من مقولات المستكبرين: لو كان خيراً ما سبقونا إليه
بقلم أبو الهيثم محمد درويش
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} : وهكذا يفعل الغرور بأهله , فمقولات أهل العناد والاستكبار تكاد تكون متكررة عبر التاريخ إن لم يكن بنفس الألفاظ فبنفس المعاني . من تلك المقولات قول المعاند المعادي للرسالة وحامليها : لو كان ما عندكم هو الحق لسبقناكم إليه فنحن أهل الفهم والفكر, فجعلوا من أنفسهم حجة على الحق وجعلوا من تركهم للحق وعنادهم إياه دليلاً على بطلان الحق ذاته.
وبناء على عدم اهتدائهم كان التطور الطبيعي لحالهم وهو مهاجمة الحق ووصفه بأبشع الصفات إلصاق التهم والتشويهات بالرسالة وحامليها. أما أهل الإيمان فثابتون صابرون يعلمون قيمة ما معهم من الحق وأنه الامتداد الطبيعي للكتب السابقة وأولها التوراة قبل تحريفها , وأنه نور الله الموصول عبر جميع الرسل و الأنبياء .
قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} . [الأحقاف 11-12] قال السعدي في تفسيره: أي: قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته: { {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } } أي: ما سبقنا إليه المؤمنون أي: لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين؟ هل هم أزكى نفوسا؟ أم أكمل عقولا؟ أم الهدى بأيديهم؟ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال: { {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} } أي: هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه. الذي قد وافق الكتب السماوية خصوصا أكملها وأفضلها بعد القرآن وهي التوراة التي أنزلها الله على موسى { { إِمَامًا وَرَحْمَةً} } أي: يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة. { {وَهَذَا } } القرآن { {كِتَابٌ مُصَدِّقٌ } } للكتب السابقة شهد بصدقها وصدَّقها بموافقته لها وجعله الله { لِسَانًا عَرَبِيًّا } ليسهل تناوله ويتيسر تذكره، { { لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} } أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة ويذكر الأعمال التي ينذر عنها والأعمال التي يبشر بها.
(المصدر: طريق الإسلام)