من معاني تجديدنا الإسلامي!
بقلم علي حليتيم
يتعرض الفكر الإسلامي لهزات وجودية عنيفة جدًّا تكاد تعصف به لولا أن المولى عز وجل قد تكفل به حفظا من التحريف وديمومة في الوجود واستعلاء على غيره من المنظومات.
لكن ذلك الحفظ لابد له أن يكون في إطار المنظومة السننية التي بنى الله عز وجل عليها الكون والإنسان، على أيدي بشر دانوا لله بالعبودية وكلفهم هو بما هو ماضيه من مكارم الأفعال كما أوكل بالمقابل لغيرهم مهمة الانتصار لمنظومات البشر حتى تتحقق سنة التدافع وينتصر أحد الفريقين.
لكن من يتولى مهمة التجديد؟
ما أكثر تجارب التجديد في تاريخنا الإسلامي الطويل وما أثراها كما يظهر من خلال العدد المتزايد من الدراسات، جامعية وغيرها، التي تناولت تجارب التجديد والإصلاح في العالم الإسلامي قديما وحديثا. ولجمعية العلماء المسلمين الجزائريين مساهمة طيبة في قراءة بعض هذه التجارب من خلال ملتقى الشيخين وعلى ضوء تجربتها الخاصة الطويلة.
إن الدارس لتلك التجارب التجديدية ليدرك أنها كانت تجدد في طرائق قراءة أو عرض أو تقسيم أو تنزيل النظم الإسلامية أو في طرائق الدعوة والإصلاح دون المساس بجوهر النص القرآني أو محاولة مخالفته إلا في حالات قليلة تولى بعدها المجتمع عملية التصحيح والتقويم كما حدث مع المهدي بن تومرت الذي ماتت أفكاره المهدوية بعد وفاته رغم استمرار دولته.
يعاني العالم الإسلامي اليوم انهيارا عميقا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحالة من الاستعمار الجديد غير المعلن (neocolonialisme)، من نتائجه اشتداد الضغط على الفكر الإسلامي من جهة وإلحاح الحاجة إلى التجديد لمواجهة التحدي والانهيار، من جهة ثانية ولأن غياب المجددين الحقيقيين سيدع فراغا يملؤه بدون شك أدعياء التجديد تماما كما يظهر مدعو النبوة بعد وفاة الرسل.
وعند وفاة الرسل قد يفلح الدجالون في التلبيس على المؤمنين الطيبين كما فعل بولس بعد رفع المسيح فادعى أنه رآه في طريق دمشق ووضع للناس عقيدة الرجعة والفداء.
وعند وفاة الرسل قد يختلف المؤمنون فتظهر الفرق التي تحرف الدين باسم نصرته ومحبته كما ظهرت فرقة التشيع بعد الجمل وصفين.
والذي يزيد التحدي هو أن راية التجديد المضِل قد حملها في زماننا دول ومراكز فكر تتولى التأسيس له في الجامعات والمعاهد وتروج له ولرواده بشتى الوسائل من جوائز علمية وطبعات أنيقة وصفحات ممولة يوميا على مواقع التواصل.
قد لا يسع المجال لضرب الأمثلة لكن ما يقوم به مركز مؤمنون بلا حدود، الممول من دولة خليجية، من طعن في الفكر الإسلامي ومحاولة تقديم “بدائل” عن التراث الإسلامي في كل المجالات حتى في الحديث والتفسير من أوضح الشواهد على ما نقول.
وصفّنا الإسلامي يعاني من كثير من نقاط الضعف مثل تولي راية التجديد من لا يستحق حملها لضعف فيه سواء كان هذا الضعف علميا كما هو حال الأكثر، أو أن هذا المجدد يعيش في زمان غير زمانه وهو يريد أن يرجع بالمسلمين إلى زمانه بدل أن يفصل بين الفكر والسياق الذي كتب فيه، أو يتولاه طائفة ينصرونه في الكتاب والمقال لكن يخونونه في الميدان فالخيانة “خيانة عقيدة وخيانة عمل” كما يقول الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس.
لكن الطبيعة تأبى الفراغ، وعلى أبناء الحركة الإسلامية أن يدركوا أن لا أحد سيجري وراءهم ليطلب منهم رأيهم إن لم يدخلوا المعركة ويخوضوا المعمعة وعليهم أن يعلموا أن الدين الصحيح دينان: واحد في الكتب تولى الله بصونه، والآخر في الميدان وهو مهمة الرسل وأتباعهم من بعدهم.
فإلى معركة التجديد يا دعاة الإسلام!
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)