بقلم الشيخ عبدالعزيز رجب
نتناول هنا مقاصد الشريعة في المعاملات المالية، وكيف أن الإسلام له مقاصد في التعامل بالمال، بها ينصلح حال المسلم في الدنيا والآخرة.
ومن مقاصد الشريعة في المعاملات المالية:
1 – مراعاة مقاصد المكلفين: بمعنى أن يكون مقصد الشارع المكلف أن يكون قصده في العمل موافقًا لقصده في التشريع، وكل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له، فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع، فعمله باطل[1].
مثل: إجازة بيع المعاطاة الذي اعتاد الناس عليه دون إيجاب وقبول، بالرغم من أن الشافعية والظاهرية قد أبطلوا، إعمالًا للظاهر وعدم الأخذ بالمقاصد، بيع الخمر باطل، مع أن البائع ينتفع بجني وكسب المال، ولكنه غير موافق لأحكام الشريعة.
2 – الرواج: أن يكون المال رائجًا بين المسلمين، ولا يدخر عند البعض دون البعض، من أجل المحافظة على هذا المقصد وتسهيله، شرع مثل هذه العقود: عقود المعاملات لنقل الحقوق المالية بمعاوضة أو تبرع، وعقود مشتملة على شيء من الضرر لتسهيل الرواج؛ كالسلم والمزارعة، وانتقال المال بأيد عديدة في الأمة على وجه لا حرج فيه على مكتسبه، كالتجارة بأعواض العملة، وتسهيل المعاملات بقدر الإمكان، وترجيح جانب المصلحة على المفسدة، مثل المساقاة، والتعامل بالنقدين والتوثيق: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [البقرة: 282]، والقصد لاستنفاد بعضها؛ كالنفقات الواجبة على الزوجات والأقارب[2].
3 – التملك والتكسب: التملك هو أصل الإثراء البشري، هو اقتناء الأشياء التي ستحصل منها ما تسد به الحاجة بأعراضه أو أثمانه، والأصل في الملك والاختصاص، فهو يوفر الماء للعطش، والبيت للحر، والطعام للجوع، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحيا أرضًا ميتة، فهي له، ليس لعرق ظالم حق))[3].
مقاصد الشريعة في إثبات التملك والتكسب، منها: أن يختص المال الواحد أو المتعدد بما تملكه بوجه صحيح؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ [البقرة: 282]، أن يكون صاحب المال حرَّ التصرف فيما يملكه، أو اكتسب تصرفًا لا يضر بغيره ضرًّا معتبرًا، ولا اعتداء فيه على الشريعة، مثل: الحجر على السفيه في أمواله؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ليس لعرق ظالم حق))[4].
4 – منع التحيل، والتحيل الممنوع: هو ما كان المنع فيه شرعيًّا، والمانع الشارع، مثل: أن يهب ماله قبل مضي الحول بيوم لئلا يعطي زكاته، واسترجعه من الموهوب له من غد، ومن شرب مخدِّرًا ليغمى عليه وقت الصلاة فلا يصليها، يبيع النسيئة التي يقصد بها التوصل إلى الربا[5].
5 – تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقيها، ومراتب هذه الحقوق:
1 – الحق الأصلي المستحق بالتكوين وأصل الجبلة: هو حق المرء من تصرفات حواسه ومشاعره، مثل: التفكير، والنوم، والسمع.
2 – ما كان قريبًا من السابق، ولكن يخالفه بأن فيه شائبة من تواضع، اصطلح عليه نظام الجماعة أو الشريعة، مثل: حق الأب لأولاد الذين جعلهم سببًا لاختصاص أولاده.
3 – أن يكون المستحق وغيره سواء في إمكان تحصيل الحق، لكن المستحق قد سعى بجهد وعمل بيده وبجسده لتحصيل الشيء قبل غيره، مثل: الاحتطاب، الصيد، القنص.
4 – دون السابق، وهو أن يكون الطريق إلى نوال الشيء هو الغلبة والقوة، مثل: القتال على الأرض.
5 – حق السابق الذي لم يصاحبه إعمال جهد في تحصيل الحق، مثل: مجالس المساجد، والصلاة فيها.
6 – أن يكون المستحق قد نال الحق بطريقة ترجيحية على متعدد من المستحقين في مراتب أخرى لتعذر الانتفاع بالشيء المستحق، مثل: جعل حضانة الأولاد حقًّا لأمهم دون أبيهم إذا حصل الفراق بين الأبوين.
7 – مجرد المصادفة دون عمل أساسي، مثل: القرعة في القسمة، كبر السن في المحاورة[6].
8 – أن ينال الحق بعد انقراض مستحق أقرب الناس إليه وأولاه بأخذ النقود مثل الإرث.
————————————————
[1] الموافقات (2/ 283).
[2] ابن عاشور (465/ 472).
[3] الموطأ (528) البخاري (2/ 822) عن عمرو بن عوف رضي الله عنه.
[4] ابن عاشور (478).
[5] ابن عاشور (357).
[6] ابن عاشور (122/ 428).
المصدر: شبكة الألوكة.