من فقه الصيام “الصوم والصبر”
بقلم الشيخ د. عكرمة سعيد صبري
إن “الصبر” من الفضائل الايمانية والخُلقية، وهو النفحة الروحية التي يعتصم ويتمسك بها المؤمن فتخفف عن بأسائه، وتُدخل السكينة والطمأنينة الى قلبه، وتكون بلسماً لجراحاته. ولولا الصبر لانهارت أعصاب الإنسان لما يشاهده من البلاء والوباء والمصائب والنكبات… لذا فقد أولى الله -عزوجل- عنايته بالصبر وذكره ما يزيد عن مائة مرة في القرآن الكريم، هذا وانه -سبحانه وتعالى- قد أثنى ومدح أولئك الذين يتصفون بالصبر بقوله: “… وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” سورة النحل-الآية96. وقوله: “… إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ” سورة الزمر-الآية10. هذا ومن صفات المؤمن أن يكون شاكراً في حالة الرخاء، وأن يكون صابراً في حالة الشدة لقول رسولنا الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-“عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير وليس ذلك لأحد غير المؤمن: إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له” اخرجه مسلم عن الصحابي الجليل صهيب بن سنان (صهيب الرومي) رضي الله عنه.
هذا والمعلوم أن “الصوم” يؤثر في سلوك المسلم تأثيراً إيجابياً واضحاً لأن الصائم يكون متصفاً بالصبر والثبات على المكاره كما يتصف بالصفاء حين تأديته للعبادات وتلاوة القرآن والطاعات فقد قيل يوماً للأحنف بن قيس: “إنك شيخ كبير وان الصيام يضعفك”، فقال: “إني أُعّده لسفر طويل، والصبر على الطاعة الله أهون من الصبر على عذابه”. فإن الأحنف بن قيس قد استند لقول رسولنا الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم-: “لكل شيء زكاة، وزكاة الجسد الصوم، والصوم نصف الصبر” أخرجه أبن ماجه في باب الصيام عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. بمعنى أن فريضة الصيام تحجز وتُشغل النصف الأول من الصبر، وأن سائر الأمور الأخرى تحجز وتُشغل النصف الآخر من الصبر. وذلك للدلالة على أهمية فريضة الصيام وعلى أن الصيام يضبط نفسه ويصبر ويصابر عن النقائص والهوى والانحراف كاللغو والسباب والكذب والخصام والدجل والنفاق والغيبة والنميمة وغيرها من الصفات السيئة وغير الحميدة. بالإضافة الى الامتناع عن الأكل والشرب والجماع. وفي حديث نبوي شريف آخر: “…وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة” أخرجه البيهقي وابن خزيمة والمتقي عن الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه. فالصبر الصبر، أخي الصائم، فإن ثوابك عند الله عظيم وعظيم يقودك الى الجنة.
والحمد لله رب العالمين
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)