السلطة في مصر عام 1805، أو سيطرة العسكريين على السلطة في كثير من البلاد العربية بعد الحرب العالمية الثانية شهدت انكماشا حادا للحرية، فتقلصت معها الكتب والأفكار وحرية الرأي والتعبير خاصة من ذوي الاتجاه الإسلامي الذين تعرضوا للقمع والتشريد والنفي والسجن.
هذه أهم أقسام الموسوعة :
(1) محور الفقه والقانون والثقافة الإسلامية: ومن أهم الكتب التي تناولها “مقاصد الشريعة الإسلامية” للعلامة الطاهر بن عاشور، وكتابي “الأخلاق في القرآن الكريم” و”الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان” للدكتور عبد الله دراز، وكتاب “الإسلام عقيدة وشريعة” للشيخ محمود شلتوت، و”القرآن وقضايا الإنسان” للدكتورة عائشة عبد الرحمن.
(2) محور قضايا فكرية: وتناول خليطا متنوعا من الكتب التي تعبر عن أفكار متضاربة في كثير من الأحيان، فمثلا تناول كتاب “ما هي النهضة” لسلامة موسى، والذي طالب بضرورة اقتداء المصريين بالنهضة الأوروبية، وحمل الكتاب جملة من الأفكار المناهضة للرؤية الدينية، وكتاب “مطالب المستقبل العربي” لقنسطنطين زريق، و”نحن والحضارة الغربية” لأبي الأعلى المودودي، و”الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي” للدكتور محمد البهي، و”وجهة العالم الإسلامي” لمالك بن نبي، و”تجديد الفكر الديني في الإسلام ” لمحمد إقبال.
(3) محور قضايا فلسفية: ويحوي تنوعا، شمل كافة التيارات والتوجهات الفكرية والفلسفية، مثل: “معالم الفكر الماركسي” للدكتور حسين مروة، و”ازمة العقل المسلم” للدكتور عبد الحميد أبو سليمان، و”فلسفة العلوم بنظرة إسلامية” للدكتور أحمد فؤاد باشا، و”نظرية المعرفة بين القرآن والفلسفة” للدكتور راجح عبد الحميد كردي.
(4) محور قضايا اجتماعية: بدأت الهزة الاجتماعية في المجتمع الشرقي مع الحملة الفرنسية على مصر في القرن الثامن عشر، وصدرت كثير من الكتب ترصد ذلك الواقع وأزماته، منها: المرشد الأمين للبنات والبنين” لرفاعة الطهطاوي، و”حقوق النساء في الإسلام” للشيخ محمد رشيد رضا، و”مواطنون لا ذميون” لفهمي هويدي، و”المرأة والعمل السياسي-رؤية إسلامية” للدكتورة هبة رءوف، و”منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية” للباحث محمد أمزيان.
(5) محور الثقافة التاريخية: ومن الكتب التي تناولها المحور “تاريخ التمدين الإسلامي” لجرجي زيدان، و”طبائع الاستبداد” للكوكبي، و”زعماء الإصلاح في العصر الحديث” لأحمد أمين، و”المجددون في الإسلام” للشيخ عبد المتعال الصعيدي، و”الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها” للدكتور عبد العزيز الشناوي، وكتاب “الحركة الإسلامية في السودان” للدكتور حسن الترابي، و”أطلس الحضارة الإسلامية” للدكتور إسماعيل الفاروقي.
(6) محور الأدب: وتناول عدة كتب منها: “في الشعر الجاهلي” للدكتور طه حسين، و”تاريخ الدعوة إلى العامية” للدكتورة نفوسة زكريا سعيد، و”حياة محمد” لمحمد حسين هيكل، و”إسلام بلا مذاهب” للدكتور مصطفى الشكعة.
(المصدر: إسلام أونلاين)