من ينصر الشيخ سلمان العودة؟
بقلم ظاهر صالح
قال ابن خلدون في مقدمته، تحت عنوان: “الظلم مؤذن بخراب العمران” فقال: ولا تحسبن الظلم هو أخذ المال من يد مالكه من غير عوض، ولا سبب كما هو المشهور، بل الظلم أعم من ذلك، وإن وباله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها، واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع تحريم الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه، وقال أيضاً العدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم واسرارهم وأعراضهم فهو يفضي إلى الخلل والفساد وتنتقص الدولة سريعاً بما ينشأ عنه من الهم المفضي إلى الانتقاص، فإذا صودرت الحريات في مجتمع ما، مات المجتمع أدبياً ومعنوياً وركدت فيه الحركة الفكرية وانعكس ذلك سلباً على كل النواحي وفسدت أحوال الناس خلاف ما يرون، وانتشر الاستبداد والظلم والقهر.
لقد شهدت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة تغيراً وتحولاً جذرياً في مجتمعها، خصوصاً بعد أن تولى محمد بن سلمان مقاليد ولاية العهد بالمملكة وتمثّل ذلك في عدائه للعلماء والمفكرين وحقده على الدعاة والشيوخ، وزجّهم في السجون وإعدامهم لإسكات أصواتهم وترهيب من يأتي بعدهم يحمل فكرهم ويسيروا على خطاهم ونهجهم، وقد أخطأ إذا ظنَ أنه سيقضي على هذا الفكر، بل سيتواصل في التوالد وربما سيسرّع ويتسارع بعد أن صرّحت المملكة السعودية بأنها ستعدم فكرهم وتصادر آراءهم وهي بذلك تقضي على حرية التعبير المكفولة والمنصوص عليها في المواثيق الدولية، فما قيمة أمّة تعتقل علماءها وتعدم أخيارها، وما قيمة الدولة التي لا تحترم مفكريها وتُوقر دعاتها؟
تعهد بن سلمان في خطابه الأول، منذ بدء استلامه زمام السلطة بأنه سيقوم “بتحرير المجتمع السعودي” من تلك الفترة وإعادة المملكة السعودية لما كانت عليه قبل 30 عاماً، وقد أكد بأن السعودية لم تكن كذلك قبل1979.. السعودية انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 1979، فنحن لم نكن بالشكل هذا، وسنعود لما كنّا عليه بالإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم، لم يفهم أحد ما يقصده بن سلمان حينها، وما يقصده بإسلام وسطي معتدل منفتح على العالم، فما هي معايير الإسلام المنفتح على العالم التي سيتخذها جسراً ينقل عن طريقه المملكة.
لقد طالت حملات الاعتقال العلماء والدعاة المؤثرين، كالدكتور ناصر العمر والشيخ المنجد والشيخ عوض القرني والشيخ علي العمري والدكتور سلمان العودة، الذي كان أحد الشيوخ الذين وقّعوا على خطاب المطالب، الذي طالب بالإصلاحات القانونية والإدارية والاجتماعية والسياسية، وانتقاده الشديد للتعاون مع الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ومنعُه من إلقاء المحاضرات والخطابات في عام 1993، واعتقاله في أواخر عام 1994 كونه أحد رموز الصحوة.
الدكتور سلمان العودة وإخوانه ليسوا بدعاة تقليديين، بل نحسبهم من العلماء العاملين الذين هم أرحم بالمسلمين من الآباء والأمهات، كما قال يحيى بن معاذ في وصف العلماء: “العلماء أرحم بأمة محمد عليه الصلاة والسلام من آبائهم وأمهاتهم” قيل وكيف ذلك؟ قال لأن آبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الآخرة. يُمثّل الدّكتور سلمان العودة وأمثاله، أصوات الحكمة والوسطية والاعتدال، دعاة للحق والخير والإصلاح وهم يمثّلون الأمل في إنقاذ البلاد والعباد، وسيلتهم في ذلك النصيحة وممارسة حقيقية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبالعودة لأسباب الاعتقال هو امتناع الشيخ سلمان العودة عن الوقوف مع المملكة العربية السعودية ضد أي خصم آخر واستخدام شعبيته كقدوة حسنة للشباب السعودي والعربي، ودعمه القضية الفلسطينية، في سبيل تحقيق غايات المملكة لتجيير الدين ونشر الفرقة والتناحر وشقْ صفوف المسلمين، في وقت وقف فيه رجال الدين المُسيسون بأمر من حُكام السعودية تحت طوعهم ورهن إشاراتهم خوفاً من الاعتقال أو النفي أو الموت بالمنشار أو خلف القضبان، في صورة واضحة للظلم والاستبداد الذي تفرضه المملكة على عُلماء الدين والدعاة، بينما تحاول جاهدة من خلال وسائل الإعلام الفضائية والإلكترونية التابعة لها رسم وترسيخ صورة ذات ملامح جديدة، تنادي وترفع شعار الإسلام المعتدل كأيقونة عصر نهضة جديد تشهدهُ السعودية، فيما حقيقة الأمر أن حكم الإعدام الذي صدر بحق العودة ليس بشأن 37 قضية جنائية، بل أنه ارتبط بشأن ملايين القضايا الإنسانية والعربية في عموم الأمة.
لا شك أن منزلة العلماء رفيعة عند اللّه وعند رسوله وعند الذين آمنوا ونصوص القرآن والسنة وآثار السلف أكثر من أن تحصر في هذا المجال، فقد قال عمر بن الخطاب: “موت ألف عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت عالم بصير بحلال اللّه وحرامه”.. وقال الفضيل بن عياض: “كان العلماء ربيع الناس إذا رآهم المريض لم يسره أن يكون صحيحاً وإذا نظر إليهم الفقير لم يود أن يكون غنياً”، لقد كان العلماء هم الذين يقودون الشعب في معركته ضد الطواغيت لأنهم هم المحرك الاساسي للشعب وهم مستودع أسراره، فهم ملاذ الامة في الظروف الصعبة وفي المحن.
وقد تقرر في شرعنا الحنيف أن الحاكم في الاسلام ليس حاكماً مطلقاً، ولكنه حاكماً مقيداً بالشرع ولكل مسلم حق الانكار عليه إذا انحرف، ونقده لا يعتبر نقداً للإسلام، وقد امتاز الاسلام عن جميع مذاهب الأرض أنه جعل كلمة الصدع بالحق أمام الحاكم الظالم، واجباً من الواجبات الشرعية، لأن الحاكم ليس نائبا عن الله عز وجل وإنما هو نائب عن المسلمين، فللأمة حق الاختيار وحق نصحه وتوجيهه وتقويمه إن أساء، بل وحق عزله عن منصبه إن وجد ما يوجب عزله، فسلطة الأمة هي مراقبة الحاكم وتقويمه ليست محل جدل، وما أنكر سلطان الأمة في هذا المجال إلا الفساق، الذين أرادوا أن يجعلوا الحاكم في مقام المولى تبارك وتعالى، لا يسأل عما يفعل،فمنزلة الصادع بالحق في وجوه حكام الجور والفجور تعادل منزلة المجاهد.
لذلك كانت عادة السلف الصالح الجهر بكلمة الحق في وجوه الحكام الظالمين، وقد قصّ علينا الإمام الغزالي من أخبارهم حيث قال: “كان من عادة السلف التعرَض للأخطاء والتصريح بالإنكار من غير مبالاة بهلاك المهجة والتعرض لأنواع العذاب لعلمهم بأن ذلك شهادة ولما علم المتصلبون في الدين” إن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وإن صاحب ذلك إن قُتل فهو شهيد”، كما وردت الأخبار قدموا على ذلك مُوَطِنينَ أنفسهم على الهلاك ومحتملين أنواع العذاب وصابرين عليه في ذات الله تعالى ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله.
لذلك من الواجب التذكير في الحديث الشريف “ما من امرئ مسلم يخذل امرءٍاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله تعالى في مواطن يجب فيها نصرته، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه حرمته إلا نصره عز وجل في مواطن يجب فيها نصرته “. رواه أبو داوود وأحمد وهو حديث حسن، وبعد.. يبقى لنا أن نتساءل عن سر صمت من ينسب نفسه إلى العلم عن استبداد واسعباد هؤلاء الحكام ؟
(المصدر: مدونات الجزيرة)