من معاقبة طالبان إلى معاقبة الأفغان
بخصوص الحدث الأول وهو الذي طغى على التغطيات الأفغانية منذ انسحاب القوات الأمريكية في أواخر آب/ أغسطس الماضي، فقد سطت واشنطن على عشرة مليارات دولار من الأموال الأفغانية في بنوكها، ورفضت الإفراج عن هذه الأموال، مما يعد إرهاباً اقتصادياً، كأي إرهاب آخر، ومارست بالمقابل سياسات الترغيب والترهيب على دول العالم من أجل عدم الاعتراف بحكومة طالبان، ولئلّا تقدم الدعم الإغاثي للحكومة الجديدة، الأمر الذي انعكس سلبياً بشكل مباشر على حياة الأفغاني العادي، فقد حرم الإرهابُ الاقتصاديُّ الأمريكي الحكومةَ الأفغانيةَ من دفع رواتب الموظفين والجيش والعاملين في سلك الدولة، بتجميد عشرة مليارات دولار.
لكن لعل أسوأ ما فعله الاحتلال طوال فترة بقائه هو تكريس أفغانستان كدولة ريعية بامتياز، بحيث كانت ميزانية الدولة تعتمد على الدعم الدولي بنسبة تصل إلى أكثر من 95 في المائة، وهو ما يجعل الاقتصاد الأفغاني أسيراً للخارج وسياساته، تماماً كما حرص الاحتلال السوفييتي عليه، مما يعني أن الاقتصاد الأفغاني في الظروف نفسها منذ عام 1978 وحتى الآن.
السياسة الأمريكية والغربية المتوحشة في التعاطي مع أفغانستان، بابتزازها اقتصادياً وإغاثياً، تعكس مدى الغضب والحنق الأمريكي على الشعب الأفغاني. فالاحتلال يشعر كأنْ قد تم تجريده من ثيابه، بعد أن طُرد من البلاد، الأمر الذي عرّاه تماماً أمام المجتمع الدولي، فأفقده هيبته، ولذا فهو يلجأ إلى أساليب قديمة جديدة بالانتقام ممن فعل به ذلك.
أما الإعلام الغربي والأمريكي فلم نره يركز إلاّ على اللقطة الأخيرة، وهي الانفجار الذي وقع في مطار كابل، ونفذه تنظيم داعش، بينما على مسافة أمتار من الانفجار كان أربعة من القوات الخاصة الأمريكية يرمون بسيدة أفغانية خارج سور المطار، في مشهد وحشي لم نر مثله أبداً، دون أن يحظى بعشر معشار تغطية حادث المطار، فضلاً عن أن يذكّر الإعلام الغربي بمشاهد تبوّل القوات الأمريكية على جثث مقاتلي طالبان أيام الغزو، أو قيام قوات أمريكية بقتل معاق أفغاني كان قد ركّب طرفاً صناعياً، لينتزعوا طرفه الصناعي ويضعوا الخمر داخل الطرف الصناعي ثم يحتسوها، تماماً كما فعل من قبل المغول الذين كانوا يقطعون جمجمة الأفغاني ويجوفوها، فيضعوا الخمر فيها ويحتسوها.
أما قضية انضمام القوات الأفغانية الرسمية، التي طالما أنفق الأمريكيون عليها تسليحياً واستخباراتياً، لتنظيم داعش، فيعكس في الحقيقة إما سعي الأمريكيين للتعاون مع داعش ضد طالبان، أو يعكس مدى فشلهم في تحصين من دربوه بعدم الالتحاق بهذه التنظيمات، والأهم من ذلك انهيار سرديتهم في سوريا بالحرص على الجيش ومؤسسات القمع الأسدية، وهم الذين فككوا الجيش العراقي، فانضم بعض أفراده لجماعات القاعدة، وها هو المشهد يتكرر اليوم في أفغانستان بالتحاق القوات الخاصة الأفغانية وعناصر من المخابرات الأفغانية بتنظيم داعش.
لم تعد السرديات الأمريكية متماسكة، ولم تعد صالحة أخلاقياً، تماماً كما لم تعد قابلة للتصديق، ولعل ما يحصل في أفغانستان يجدد الدورة الدموية المشككة في مصداقية السياسة الأمريكية وشروحاتها، ونحن نرى تكراراً لمعاقبة الشعب الأفغاني، على طريقة معاقبة الشعب العراقي، بمحاصرته أيام حكم صدام حسين، فراح ضحية الحصار يومها مليون عراقي، فهل ستكرر واشنطن سياستها اليوم ضد الأفغان بالذرائع الواهية نفسها، وهي التي ترى وتسمع عن انضمام قوات أنفقت عليها مئات المليارات من الدولارات لصالح داعش، شعارها “عليّ وعلى أعدائي”؟