إعداد د. زياد الشامي
من خصائص دين الله الإسلام أنه دين عالمي لا يختص بقوم أو شعب أو أمة بعينها , ومن مزايا رسالة ودعوة خاتم الأنبياء والمرسلين أنها موجهة للناس كافة , قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سبأ/28 , وقال تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا …..} الأعراف/158.
لقد كان الشغل الشاغل للمصطفى صلى الله عليه وسلم أن يبلغ دين الله تعالى وأن ينشر رسالة ربه في العالمين , ومن هنا يمكن فهم حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية قومه والناس أجمعين , وإيلاء قضية الدعوة إلى الله ونشر عقيدة التوحيد الأهمية القصوى في حياته , حيث كانت رسائله الدعوية إلى ملوك الأرض وزعماء العالم في عصره خير شاهد على ذلك الاهتمام الذي لم يفتر أبدا طوال حياته .
وبعد وفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم انتقلت جذوة الاهتمام بالدعوة إلى الله إلى أصحابه الكرام , ويكفي الاطلاع على أماكن وفاة الكثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشارق الأرض ومغاربها لمعرفة مدى التزامهم بواجب الدعوة إلى الله وقيامهم بمهمة نشر دين الله في الآفاق .
ولم تتوقف مسيرة القيام بواجب الدعوة إلى الله و فريضة إخراج الناس من الظلمات إلى النور عند جيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين , بل قام الخلف بهذا الواجب حتى وصل دين الله إلى دول شرق آسيا التي عرفت الإسلام واعتنقنه الكثير من أهلها من خلال التجار المسلمين , بينما قام آخرون بنشر عقيدة التوحيد في مختلف قارات العالم وفي مقدمتها القارة الإفريقية .
والحقيقة أن الحديث عن الدعوة إلى الله في القارة السمراء حديث ذو شجون , فلطالما كانت هذه القارة محط أنظار الدول الاستعمارية الغربية , ليس من أجل الارتقاء بدولها أو النهوض باقتصادها أو تحسين الحالة المعاشية والتعليمية لأبنائها , بل من أجل نهب خيراتها واحتلال دولها وتحويلها إلى مستعمرات تخدم أجندة ومخططات أصحاب البشرة البيضاء المهووسين بالتسلط والهيمنة , ناهيك عن نشر عقائدهم الباطلة بين أبناء هذه القارة عبر البعثات التبشيرية التي جاست في الديار إفسادا.
وإذا أضفنا إلى البعثات التبشيرية الحملات الصفوية التي تسعى لنشر التشيع في دول القارة بشكل حثيث …. فإن واجب المسلمين لإنقاذ أبناء هذه القارة من تلك الأديان المحرفة والعقائد الباطلة قد أضحى مضاعفا , وفريضة إخراج الناس من الظلمات إلى النور بات لازما .
كثيرة هي الجهود الدعوية التي بذلت وتبذل في هذه القارة منذ عقود وحتى الآن , وإذا كان الشيخ عبد الرحمن السميط رحمه الله تعالى هو المثال والقدوة الأبرز في هذا الميدان في العصر الحديث , فإن الكثير من المؤسسات والهيئات والجمعيات الدعوية التي تعمل الآن في حقل الدعوة إلى الله في القارة السمراء قد أثبتت من خلال ثمارها الطيبة و آثارها الإيجابية المشاهدة أنها عازمة على إكمال المسيرة وحسن الاقتداء .
آخر تلك الثمار اليانعة ما تناقلته وسائل الإعلام عن إسلام 85 شخصا من سكان قرية “كارجا” الواقعة بقرية “بيمبلا المركزية” التابعة لمحافظة “تامالي” في “غانا” , وذلك بعد قيام مؤسسة نماء الخيرية الموسعة للدعوة إلى الله في إفريقيا بزيارة دعوية في إطار حملتها التي بدأت منذ عام 2011م .
يمكن إدراك أهمية هذا الإنجاز إذا علمنا أن عدد سكان القرية يبلغ 310 نسمة فقط منهم 15 مسلم – قبل الزيارة -، و250 نصراني، و45 ما بين وثني وملحد .
وفي غانا أيضا أثمرت زيارة دعوية قامت بها نفس الجمعية إلى قرية “باندجوا” التابعة لقرية “بيمبلا المركزية” بمحافظة “تامالي” في “غانا” عن إشهار 300 شخص من القرية إسلامهم، وذلك في غرة شهر رمضان الحالي , ليصبح عدد المسلمين في القرية 800 مسلم بعد أن كانوا قبل الزيارة 500 فقط من أصل 3 آلاف هم عدد سكان القرية .
ومن ثمار الدعوة في إفريقيا ما أعلنت عنه “جمعية التعليم والتنمية” بعد قيام قافلتها الدعوية بزيارة لقرية “كيبويه” بمنطقة “يوهورور” بمحافظة “إنغوزي” التابعة لدولة “بوروندي”، والتي أسفرت عن إسلام 320 شخصا وافتتاح مسجد بالقرية .
تقول الجمعية : إن البداية كانت في شهر نوفمبر من العام المنصرم، بدخول إحدى قوافلها الدعوية إلى قرية “كيبويه” التي لم يكن بها مسلم واحد، وقد آتت هذه القافلة ثمارها وأسلم 30 شخصا ولله الحمد , كما افتتحت القافلة مسجدا بالقرية أواخر شهر شعبان الماضي ، بعدما كانوا يصلون في مكان بالإيجار، ولم تخرج القافلة من القرية في أواخر شعبان حتى كانت الحصيلة إسلام 320 شخصا جديدا .
لا ينبغي أن يفوتني التنبيه على أن هناك بالتأكيد صعوبات تواجه الدعاة إلى الله تعالى في دعوتهم بتلك القرى النائية من القارة السمراء , ولعل ما حدث مع داعية مؤسسة نماء “أبو عمار” خير مثال على ذلك , إذ دعا أهل قرية تشامبا – التابعة لمدينة بيمبلا بمحافظة تمالي الواقعة شمال غانا والتي يبلغ عدد سكانها 15000 نسمة فلم يأت أحد إلى المكان المحدد , فما كان منه إلا أن طاف على بيوتهم يدعوهم للقائه والإصغاء إليه فلبى دعوته ألف شخص أعلنوا فيما بعد إسلامهم جميعا .
حجم التحديات التي تواجه المسلمين فيما يخص الدعوة إلى الله تعالى في القارة العجوز كبير وخطير , إذ إن الجهود والأموال التي يبذلها أعداء الإسلام في سبيل نشر عقائدهم الباطلة هناك لا يمكن أن يستهان بها , وهو ما ينبغي أن يواجه بأضعاف ما تقوم به المؤسسات والهيئات والجمعيات الدعوية والخيرية حاليا من جهود .
وفي الختام لا بد من القول : إنه مما لا شك فيه أن واجب الدعوة إلى الله تعالى لا ينبغي أن يرتبط وجودا وعدما بحصول النتائج أو قطف الثمار , إلا أن ذكر بعض ثمار الدعوة إلى الله و استعراض نتائجها الطيبة هنا وهناك يبعث بلا شك على الأمل والتفاؤل, ويدفع المسلمين ويشجعهم على القيام بهذه الفريضة على أكمل وجه.
(المصدر: موقع المسلم)