مقالاتمقالات مختارة

من حقيقة هو المأزوم؟

من حقيقة هو المأزوم؟

بقلم د. محمد فتحي الشوك

استعدادات حثيثة كانت تجري على قدم و ساق  لاستقبال الرّهينة الفرنسية المحرّرة “صوفي بترونين” بعد أن قضت قرابة الأربع سنوات محتجزة في مالي لدى إحدى الجماعات الّمسلّحة المالية، كانت الصّحافة الفرنسية و العالمية في الموعد لنقل وقائع حدث هامّ  و بثّ الصّور الأولى  لخطوات صوفي و هي تنزل من الطّائرة و تطأ بقدميها عاصمة النّور بعد سنوات الأسر و الظّلمة ، استأثر الحدث باهتمام شعبي و رسمي  فكان الرّئيس الفرنسي” ايمانويل ماكرون” على رأس المستقبلين في القاعدة الجويّة “فيلاكوبلاي” جنوب باريس صحبة وزير الخارجية ” جون يفيس لادريان” ،و بمجرّد وصولها  صرّحت  “صوفي” بما صدم  ماكرون و الحاضرين و جعله يغادر سريعا دون أن يلقي تصريحا كان مبرمجا، فما الّذي صرّحت به “صوفي” حتّي يصدم الرّئيس و ربّما يغضب ليمتنع على غير عادته بالإدلاء بأيّ تصريح و هو الّذي يبحث عن تسجيل نجاح يحسب له في ظلّ ما يعيشه من أزمات؟

_”صوفي” صارت مريم:

“صوفي بترونين هي من مواليد7 يوليو 1947 بمدينة بوردو الفرنسية اختصاصية في مجال سوء التغذية ،  انتقلت إلى مالي سنة 2001 لتستقرّ في مدينة غاو  حيث أسّست جمعية  للاعتناء بالأطفال خصوصا ممّن يعانون من سوء التغذية، اختطفت في 24 ديسمبر2016 من قبل مجموعة مسلّحة مالية تطلق على نفسها جماعة “نصرة الإسلام و المسلمين” لتظهر في شريط فيديو لأول مرّة في يوليو 2017 ثمّ في مارس2018 و أخيرا في يوليو من نفس العام حيث وجّهت نداء للرّئيس الفرنسي و للحكومة الفرنسية حتّى تبذل مجهودا لكي يفرج عنها.

ابنها “سيباستيان شادو بترونين” لم يخف توجّسه و شكوكه في جدّية السّلطات الفرنسية  لإنقاذ حياة أمّه و تلكّئها في بذل المجهود الكافي و قد استشعر نيّة المسؤولين في شنّ حرب على المسلّحين دون الاكتراث بمصير والدته ، فكان أن غيّر إستراتيجيته لينتقل على عين المكان و يحيل القضيّة إلى مفاوض محلّي، و من حسن حظّه و حظّ والدته ما جرى من أحداث أخيرة في مالي أطاحت بالرّئيس” ابراهيم بوبكر كيتا” و جعلت المجلس الانتقالي الحاكم يبحث عن تهدئة مع جميع الفصائل المسلّحة في مالي ممّا سرّع في نجاح المفاوضات مع الجماعة المختطفة لصوفي و قد كان للأمام ” محمود ديكو” دورا بارزا في الوصول إلى النّهاية السّعيدة.

أفضت الصّفقة إلى الإفراج عن  عاملة الإغاثة الفرنسية “صوفي” و ايطاليين و أحد زعماء المعارضة المالية و هو “سومايلا سيسي”  مقابل إطلاق سراح سلطات باماكو لمائة و ثلاثين مسلّحا و دفع السّلطات الفرنسية لفدية تقدّر باثنين مليون دولار حسب بعض المصادر.

كان “سيباستيان” ابن المختطفة يخشى الوضع الّذي سيجد والدته فيه و قد صرّح بذلك لتلفزيون فرانس 24 ثلاثة أيّام قبل الإفراج عنها إذ قد توقّع أن يجدها مريضة ،ضعيفة جدّا،لا تستطيع الوقوف و سيكون سعيدا لو مازالت باستطاعتها رؤية الأشياء و تمييزها.

تلك هواجس “سيباستيان”  و هي لا تختلف كثيرا عن هواجس غالبية الفرنسيين و خصوصا الرّئيس ماكرون،أن تبقى محتجزا في صحراء نائية و رهينة بأيدي مجموعة متخلّفة ممّن لم تشرق عليهم حضارتهم سيكون مآلك حتما إن نجوت من الموت تدهورا لحالتك الصحّية الجسديّة و العقليّة.

كانت صورة صوفي و إطلالتها و هي تنزل من الطّائرة مختلفة بالكامل عمّا توقّعه الجميع و لم تكتف بمفاجأة من جاء لاستقبالها بما أظهرته من صحّة جيّدة لتصدم الجميع و تعلن أنّها أسلمت و أسمت نفسها مريم.

“إنّني سأدعو الله لأجل مالي ،كنت صوفي ،الآن معك مريم، أنا مسلمة” هكذا خاطبت “ماكرون” الّذي أتى لاستقبالها كآخر رهينة فرنسية تحرّر ليصدم الرّجل و هو من  شخّص و أعلن أنّ الإسلام في أزمة، فترى من المأزوم الآن؟

سيلفيا الّتي تحوّلت إلى عائشة:  _

صوفي الّتي أسلمت و اتّخذت من الأسماء مريم لم تكن الأولى من فعلت ذلك فقد سبقتها الايطالية” سيلفيا كونستانزو رومانو” الّتي اختطفت في الصّومال و بقيت رهينة لدى جماعة مسلّحة لم تحدّد هويّتها  لمدّة 18 شهرا قبل أن تحرّر في 9 مايو2020 بفضل عمليّة مخابراتيّة تركية بالتعاون مع الصّومال و ايطاليا .

سيلفيا الشّابة ذات الخمس و عشرون ربيعا و هي عاملة إغاثة إنسانية تعرّضت للاختطاف بمنطقة “شاكاما” جنوب شرقي كينيا في نوفمبر/تشرين الثاني2018 لتطلب روما من أنقرة المساعدة في العثور على المختطفة و تحريرها ،ليتمّ ذلك بنجاح،  الايطالية المحرّرة  أعلنت بمجرّد وصولها إلى روما على متن طائرة خاصّة  و هي مرتدية لزيّ إسلامي أخضر اللّون بأنّها أسلمت و أسمت نفسها عائشة ، كان في استقبالها  يومها رئيس الوزراء الايطالي  “جوزيبي كونتي” و و زير  الخارجية ” لويجي دي مايو”.

نشرت وسائل الإعلام الايطالية  ما صرّحت به للنّيابة العامّة من إفادات تتعلّق بظروف و ملابسات  عملية اختطافها و ممّا قالته أنّها شعرت بالرّعب  في البداية ثمّ انزوت إلى التفكّر إلى أن قرّرت اعتناق الإسلام  و قد أكّدت  عائشة أنّها لم تتعرّض لأيّ ضغوط في اختيار الإسلام  مشيرة إلى أنّها اختارت من الأسماء اسم زوج الرّسول محمّد صلّى الله عليه و سلّم.

ليس سحرا أسودا و لا متلازمة ستوكهولم، هو الإسلام دين الفطرة الّذي كلّ من اقترب منه إلا و اجتذبه إليه و هي حلاوة الإيمان الّتي تجعل من يتذوّقها يصعب عليه تركها.

تعرّضت عائشة إلى حملة شعواء من قبل بعض وسائل الإعلام  و تلقّت كمّا من التّهديدات و عبارات الكراهية في تعليقات على منصّات التّواصل الاجتماعي  و هو نفس ما تعرّضت و ستتعرّض إليه مريم الفرنسية ،و هو ما يكشف منسوب الإسلاموفوبيا المتفشّية في أوربّا و في العالم بصفة عامّة و هي في تصاعد  بنموّ الحركات اليمينيّة العنصريّة و بتشجيع من بعض من ينتمون إلى الإسلام و هو منهم براء.

لم يكن خطاب الكراهية و العنصرية الّذي أدلى به الرّئيس الفرنسي ماكرون و هو يزعم بأنّ الإسلام في أزمة مفاجئا إذ كشف ما تحاول أن تخفيه منظومة مستعلية منتفخة و متمركزة حول ذاتها ترى بعين الدّونية للمختلف “المتخلّف” الآخر،و لعلّ الأزمات الّتي يعيشها في الدّاخل و الخارج هي ما جعلته يصدّرها ليلبسها تعسّفا في عقيدة اثنين مليار من البشر.

لم تلق تصريحاته الخطيرة تلك الردّ المناسب إلاّ من الرّئيس التركي “أردوغان” و اتّحاد علماء المسلمين و شيخ الأزهر و مفتي سلطنة عمّان و فلسطين ليبتلع البقيّة ألسنتهم و كأنّ الأمر لا يعنيهم أو ربّما استحسنوه و بعضهم منشغل بإخراجات التّطبيع و تفصيل دين جديد يتماهى مع ما يريده “ماكرون” و الماكرون.

  و في الواقع أنّ أفضل ردّ تلقّاه ماكرون هو ما نطقت به مريم الّتي جهرت بإسلامها أمامه  ليطرح السّؤال: من فعلا هو المأزوم؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى