من عبق ذكرى الإسراء والمعراج: صلاتك نجاتك
بقلم محمد عبد الرحمن صادق
إن الصَّلاة عماد شريعتنا الغرَّاء وقوام ديننا الحنيف، وهي رأس الأمر كله، بل هي الصلة بين العبد وربه، والصلاة هي التي تفرق بين من هم على شريعة الإسلام وبين من هم على غيرها من الشرائع والملل الأخرى.
جاء في القرآن الكريم عشرات الآيات التي توصي المسلمين بإقامة الصلاة، وجعل الله تعالى الصلاة أكبر وأهم دلائل الإيمان وأماراته.
عندما عدَّد الله تعالى صفات المؤمنين في صدر (سورة المؤمنون) جعل في مقدمة هذه الصفات قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:2]، واختتم الله تعالى هذه الصفات بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9]؛ لما للصلاة من أهمية كبرى.
أولاً/ معنى إقامة الصلاة
المقصود بإقامة الصلاة هو أداؤها بأركانها، وسننها، وهيئاتها في أوقاتها.
عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: “إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال على الله فيها”.
ويقول العلامة السعدي – رحمه الله – في تفسيره: “فإقامة الصلاة، إقامتها ظاهراً، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها. وإقامتها باطناً بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت:45] وهي التي يترتب عليها الثواب؛ فلا ثواب للإنسان من صلاته، إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها”.
لقد توعد الله تعالى الساهين عن الصلاة فقال: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}” [الماعون:4، 5]
وتوعد المنافقين الذين يُراؤون بصلاتهم فقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:142].
وعاب النبي – ﷺ – على المسيء صلاته فقال له: “ارجع فصلِّ فإنَّكَ لم تصلِّ” (صحيح النسائي).
وروي عن سالم بن أبي الجعد أنه قال: “الصلاة بمكيال، فمن أوفى له ومن طفف فقد علمتم ما قال الله -عز وجل- في ذلك: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1].
من كل ما سبق نفهم أن إقامة الصلاة تتطلب إتمامها بالطريقة التي شرعها الله تعالى دون زيادة ولا نقصان، كما تتطلب إخلاصاً وخشوعاً وخضوعاً، ورغبة ورهبة؛ لأن كل هذه الأمور بالنسبة للصلاة كالروح بالنسبة للجسد، فليس كل من نقر رُكيعات كنقر الغراب يُعد مُقيماً للصلاة.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أسوَأُ النَّاسِ سرِقةً الَّذي يسرِقُ صلاتَه” قيل: وكيفَ يسرِقُ صلاتَه؟ قال: “لا يُتِمُّ ركوعَها ولا سجودَها” (صحيح ابن حبان).
ثانياً/ الأمر بإقامة الصلاة في القرآن الكريم
إن من يتتبع آيات القرآن الكريم يجد أن الأمر بإقامة الصلاة قد ورد عشرات المرات.
ويجد أن الأمر بإقامة الصلاة قد جاء بصيغة المذكر والمؤنث، وبصيغة المفرد والجمع.
قال تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78].
وقال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33].
وقال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43].
ويجد أن الأمر بإقامة الصلاة قد ورد بصيغة الأمر بأدائها والترغيب في إدراك فضلها.
قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:45].
ويجد النهي عن ترك إقامة الصلاة والترهيب من مغبة التقصير فيها.
قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4، 5].
ويجد مدح من يحرصون على أدائها، وذم من يتكاسلون عنها ويؤدونها سمعة ورياءً.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277].
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء:142].
ويجد أن الله تعالى يمكِّن لأوليائه في الأرض لكي يُقيموا الصلاة حق إقامتها ويحثوا الناس على ذلك.
قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41].
ويجد أن أول ما حرص النبيون على تعليمه لأهليهم هو إقامة الصلاة.
قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].
ويجد أموراً وأسراراً لا يعلمها إلا الله تعالى، وكلما ازداد المرء من ربه قرباً كلما فتح له من هذه الأسرار.
ثالثاً/ أهمية الصلاة بالنسبة للمسلم
إن الصلاة هي الميزان الذي يضبط حياة المسلم وشؤونه كلها بميزان التقوى.
والصلاة تجعل قلب المسلم دائم التعلق والمراقبة بخالقه -سبحانه وتعالى- فتأمره وتنهاه حتى يلقى خالقه مُستبشراً بما قدم من أعمال صالحات.
والصلاة كلما أداها المسلم كما أمر الله تعالى، كلما ازداد لها حباً وبها تعلقاً، ولا يمل ولا يسأم ولا يفتر أبداً من إقامتها، فهل تسأم الجذور العطشى من ريِّها! وهل يسأم العليل مما فيه برؤه!
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: “فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرض الله على رسوله – ﷺ – الصلوات الخمس، وفصَّل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئاً فشيئا”.
وقال القرطبي رحمه الله: “ولم يختلفوا في أن جبريل عليه السلام هبط صبيحة ليلة الإسراء عند الزوال، فعلم النبي ﷺ الصلاة ومواقيتها”.
ولأهمية الصلاة بالنسبة لترسيخ عقيدة المسلم نجد أنها قد فرضت في صدر الإسلام قبل هجرة النبي ﷺ إلى المدينة المنورة.
ولأهمية الصلاة في بناء عقيدة المسلم وترسيخها جعلها الله تعالى الركن الثاني من أركان الإسلام الخمسة بعد الشهادتين.
ولأهمية الصلاة في استقامة إيمان المسلم وحفظ الصلة التي بينه وبين ربه؛ فهي لا تسقط عن المسلم ولو في أشد ظروفه وأحلك أحواله ، فالمسلم الذي يُحال بينه وبين الصلاة لعِلَّة أو لمرض مأمور بأن يُمرِّر حركات الصلاة على قلبه ولا يتركها البتة.
ولأهمية الصلاة في قياس إيمان المسلم نجد أن الحنابلة قد حكموا على تاركها بالكفر، وباقي المذاهب اعتبرت تارك الصلاة فاسقاً، وللحكم تفاصيل يمكن الرجوع إليها في مكانها.
ولأهمية الصلاة أخبر النبي – ﷺ – عن حال الأنبياء – صلوات ربي وتسليمه عليهم أجمعين – فقال: “كانُوا إذا فَزِعُوا فَزِعُوا إلى الصَّلاةِ” (السلسلة الصحيحة).
ولأهمية الصلاة نجد أن الله تعالى قد شرَّع لكل حال من أحوال المسلمين صلاة، ففي وقت فرح المسلمين وسعادتهم يصلون صلاة العيدين، وفي وقت حزنهم يصلون صلاة الجنازة، وإذا قحطت السماء يصلون صلاة الاستسقاء، وإذا كُسِفت الشمس أو خسف القمر يصلى المسلمون صلاة الكسوف والخسوف، وهناك صلاة قيام الليل، وصلاة الحاجة، وصلاة الاستخارة، وصلاة التراويح، وصلاة الضحى… إلى غير ذلك من السنن والنوافل التي شرعت لضمان تعلق القلب بخالقه.
ولأهمية الصلاة كان النبي – ﷺ – يقول: “يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها” (سنن أبي داوود) ولقد عاب الصحابة -رضوان الله عليهم- على رجل من خزاعة قال: “لَيْتَني صَلَّيتُ فاستَرَحتُ” (سنن أبي داوود)؛ ليقينهم أن الراحة كل الراحة في الصلاة، وليقينهم أن الصلاة تؤدى إخلاصاً لا تخلصاً.
ولأهمية الصلاة جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي ﷺ قال: “لقد همَمْتُ أنْ آمُرَ رَجلاً يُصلِّي بالنَّاسِ، ثُم آتي أقواماً يخلّفون عنها فأحرّق عليهم” (رواه ابن حبان).
إن أهمية الصلاة أكثر من أن تحصى لما أودعه الله تعالى فيها من أسرار، فالمسلم كلما حرص على إقامة الصلاة كما يحب الله ويرضى قذف الله تعالى في قلبه من حلاوتها ما يُشعره كأنه لم يُصل من قبل فازداد بها تعلقاً ولها حُبا .
رابعاً/ الصلاة المُنجية كما ورد في سورة المعارج
إن (سورة المعارج) من سور القرآن الكريم التي وصفت لنا مشاهد يوم القيامة، وبيَّنت لنا حال أهل الإيمان ومآلهم، جعلنا الله جميعاً في أحسن حال وأسعد مآل، وجسدت لنا كذلك حال أهل الكفر ومآلهم، أعاذنا الله جميعاً من شر حالهم ومن سوء مآلهم.
والملاحظ أن الله تعالى ذكر الفئة الناجية من العذاب في هذه السورة وسماهم “المُصلين” ولم يسمهم (الذين يقيمون الصلاة) وهي المرة الوحيدة في القرآن الكريم التي ترد بهذا اللفظ! ليس هذا فحسب، بل عدَّد الله تعالى صفات (المصلين) وذكر لهم ثمان صفات، وهي:
1 – الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُون.
2 – وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم.
3 – وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّين.
4 – وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُون.
5 – وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون.
6 – وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون.
7 – وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُون.
8 – وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُون.
إن من يتدبر هذه الصفات الثمانية يجد أنها قد بدأت بقوله تعالى: “الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ” وانتهت بقوله تعالى: “وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُون”.
َومن يتدبر الآيات يجد أن الصفات المذكورة قد ربط بينها بـ (واو العطف) مما يُوحي بأن كل هذه الصفات وحدة واحدة لا تتجزأ، وأن الصلاة ما شرِّعت إلا لتغرس في نفس صاحبها كل هذه الصفات وتؤصلها بتمامها وكمالها، وأن من أراد صلاة مقبولة ومُنجية فليُحسن صلاته حتى تبلغ به هذه الدرجة وحتى تؤصل فيه كل هذه الصفات.
جاء في تفسير الطبري: عن قتادة قوله: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً …) إلى قوله: (دَائِمُونَ) ذكر لنا أن دانيال نعت أمة محمد ﷺ قال: “يُصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا، أو عاد ما أُرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها خُلُقٌ للمؤمنين حَسَن”.
إن ما يؤيد هذا الطرح هو المشهد الذي ورد في (سورة المدثر)، وذلك في قوله تعالى: “مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42، 43].
وأخيراً أقول…
إذا كانت الصَّلاة هي عماد الدين، وهي رأس الأمر كله، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة، وهي التي تفرق بين المسلم وغير المسلم، فحق لنا أن نقول أن المسلم ما خلق إلا ليُصلي، والسعيد كل السعادة هو الذي يُقيم الصلاة كما يحب ربنا ويرضى قبل أن يقبضه الله إليه حتى يُبعث من المصلين.
(المصدر: موقع بصائر)